فترة ما قبل الحرب
كانت فنلندا في الفترة ما بين عام 1809 وعام 1917 ضمن الامبراطورية الروسية. ونالت فنلندا وبولندا استقلالهما في مطلع عام 1918 بعد قيام ثورة عام 1917 في روسيا وتولي البلاشفة زمام السلطة في البلاد. وكانت القوات الفنلندية في أعوام 1918 – 1922 قد اعتدت مرتين على الاراضي الروسية ( الحروب الروسية الفلندية أعوام 1918-1922) ، الامر الذي جعل العلاقات بين البلدين باردة ومتوترة. وتخوفت فنلندا من العدوان السوفيتي. اما القيادة السوفيتية فتخوفت من ان فنلندا ستتيح لاحدى الدول غير الصديقة للاتحاد السوفيتي انذاك وبالدرجة الاولى ألمانيا وبريطانيا فرصة للهجوم على الاتحاد السوفيتي من أراضيها. وكانت المخاوف مبررة لأن الحدود السوفيتية الفنلندية في منطقة برزخ كاريليا ( كاريليا الغربية) تبعد 32 كيلومتراً فقط عن مدينة لينينغراد التي تعتبر مركزا صناعيا وثاني مدينة سوفيتية.
وحاول الاتحاد السوفيتي خلال المباحثات السوفيتية الفنلندية اقناع فنلندا بالموافقة على مقايضة بعض أراضيها باراض تزيد عنها مساحة بمقدار عدة أضعاف وإيجار عدة جزر وقسم من شبه جزيرة هانكو ( غنغوت) الفنلندية لاقامة قواعد عسكرية سوفيتية هناك . ولكن رفضت الحكومة الفنلندية الموافقة على هذه العروض السوفيتية. وحاولت فنلندا بدورها عقد اتفاقية تجارية سوفيتية فنلندية وحمل الحكومة السوفيتية على الموافقة على تسليح جزر ألاند الفنلندية التي كانت منزوعة السلاح.
وقع الاتحاد السوفيتي وألمانيا في 23 أغسطس / آب عام 1939 معاهدة عدم الاعتداء . وبموجب البروتوكول السري الذي حدد توزيع مناطق النفوذ بين الدولتين فان فنلندا اعتبرت ضمنا منطقة للنفوذ السوفيتي. وفي 5 اكتوبر/ تشرين الاول عام 1939 اقترح الاتحاد السوفيتي على فنلندا عقد اتفاقية المساعدة المتبادلة. اما فنلندا المدعومة من قبل بريطانيا العظمى وفرنسا والولايات المتحدة فقد اتخذت موقفا غير بناء بعدم قبولها لاقتراحات الاتحاد السوفيتي فيما يتعلق بعقد الاتفاقية المذكورة و مقايضة الاراضي واستئجار القواعد ، فأعلنت التعبئة العامة في البلاد.
وكانت بريطانيا وفرنسا تساعدان فنلندا مزودتين اياها بالاسلحة ومعربتين عن استعدادهما لارسال قوات اليها. كما كانت ألمانيا ايضا تقدم للقوى الرجعية في فنلندا مساعدة سرية. اما فنلندا ذاتها فقامت بتشييد خط محصن على حدودها مع الاتحاد السوفيتي والذي أطلق عليه خط "مانيرغيم".
بداية الحرب
أصبحت حادثة "ماينيل" ذريعة رسمية للبدء في الحرب بين البلدين . فوجهت الحكومة السوفيتية في 26 نوفمبر / تشرين الثاني عام
1939 الى الحكومة الفنلندية مذكرة رسمية جاء فيها انه نتيجة للقصف المدفعي الذي قامت به القوات الفنلندية للاراضي السوفيتية قتل 4 عسكريين سوفيت وأصيب بجروح 9 آخرون. واقترحت الحكومة الفنلندية أنذاك تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في هذا الحادث. فرفض الجانب السوفيتي واعلن نقض اتفاقية عدم الاعتداء التي سبق وان عقدت بين الجانبين . وتسلمت القوات السوفيتية في الساعة الثامنة صباحا يوم 30 نوفمبر / تشرين الثاني امرًا بعبور الحدود السوفيتية الفنلندية والبدء في العمليات الحربية. ولكن لم تعلن الحرب رسميا.
وتم في ديسمبر/ كانون الاول عام 1939 بمدينة تريوكي (زيلينوغورسك المعاصرة) تشكيل ما يسمى بالحكومة الشعبية الفنلندية التي ترأسها الشيوعي الفنلندي أتو كووسينين. فاعترف بها رسميا الاتحاد السوفيتي ، ثم عقد معها معاهدة الصداقة والتعاون المتبادل. لكن الدول الغربية لم تعترف بهذه الحكومة.
العمليات الحربية
كان الجيش السوفيتي الاحمر قبل شهر فبراير/ شباط عام 1940 يتكبد خسائر جسيمة نظرا لانه لم يمتلك مهارات لازمة لخوض الحرب
شتاءا في ظروف مناخ فنلندا القاسي وبسبب الكفاءة المتدنية لدى صغارالضباط وصف الضباط.. ولكن جرى فيما بعد تدريب العسكريين السوفيت تدريبا اضافيا وزيادة تعدادهم وتزويدهم بالمستلزمات المادية. كما تم تشكيل وحدات خاصة من الرجال المتزلجين ووضع طرق لعبور حقول الالغام والحواجز واقتحام الدفاعات المحصنة. وتم تشكيل الجبهة الشمالية الغربية بقيادة قسطنطين تيموشينكو واندري جدانوف ، وذلك بغية اقتحام خط "مانيرغيم". وقامت قوات المهندسين في المناطق المتاخمة للحدود بالعمل على إنشاء طرق المواصلات بغية تزويد القوات بالامدادات اللازمة . وبلغ التعداد العام للقوات السوفيتية اكثر من 760 الف فرد . اما الجانب الفنلندي فواصل في الفترة ذاتها الامداد والتموين لقواته بالاحتياطيات الواردة من الحلفاء الغربيين . وكان يحارب الى جانب فنلندا ما يقارب 11.5 الف متطوع اجنبي غالبيتهم من من الدول الاسكندينافية.
وفي 11 فبراير / شباط عام 1940 بدأ الهجوم الجديد للجيش الاحمر، وذلك بعد التمهيد المدفعي الذي استغرق 10ساعات. وتم حشد القوى الرئيسية في برزخ كاريليا. وشارك في هذا الهجوم الى جانب الوحدات البرية للجبهة الشمالية الغربية سفن اسطول بحر البلطيق السوفيتي واسطول بحيرة لادوغا الذي تم تشكيله في شهر اكتوبر/ تشرين الاول عام 1939 . واخترقت القوات السوفيتية الخط الاول لدفاعات "مانيرغيم" ثم زجت القيادة في المعركة التشكيلات المدرعة التي باشرت بتطوير النجاح. فانسحبت القوات الفنلندية في 17 فبراير الى خط الدفاع الثاني لتفادي خطر المحاصرة.
وفي 21 فبراير/ شباط وصل الجيش السابع السوفيتي الى خط الدفاع الفنلندي الثاني. اما الجيش الثالث عشر فوصل الى خط شمالي
مدينة موولا. واستولت وحدات الجيش السابع بحلول 24 فبراير / شباط على عدة جزر متاخمة للشاطئ ، وذلك بالتعاون مع وحدات البحارة من اسطول البلطيق. فانسحبت القوات الفنلندية حين تأكدت من استحالة مواصلة المقاومة. وفي 13 مارس /آذار دخلت القوات السوفيتية مدينة فيبورغ الفنلندية الكبيرة.
وبحلول شهر مارس / آذار عام 1940 أدركت الحكومة الفنلندية انها لن تتلقى من جانب الحلفاء مساعدة عسكرية ملموسة غير المتطوعين وبعض الاسلحة ، بالرغم من ورود دعوات لها من قبل الحلفاء الى مواصلة المقاومة . فوجدت فنلندا نفسها بعد اختراق خط "مانيرغيم" عاجزة عن التصدي لهجوم الجيش الاحمر. فخيم عليها خطر احتلال البلاد الذي كان يتلوه منطقيا ضمها الى الاتحاد السوفيتي او الاطاحة بالحكومة وتبديلها بحكومة موالية للسوفيت. فلذلك توجهت الحكومة الفنلندية الى الاتحاد السوفيتي بطلب بالبدء في محادثات سلام. فوصل يوم 7 مارس/آذار الى موسكو الوفد الفنلندي الذي وقع يوم 12 مارس/ آذار معاهدة السلام التي كان بموجبها وقف العمليات الحربية في الساعة الثانية عشرة يوم 13 مارس/آذار عام 1940.
نتائج الحرب
كانت شروط معاهدة السلام كما يلي:
1. يضم الاتحاد السوفيتي الى اراضيه برزخ كاريليا ومدينتي فيبورغ وسورتافالا وعددا من الجزر في الخليج الفنلندي وقسما من الاراضي الفنلندية بما فيها مدينة كولايارفي وقسما من شبه جزيرتي ريباتشي وسريدني. وهكذا صارت بحيرة لادوغا كلها داخل اراضي الاتحاد السوفيتي.
2.يعاد الى فنلندا اقليم بيتسامو (بيتشينغا).
3. ينال الاتحاد السوفيتي حق استئجار شبه جزيرة هانكو ( غنغوت) لمدة 30 عاما بغية إقامة قاعدة بحرية هناك.
وتم تقسيم الأقاليم الفنلندية التي ضمها الاتحاد السوفيتي بين الكيانين الاداريين للاتحاد السوفيتي ،حيث ودخل الاقليم الجنوبي
مقاطعة لينينغراد ، واما الاقليم الشمالي فانضم الى كاريليا السوفيتية. وبحسب معاهدة السلام اقتربت الحدود السوفيتية الفلندية من حدود عام 1791 اي قبل انضمام فنلندا الى الامبراطورية الروسية في عام 1809.
وتم في 14 ديسمبر/كانون الاول عام 1939 اسقاط عضوية الاتحاد السوفيتي في عصبة الامم من جراء اشعاله الحرب ضد فنلندا . كما تم فرض الحظر على توريد تقنيات الطيران من قبل الولايات المتحدة للاتحاد السوفيتي ، الامر الذي اثر سلبا على تطور صناعة الطيران السوفيتية التي كانت تستخدم تقليديا المحركات الامريكية. وأصبحت نتائج الحرب السوفيتية الفنلندية عاملا من العوامل التي ساعدت في التقارب اللاحق بين فنلندا وألمانيا. كما انها أثرت على قرار فنلندا بمشاركتها في الحرب العالمية الثانية الى جانب ألمانيا.