ظهور هذا الصاروخ في الاتحاد السوفيتي، أتاح لموسكو ردع الولايات المتحدة التي أصبحت منذ ذلك الحين في مرمى النيران السوفيتية بعد أن كانت على ثقة تامة باستحالة بلوغ أراضيها إذا ما ضربت هي أولا.
كما فتح هذا الصاروخ، والذي أطلق عليه لضرورات السرية آنذاك "الصاروخ 7"، الباب أمام الاتحاد السوفيتي والعالم لإطلاق أول قمر اصطناعي عرفت الإنسانية في أوقات لاحقة أهميته في تمهيد الطريق أمام وسائل الاتصال والتوجه والملاحة الحديثة.
أهمية "الصاروخ 7" بالنسبة إلى موسكو تمثلت في ضرورة كسر تأخر الاتحاد السوفيتي عن الولايات المتحدة في السباق النووي، الذي احتدم بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وفي أن الخطر الوحيد الذي كان يتهدد أمن الاتحاد السوفيتي في تلك الحقبة، هو البرنامج الصاروخي النووي الأمريكي.
ففي مطلع الأربعينيات من القرن الماضي حصلت واشنطن على القنبلة الذرية، واستطاعت تصنيع القاذفات الاستراتيجية القادرة على حمل القنابل الذرية وقطع المحيط بها وبلوغ أجواء الأعداء والخصوم.
موسكو في هذه الأثناء، وإدراكا منها لحجم الخطر الأمريكي، جندت علماءها وصناعاتها للحصول في أسرع وقت ممكن على واسطة إيصال القنبلة الذرية إلى الولايات المتحدة، ريثما ينتهي العلماء السوفيت من تصنيع القاذفات الاستراتيجية القادرة على ذلك.
الخيار في انتقاء وسائط الإيصال وقع على الصواريخ، التي أثبتت التجارب وسباق التسلح بين العملاقين في مراحل لاحقة وحتى يومنا هذا، أنها الأسرع والأرخص والأدهى في بلوغ مواقع العدو المفترض الاستراتيجية وتدمير مقدراته.
أب الصواريخ الروسية سيرغي كورولوف وفريقه في معاهد ومكاتب التصميم السوفيتية، قطع شوطا كبيرا في حقل صناعة الصواريخ وتخلى بالكامل عن استنساخ صواريخ "فاو" الألمانية، وأسس لجيل جديد من تكنولوجيا الصواريخ ومحركاتها التي لا تزال تفخر بها روسيا حتى يومنا هذا وتنافس بأجيالها المتلاحقة أفضل الصواريخ الفضائية وتتفوق عليها.
إطلاق "الصاروخ 7"، قبل ستين عاما، جاء نتاجا لعمل دؤوب قام عليه آلاف العلماء والمهندسين والفنيين واستمر لعقد كامل من الزمن، وكان فاتحة لتصنيع وإطلاق صواريخ "فوستوك"، و"فوسخود"، و"مولنيا"، و"سويوز" بأنواعه الذي يعمل اليوم كحافلة ركاب بين الأرض ومحطة الفضاء الدولية تنقل الرواد منها وإليها جيئة وذهابا.
تجربة "الصاروخ 7" الأولى لم تنجح، فقد قطع 330 كم ارتفاعا قبل أن ينحرف ويهوي، لكن إصرار كورولوف، وأجهزة الدولة التي تمسكت بهذه الصواريخ وحثت الجميع على تطويعها، أدى بعد جهد جهيد إلى إزالة جميع العيوب التي كان يتم الكشف عنها بعد كل إطلاق فاشل، حتى احتفلت المؤسسات العلمية والصناعية السوفيتية في تمام الساعة الـ3 من بعد ظهر مثل هذا اليوم قبل 60 عاما بأول إطلاق ناجح للـ"الصاروخ 7".
وبقي الصاروخ الجديد تحت الاختبار، حتى إزالة جميع العيوب الفنية والتقنية التي كشف عنها خلال التجارب، قبل إطلاق إنتاج النسخة الدفاعية منه سنة 1958 في مصنع ستالين رقم واحد للطيران.
من ثمار "الصاروخ 7" الدفاعية، صاروخ "فويفودا" الروسي القادر على قطع 11 ألف كم، وحمل 10 رؤوس نووية يؤدي انفجار الرأس الواحدة منها إلى مقتل 500 ألف شخص، وإصابة 800 ألف آخرين، ومحو مدينة كبيرة بأكملها عن وجه البسيطة.
استخدامات "الصاروخ 7" المدنية، بدأت منذ أكتوبر 1957، حيث حمل إلى المدار أول قمر صناعي ترسله البشرية، بعد يوم على أول خروج ناجح لأول مخلوق يغزو الفضاء ويعود حيا، وهو الكلبة لايكا.
أما فتح الإنسانية العظيم الذي حققه "الصاروخ 7" بنسخته "فوستوك"، فقد تمثل في حمل مركبة رائد الأرض الأول يوري غاغارين إلى الفضاء، والعودة بها ليعبّد بذلك الطيار الروسي غاغارين طريق الإنسانية نحو النجوم والممتدة من الأرض إلى المجرة.
المصدر: RT
صفوان أبو حلا