بدأت قصتها المثيرة بمولدها في 26 مايو 1591، حين رزق جابي ضرائب في مدينة فيتيربو بإيطاليا يدعى سفورزا ميدالتشيني وزوجته بطفل، إلا أنهما شعرا بخيبة أمل حين اكتشفا أنها كانت أنثى، وجرى تعميدها باسم أوليمبيا.
في كتاب بعنوان "سيدة الفاتيكان" كتبت المؤرخة إليانور هيرمان تقول إن "القصة الحقيقية لأوليمبيا ميدالتشيني، أن أوليمبيا كان يُنظر إليها على أنها مصدر إزعاج. لم يكن لدى والدها دليل على أن هذه الفتاة الصغيرة غير المرغوب فيها هي التي ستطلق اسم عائلتها إلى الشهرة والمجد، ولذلك لم يكن مهتما إلا بما سيفعله بها حين تكبر".
حين بلغت من العمر 15 عاما، اتخذ والدها قراره بأن تصبح راهبة. كان ذلك بمثابة الخيار الأرخص، على عكس دفع مهر باهظ كانت ستحتاجه لعقد زيجة مفيدة، بحسب تقاليد القرن السابع عشر في إيطالي.
في ذلك الوقت، كانت بعض النساء يسعين على أن يصبحن راهبات، إما لأسباب روحية أو لأنه البديل الوحيد المتاح للزواج والأمومة، وقد يكون أيضا طريقا إلى الإبداع أو القيادة.
من جهة أخرى كان الدخول إلى الدير بالنسبة للبعض الآخر، كابوسا وخيارا يفرض عليهن رغم إرادتهن. وأوليمبيا كانت ضمن هؤلاء.
عندما حاول والدها الزج بها في دير، قاومت أوليمبيا بشدة، وانتصرت في تلك المعركة التي تركت أثرا غائرا في شخصيتها وجعلتها تمضي بقية حياتها وهي تحصن نفسها بأكبر قدر ممكن من الثروة والسلطة، متوجسة على الدوام من أن تتعرض لحبس الرجال.
تحدت أوليمبيا سلطة والدها، وتزوجت من أغنى شاب بالمدينة. بعد ثلاث سنوات مات الرجل وانتقلت ثروته بأكملها إليها، وأصبحت أرملة وهي لم تناهز 21 عاما.
إثر ذلك، اقترنت بنبيل يبلغ من العمر 51 عاما ويدعى بامفيليو بامفيلي، في صفقة مربحة للطرفين، حصل بموجبها الزوج على ثروتها، وحصلت هي على لقب نبيلة "دونا".
وجدت دونا أوليمبيا ميدالتشيني مشروعا جديدا واعدا في حياتها الزوجية الجديدة، وتمثل في مساعدة شقيق زوجها جيوفاني باتيسته بامفيلي البالغ من العمر 38 عاما في الترقي في السلك الكنسي.
وضعت ذكاءها ومكرها في خدمة طموحاته، وساعدته على الارتقاء في السلم الكنسي ولم تهدأ إلى أن أوصلته إلى القمة.
عملت مساعدة ومستشارة لصهرها، وقامت برشوة المناسب من الأشخاص للحصول على مناصب أفضل له.
كانت البيئة المحيطة، ساحة للتلاعب والخداع وهي أتقنت بشكل استثنائي لغته وامتلكت مفاتيحه.
أمنت له مرتبة الكاردينال في عام 1629، وفي قفزة كبيرة وضمن رشوة ضخمة أخرى تم انتخابه ليكون البابا التالي في عام 1644. وبفضل زوجة أخيه ومستشارته الداهية، أمن لنفسه أقوى مركز في كل أوروبا في ذلك الوقت.
حين أصبح جيوفاني باتيسته بامفيلي البابا إنوسنت العاشر، كان يبلغ من العمر 70 عاما وكانت أوليمبيا في 53 عاما من العمر.
كان البابا إنوسنت العاشر مجرد واجهة، وكانت هي البابا الحقيقي، حتى أن كاردينالا يدعى أليساندرو بيتشي، أعلن وهو يستشيط من الغضب في اليوم الذي أعلن فيه الكاردينال بامفيلي البابا إنوسنت العاشر: "لقد انتخبنا للتو امرأة بابا".
حتى الأناس العاديون علموا بهذا الأمر، وجرى تعليق لافتات في بعض الكنائس بأنحاء المدينة كتب عليها باستهزاء: "البابا أوليمبيا الأول".
عملت ليل نهار في صفتها غير الرسمية باعتبارها الشخصية الثانية في القيادة، ولم تكن تغادر القصر البابوي إلا في ساعات متأخرة من الليل، وكانت تتخذ جميع القرارات المتعلقة بالتعيينات والترقيات الهامة، وأثرت على السياسات المتبعة وتفاوضت مع القوى الأجنبية، وقدمت التماسات، وكانت في واقع الأمر الشخصية الآمرة الناهية الأولى.
إلى جانب ذلك، اهتمت بالنساء، ودفعت بأموال المساعدة الراهبات، وتكفلت بمهور الفتيات الصغيرات اللائي أجبرتهن أسرهم على الإقامة في الأديرة، وزادت على ذلك بتوفير حماية للبغايا.
طغى نفوذها واستفحل إلى درجة أن البابا نفسه حين كان يسأل عن أمر ما، كان يجيب، يا ترى "ماذا سيكون رأي دونا أوليمبيا!".
بنهاية المطاف، أدرك الدبلوماسيون أن الطريقة الأفضل لكسب ود البابا يتأتى برشوة دونا أوليمبيا.
كانت بنظر المحيطين بها جشعة وفاسدة. ومع ذلك وُجد من رأى فيها خصالا إيجابية، حيث أن سفير الملك الفرنسي لويس الرابع عشر وصفها بـ "السيدة العظيمة".
قضاؤها أوقاتا طويلة صحبة البابا في القصر البابوي خلف أبواب مغلقة، وتأثيرها الساحق عليه، أسهم في انتشار افترض على نطاق واسع بأنها كانت عشيقة للبابا.
كاتبة سيرة أوليمبيا، المؤرخة إليانور هيرمان، علّقت على هذا الأمر بالقول: بغض النظر عما إذا كانت عشيقة أم لا للبابا، فهي بالتأكيد عشيقة للفاتيكان، حيث كانت تقوم بتعيين الكرادلة، والتفاوض مع القوى الأجنبية، وجني مبالغ ضخمة من الخزانة البابوية".
نفوذها وجبروتها أثناء إمساكها بالسلطة البابوية، خلفا لها الكثير من الأعداء، لكن بعد وفاة صهرها فتح البابا الجديد تحقيقا في سلوكها خلال فترة سلفه، وفي قضايا "فسادها واختلاسها وفي اختفاء محير لخزينة الفاتيكان بأكملها".
لم يسفر التحقيق عن أي نتيجة، إلا أنها نُفيت من روما وفي عام 1657، وماتت أوليمبيا لاحقا وحيدة من الطاعون الدبلي الذي يعرف بـ "الموت الأسود".
المؤرخة هيرمان تقول إن أعداء أوليمبيا في الكنيسة "تحركوا على الفور للقضاء على الذكرى الفاضحة لهذه المرأة الجريئة التي حكمتهم جميعا"، ولذلك مسح تاريخها وتوارى تماما إلى أن ظهر اسمها مجددا بعد قرون!
المصدر: RT