وهناك أكثر من فرضية بشأن اصل القوزاق ومن اين ينحدرون . ثمة فرضية تقول ان القوزاق هم فئة عسكرية من الناس ضمن روسيا. ولا يوافق علي ذلك القوزاق انفسهم ، أذ يعتبرون ان أصولهم أعرق بكثير.. ومن المعتقد ان موطن القوزاق هو خط من القلاع والحصون كان يمر من نهر الفولغا الوسطى باتجاه مدينتي ريازان وتولا ثم ينعطف نحو الجنوب ويصل الى نهر الدنيبر في منطقة مدينتي بوتيفل وبيرياسلاف.
أصول القوزاق
يعود أصل كلمة "القوزاق" بحسب بعض الباحثين إلى كلمة كازاك التركية المشتقة عن كلمة خزر، وهي مترادفة في لغات شرق أوروبا مع كلمة تتري وتركي ومغولي. ولكنها منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي اخذت تشير إلى جماعات من الأقنان السلاف المسيحيين الذين فروا من ضياع النبلاء في أوكرانيا وروسيا واستقروا في السهوب الجنوبية على ضفاف نهري الدنيبر والدنيستر والدون ، ومع نهاية القرن السادس عشر أصبحت مناطق نهر الدون ونهر الدنيبر مملوكة للقوزاق الذين حولوا اماكن إقامتهم إلى مستوطنات ثابتة.
ويختلف الباحثون حول سبب تسميتهم بالقوزاق . ويقول البعض ان انحدار القوزاق يعود الى عهد الحكم المغولي-التتري حين كان
الامراء الروس يدفعون إتاوة بشرية للحكام المغول-التتر ويرسلون رعاياهم ليؤدوا الخدمة العسكرية في القوات المغولية. اما كلمة القوزاق بحسب هذا الرأي فمشتقة من كلمة تركية تعني الفرسان الاخفاء. وبعد تفكك الدولة المغولية احتفظ القوزاق بتنظيمهم العسكري واستوطنوا بعض المناطق الواقعة في وديان نهري الدنيبر والدون. ويشير البعض الاخر إلى أن القوزاق أطلقوا على أنفسهم هذه التسمية باعتبار أنهم أحرار مثل التتر، فيما أشار آخرون إلى أنهم اعتبروا أنفسهم أعضاء "الاورطة الذهبية" مثل المغول-التتر، فيما قال البعض أن النبلاء البولنديين سموهم بذلك الاسم احتقارا لهم. وقد تزايدت صفوفهم بعد ان انضمت اليهم عناصر من سائر الأنواع والأجناس من فقراء ونبلاء وتتر. اما القوزاق بالذات فكانوا يعتبرون انفسهم دوما شعباً حراً ، ولا يعترفون بانهم ينحدرون من الاقنان الروس او الاوكرانيين.
القوزاق في روسيا القيصرية
في القرن الرابع عشر قام القوزاق بتشكيل مجموعتين كبيرتين من الناس تقطنان أسفل نهري الدون والدنيبر، وانضم اليهم الكثير من المهاجرين السلاف الشرقيين من امارتي موسكو ولتوانيا. وبحلول القرن السادس عشر تحولت مجموعة قوزاق الدون الى قوات ضخمة حرة وانتشرت بمنطقة كوبان ونهر تيريك ثم تحالفت مع دولة القياصرة الروس وبدأت في استيطان أنحاء كبيرة من روسيا ، بما فيها اسفل نهر الفولغا ونهر يائك ومنطقة القوقاز، وكذلك اراض شاسعة في سيبيريا والشرق الاقصى. اما مجموعة قوزاق الدنيبر فشكلت كيانا أطلقت عليه تسمية "زابوروجسكايا سيتش". وكان لها النظام العسكرى الإداري المتين القائم على مبادئ "ديمقراطية القوزاق". وكانت "زابوروجسكايا سيتش" اولا موالية لبولندا ، ثم تخلت عن هذه الموالاة وانحرفت نحو روسيا القيصرية ، الامر الذي أدى الى انضمام أوكرانيا الى روسيا في منتصف القرن السابع عشر.
فتوحات وانتفاضات القوزاق
وشاركت قوات القوزاق بنشاط في استيطان مناطق القوقاز وسيبيريا والشرق الاقصى. ومن اشهر الفتوحات الجديرة بالذكر هنا هي بعثة قام بها قائد القوزاق يرماك في عهد القيصر إيفان الرهيب ( منتصف القرن السادس عشر) ، وبعثة قام بها قائد القوزاق فاسيلي بوياركوف الذي فتح لروسيا نهر امور وجزيرة ساخالين في عام 1645 ، وقائد القوزاق في سيبيريا سيميون ديجنيف الذي فتح المضيق بين آسيا وأمريكا في عام 1648 ، وقائد القوزاق من سيبيريا ايضاً فلاديمير أتلاسوف الذي فتح
شبه جزيرة كامتشاتكا في اواخر القرن السابع عشر.
لكن القوزاق غالبا ما كانوا ايضاً يقودون الحركات المناهضة للسلطة القيصرية المركزية ، حيث انهم لعبوا دورا ملحوظا في الفتنة الكبيرة بروسيا مطلع القرن السابع عشر، حين ترأس قائدا القوزاق ستيبان رازين و يميليان بوغاتشوف الانتفاضتين الشعبيتين ضد السلطة القيصرية المركزية في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، وذلك بسبب المحاولات المستمرة التي كان القياصرة الروس يقومون بها للحد من حقوق القوزاق والاخلال بعاداتهم وتقاليدهم الاصيلة.
القوزاق في عهد الامبراطورية الروسية
وتجدر الاشارة الى الدور الخاص الذي لعبه القوزاق في الحروب العديدة التي كانت تخوضها الامبراطورية الروسية في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين ، كونهم مدافعين عن الدولة الروسية وأعوانا للحكم القيصري. وبعد خضوعهم للقياصرة بات القوزاق من أشجع الجنود وأمهر الفرسان وأسهموا كقوة موالية للقيصر الروسي في الحروب بالقوقاز وأسيا الوسطى. واشتهروا بوضع العراقيل امام قوات نابليون بونابرت أثناء هزيمته وانسحابه من روسيا عام 1812. وساعد على ذلك الى درجة كبيرة وضعهم القانوني الخاص في الامبراطورية الروسية حيث ظلوا أحرارا يزرعون الارض ويدافعون عن حدود الوطن في آن واحد.
القوزاق في عهد السلطة السوفيتية
بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 وقفت غالبية القوزاق بجملتهم الي جانب الحرس الابيض المناهض للسلطة الجديدة ، الامر الذي أدى الى ممارسة القمع والاضطهاد بحق الكثير منهم لمقاومتهم لاجراءات اتخذتها السلطة السوفيتية . وأصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي في يناير / كانون الثاني عام 1919 قرارا يقضي بممارسة الارهاب الجماعي بحق القوزاق ، ولاسيما بحق زعمائهم الذين ترأسوا الحركة المناهضة للسلطة البلشفية. وتم اعدام الكثير منهم. وهاجر قسم منهم الى خارج روسيا حيث استمروا في الكفاح ضد السلطة السوفيتية ، الامر الذي دفع قسماً منهم إلى التعاطف مع النازيين الالمان أثناء الحرب العالمية الثانية.
القوزاق في الحرب الوطنية العظمى(1941-1945)
قبل عام 1936 لم يكن يسمح للقوزاق بالخدمة في الجيش الاحمر. لكن تم الغاء هذا الحظر في عام 1936 نظرا لوجود خطر نشوب العدوان المسلح على الاتحاد السوفيتي من جانب ألمانيا النازية. وتم تشكيل فرق وأفواج فرسان القوزاق. وصدر القرار الحكومي الخاص الذي يسمح بارتداء بدلة القوزاق القومية . وشاركت وحدات القوزاق اثناء الحرب الوطنية العظمى في المعارك التي خاضها الجيش السوفيتي ضد ألمانيا النازية.
ومنذ عام 1943 بدأ اندماج وحدات فرسان القوزاق في الوحدات المدرعة للجيش السوفيتي. واستخدمت الخيول كقاعدة عامة لتحقيق سرعة التنقل بعد انتهاء المعارك. اما القوزاق انفسهم فكانوا يرافقون الدبابات بصفتهم مشاة. وقد منح 262 فارسا من القوزاق لقب بطل الاتحاد السوفيتي.
نهضة القوزاق الجديدة
اتخذت منذ عام 1989 محاولات لنهضة القوزاق في الاتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية. وقد أصدر مجلس السوفيت الاعلى للاتحاد السوفيتي في عام 1989 مرسوما اعترف باعمال القمع والاضطهاد بحق القوزاق وأكد حقهم باعادة الاعتبار السياسي لهم . وفي عام 1995
صدر المرسوم الرئاسي الذي تشكلت بموجبه الادارة العامة لقوات القوزاق لدى رئيس روسيا الاتحادية. اما في عام 1998 فصدر المرسوم الاخر الذي يقضي بإنشاء جمعيات القوزاق السبع عشرة ، وبينها جمعيات الفولغا ، وسيبيريا، واركوتسك ،وما وراء البايكال، وتيرسك ،واسوريسك، وينيسيه، واورينبورغ، وكوبان ، والدون او "جيش الدون الاكبر". ووافق رئيس روسيا دميتري مدفيديف في 3 يوليو / تموز عام 2008 على "مفاهيم سياسة الدولة الروسية إزاء القوزاق الروس" التي تهدف الى تنسيق سياسة الدولة الخاصة بنهضة القوزاق الروس فيما يتعلق بخدمة الدولة والتعاون بين جمعيات القوزاق واجهزة الدولة المركزية والمحلية. وتنص الفكرة على ان القوزاق يسهمون بنشاط في حل المسائل الاجتماعية انطلاقا من مصلحة السكان وآخذا بالحسبان التقاليد التاريخية والمحلية. وتهدف سياسة الدولة في هذا المجال الى النهوض بالاصول الثقافية والحضارية والدينية للقوزاق الروس. وتقيم الدولة لهذا الغرض الآليات المالية والتنظيمية وكافة الظروف اللازمة.