في 10 يوليو عام 1991، أصبح رئيس المجلس الأعلى لجمهورية روسيا الاتحادية بوريس يلتسين من مواليد عام 1931 أول رئيس للبلاد منتخب في إطار عملية اقتراع عامة حاصدا 57% من أصوات الناخبين، وذلك في آخر أيام الاتحاد السوفيتي.
وتنسب إلى يلتسين العبارة المشهورة الموجهة إلى الجمهوريات السوفيتية: "خذوا أكبر قسط من السيادة تستطيعون حمله".
وبعد شهر فقط من توليه مقاليد الحكم، شهدت حكومة يلتسين أول أزمة سياسية ملموسة، وهي ما يعرف بـ"محاولة انقلاب أغسطس" حيث حاولت "لجنة الدولة لحالة الطوارئ" المؤلفة من مسؤولين حكوميين محافظين وأعضاء الحزب الشيوعي، إقصاء رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، معتبرة أن نهجه السياسي يدفع البلاد نحو الانهيار.
وفي تلك الأيام تولى يلتسين قيادة مقاومة "اللجنة" في مقر الحكومة، ما أدى إلى إفشال محاولة الانقلاب.
وفي 8 ديسمبر 1991 وقع يلتسين ورئيسا أوكرانيا وبيلاروس حينذاك، ليونيد كرافتشوك وستانيسلاف شوشكيفيتش، على الاتفاقية التي أقرت بإنهاء وجود الاتحاد السوفيتي وتشكيل رابطة الدول المستقلة، وذلك بالرغم من تصويت الأغلبية الساحقة من المواطنين لصالح الحفاظ على الاتحاد.
وأدى إبرام هذه الاتفاقية إلى تفكك الاتحاد السوفيتي، ما وصفه خلف يلتسين، فلاديمير بوتين بعد نحو عشر سنوات بـ"أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الـ20".
وواجه يلتسين أثناء حكمه معارضة شديدة من قبل غرفتي البرلمان الروسي، مؤتمر نواب الشعب والمجلس الأعلى لروسيا الاتحادية، وبلغت هذه الخلافات ذروتها في "الأزمة الدستورية" عامي 1992 و1993.
وفي سبتمبر 1993 حاول مؤتمر النواب عزل يلتسين عن الحكم، ما أدى إلى مواجهة مسلحة بين مؤيدي الطرفين في العاصمة موسكو، حيث اقتحمت قوات موالية للرئيس مبنى البرلمان، وراح 123 شخصا ضحية هذه الأحداث وأصيب 384 آخرون، حسب معطيات رسمية.
وعلى خلفية هذه الأحداث، حل يلتسين البرلمان، وأجرى إصلاحا برلمانيا، ما أدى إلى تشكيل الدوما (مجلس النواب) ومجلس الاتحاد، بدلا عن الغرفتين السابقتين.
وفي أواخر عام 1993، صوت غالبية المواطنين لصالح مشروع الدستور الجديد، وهو الأول في تاريخ الاتحاد الروسي، والذي منح رئيس الدولة مزيدا من الصلاحيات على حساب البرلمان.
وأطلق يلتسين أثناء فترتي حكمه حملة إصلاحات اقتصادية ليبيرالية جذرية، معروفة بـ"العلاج بالصدمة"، بما في ذلك حملة الخصخصة، من أجل خلق اقتصاد السوق الحرة، وذلك أسفر عن أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد منذ عقود وانهيار العملة الوطنية "الروبل" في عام 1998.
وبين التداعيات السلبية الأخرى لهذه الإصلاحات، وصول نخبة رجال الأعمال إلى الحكم وسيطرتها على أهم مرافق الصناعة والاقتصاد.
واتسم عهد يلتسين بتفاقم مستوى معيشة المواطنين وارتفاع مستوى الفساد والجريمة في البلاد، وتفعيل الحركات الانفصالية وتعميق المشاكل الاجتماعية في مختلف أنحائها وانخفاض القدرات الدفاعية للجيش الروسي.
وانعكس ذلك بوضوح في حرب الشيشان الأولى، حيث أسفرت سياسة الحكومة الروسية غير المتناسقة عن تعزيز مواقف الراديكاليين واندلاع مواجهة مسلحة، ما دفع موسكو إلى إدخال قواتها إلى الجمهورية أواخر عام 1994.
وارتُكبت أثناء هذه الحرب العديد من الأخطاء على مستوى القيادات، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف العسكريين الروس والمدنيين، وانتهت الحرب بتوقيع اتفاق سلام بين موسكو والفصائل الشيشانية المسلحة، بعد انسحاب القوات الروسية من الشيشان.
وعلى خلفية هذه الحرب، شهدت روسيا في يونيو 1995 أول عملية إرهابية كبيرة، حيث استولت مجموعة من المتطرفين الشيشانيين بقيادة شامل باساييف على مستشفى في مدينة بوديونوفسك جنوب البلاد واحتجزت العديد من الرهائن فيها، ما أسفر عن مقتل 129 شخصا وإصابة 415.
وشهدت شعبية يلتسين داخل البلاد على خلفية هذه الأحداث انخفاضا غير مسبوق، لكنه تمكن في نهاية المطاف من استعادة بعض المواقع وتحقيق فوز على المرشح الشيوعي غينادي زوغانوف في الانتخابات الرئاسية عام 1996.
وأما بخصوص السياسات الخارجية للرئيس يلتسين، فكانت تهدف إلى اعتراف العالم بروسيا كدولة سيادية، وتطبيع العلاقات مع الغرب، وتجاوز تداعيات الحرب الباردة من جهة، وبناء علاقات جديدة مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
وأبرم يلتسين سلسلة اتفاقات مع الغرب في مجال تقليص الترسانات العسكرية، وسحب القوات الروسية من ألمانيا.
وانتقد يلتسين عملية حلف الناتو في يوغيسلافيا السابقة وهدد بتوجيه الصواريخ الروسية نحو الولايات المتحدة، لكن هذا لم يتحقق.
وفي 31 ديسمبر 1999 أعلن يلتسين عبر تصريح متلفز تنحيه عن الحكم على خلفية المشاكل المتراكمة داخل البلاد، وسلّم مقاليد الحكم إلى آخر رئيس حكومة له فلاديمير بوتين.
ولا يزال يلتسين من بين الشخصيات الأكثر جدلا في تاريخ روسيا الحديثة، حيث شهدت البلاد أثناء فترة حكمه انخفاض المعدلات في معظم المجالات الهامة وتعميق المشاكل التي تعود جذورها غالبا إلى عهد الاتحاد السوفيتي.
وحمل معارضو يلتسين الرئيس السابقن المسؤولية عن تجاهل مصالح الدولة، وخاصة في ظل إدمانه المشروبات الكحولية.
ومن جانب آخر، يرى مؤيدوه الليبيراليون أن التداعيات التي لحقت بسياسات يلتسين كانت مرحلة ينبغي على روسيا المرور عبرها للتخلص من "الإرث السوفيتي".
المصدر: RT
نادر عبد الرؤوف