توفي تشوركين بأزمة قلبية، الاثنين 20 فبراير/شباط الجاري، قبل يوم من عيد ميلاده الـ65. وتم نقل الدبلوماسي الروسي من مكان عمله إلى المستشفى، لكنه الموت غيبه رغم جهود الأطباء.
ويعد منصب المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة منصبا فريدا في هيكلية وزارة الخارجية الروسية. وفي الوقت الذي يهتم فيه جميع الدبلوماسيين الكبار بدائرة محددة من المسائل، يضطر المندوب لدى الأمم المتحدة الذي يشارك في اجتماعات مجلس الأمن، إلى الاهتمام بكافة المواضيع الخارجية والداخلية دون استثناء تقريبا.
منذ تأسيسه، يبقى مجلس الأمن الدولي ميدان معارك للآراء والمواقف. وكان تشوركين يتحمل هذا الضغط يوميا منذ توليه المنصب في عام 2006.
لأول مرة، ظهر تشوركين على شاشات التلفزيون في عام 1986، عندما أرسلته السفارة الروسية في واشنطن، حيث كان يشغل منصب السكرتير الثاني، إلى الكونغرس الأمريكي، ليتحدث أمام العالم برمته عن مأساة تشرنوبل. وكان تشوركين آنذاك شابا، لكن الشيب غزا شعره الكثيف بسبب همومه. وتوجه أحد أعضاء الكونغرس إلى تشوركين بسؤال: "هل تعتقدون أن الكارثة في تشرنوبل أظهرت أن الاتحاد السوفيتي على وشك الانهيار؟ ورد تشوركين قائلا: وهل تعتقدون أنتم أن كارثة تشالنجر أظهرت أن الولايات المتحدة على وشك الانهيار؟.
بهذا الظهور التاريخي بدأت مسيرة تشوركين في المحافل الدولية، لاسيما في الأمم المتحدة.
واليوم، بعد رحيل الدبلوماسي الروسي، لا يذكره خصومه الدبلوماسيون إلا بدفء. فعلى سبيل المثال، كتبت سوزان رايس، التي سبق لها أن تولت منصب مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة: "كان فيتالي قوة كبيرة في الأمم المتحدة، وكان ذكيا وفعالا للغاية ولديه حس فكاهي جيد. وكان خصما خطرا، لكنه بقي دائما صديقا".
أما المندوبة الأمريكية السابقة سامانثا باور، التي كانت قد "تلاسنت" مع تشوركين مرات لا تحصى تحت قبة مجلس الأمن خلال عملها في هذا المنصب لمدة 4 سنوات، فوصفت تشوركين بـ مايسترو الدبلوماسية، الذي بذل كل ما بوسعه لإزالة نقاط الخلاف بين موسكو وواشنطن.
أما الصحفيون العاملون في الأمم المتحدة، فلهم ذكريات مختلفة عن تشوركين، وهي متعلقة بالدرجة الأولى، بحدة مزاجه وانفتاحه في الوقت نفسه على التعامل مع أي صحفي بعيدا عن الشكليات والقيود الرسمية.
ويتذكر جيمز بييس، كبير صحفيي مكتب قناة "الجزيرة" الناطقة بالإنجليزية لدى الأمم المتحدة، بأن تشوركين مرة وبخه بشدة بسبب سؤال عن سوريا. لكن في اليوم التالي، كان المندوب الروسي يتعامل مع الصحفي نفسه بطريقة لطيفة كما جرت العادة. واعتبر بييس أن تشوركين لم يكن يضفي أي صفة شخصية لهذه الخلافات أبدا. بدوره قال لويس شاربونو الذي كان يترأس مكتب وكالة "رويترز" لدى الأمم المتحدة، إنه أيضا تعرض لتوبيخات من جانب تشوركين أكثر من مرة، لكنه شدد على أن الدبلوماسي الروسي لم يتهرب أبدا من الصحفيين ومن أسئلتهم. وأشار الصحفي إلى جاذبية شخصية تشوركين على الرغم من حدة مزاجه وكونه سريع الغضب.
ولد تشوركين بموسكو في 21 فبراير/شباط عام 1952. وتخرج من معهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية في عام 1974، وبدأ مسيرته الدبلوماسية في العام نفسه في قسم المترجمين في الوزارة، وهو يتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية والمنغولية. كما شغل تشوركين مناصب عدة في السفارة السوفيتية في واشنطن، وفي عام 1990 تولى منصب الناطق باسم وزارة الخارجية.
وفي عام 1994 عُيّن تشوركين في منصب السفير الروسي ببلجيكا، والمندوب الدائم لدى حلف الناتو. وفي عام 1998 انتقل لمنصب السفير الروسي في كندا، ثم عمل في وزارة الخارجية على ملف حماية البيئة في القطب الشمالي، حتى تعيينه في منصب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في أبريل/نيسان عام 2006.
وفي هذا المنصب دافع تشوركين عن المصالح الروسية أثناء أخطر الأزمات العالمية، ومنها النزاع المسلح في جورجيا عام 2008، والأحداث الدرامية في الشرق الأوسط، والأزمة الأوكرانية.
وبفضل موهبته الدبلوماسية التي أبداها طوال عمله في الأمم المتحدة، وقسوته أحيانا في خضم المناقشات الساخنة بمجلس الأمن، اكتسب تشوركين شعبية غير عادية بالنسبة للدبلوماسي. وكانت الفيديوهات لمداخلاته أثناء اجتماعات مجلس الأمن، تجذب مئات آلاف المشاهدين على موقع "يوتيوب" الإلكتروني.
ولا يعرف أحد حتى الآن من يمكن أن يشغل مكان تشوركين في الأمم المتحدة، إذ لم تعط القيادة الروسية أي إشارات بهذا الشأن.
وفي هذا السياق اعتبرت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالينتينا ماتفيينكو أنه من الصعب للغاية إيجاد بديل لتشوركين، فيما قال الرئيس الشيشاني رمضان قادروف إن المندوب الروسي توفي خلال "أداء الواجب كمقاتل حقيقي في سبيل الوطن".
المصدر: وكالات
اوكسانا شفانديوك