اذ ان غالبية المسؤولين البلاشفة ظلوا يعولون على ان الثورة في روسيا تتحول فيما بعد الى ثورة عالمية ورأوا في اشعال الحرب الاهلية وسيلة فعالة لذلك.
والى جانب ذلك فان المؤرخين يشيرون الى اسباب اخرى لاندلاع الحرب الاهلية في روسيا وبينها:
1- مقاومة الطبقات الحاكمة التي فقدت السلطة والممتلكات،
2 - حل الجمعية التأسيسية (البرلمان) من قبل البلاشفة الذين شكلوا اقلية فيها،
3- توقيع معاهدة بريست الانفصالية المهينة مع ألمانيا،
4 – اجراءات البلاشفة القمعية في الريف التي استهدفت الاغنياء من الفلاحين بغية مصادرة ما تبقى لديهم من الحبوب،
5- دور الاسرى العسكريين النمساويين والمجريين والتشيك الذين حاولوا حل مشاكلهم باستخدام القوة في روسيا
6 - تدخل دول التحالف الرباعي (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة) في الشؤون الداخلية لروسيا.
يرى معظم الباحثين ان انقلاب اكتوبر/تشرين الاول عام 1917 كان اول خطوة نحوالحرب الاهلية في روسيا. اما الاستيلاء على مدينة فلاديفوستوك في الشرق الاقصى الروسي من قبل القوات البلشفية في اكتوبر/تشرين الاول عام 1922 فانه وضع النقطة الاخيرة في تلك الحرب.
ينقسم تاريخ الحرب الاهلية في روسيا الى 3 مراحل رئيسية وهي:
آ - المرحلة الاولى (اكتوبر/تشرين الاول عام 1917 – نوفمبر/تشرين الثاني عام 1918) التي تتصف بقيام الجيشين لدى القوتين المتعارضتين وتدخل دول التحالف الرباعي في شؤون روسيا والانتقال التدريجي من اشتباكات محدودة الى معارك واسعة النطاق.
ب – المرحلة الثانية (نوفمبر/تشرين الثاني عام 1918 – مارس/آذار عام 1920 ) التي وقعت فيها المعارك الرئيسية بين الحرسين الابيض والاحمر وتقلص التدخل الاجنبي الناتج عن انتهاء الحرب العالمية الاولى وفرضت قوات الجيش الاحمر سيطرتها على الجزء الاكبر لاراضي البلاد.
ج – المرحلة الثالثة (مارس/آذار 1920 عام – اكتوبر/تشرين الاول عام 1922 ) التي دار الصراع المسلح الاساسي بين المعسكرين الابيض والاحمر فيها بالمناطق البعيدة عن العاصمتين ووسط البلاد.
ثورة فبراير في روسيا
قامت في روسيا في مارس/آذار عام 1917 ثورة فبراير، حسب التقويم القديم، التي اسفرت عن تولي اللجنة التنفيذية المؤقتة لمجلس الدوما (البرلمان) السلطة في البلاد. وعقدت اللجنة اتفاقا مع مجلس العمال والجنود في بتروغراد (بطرسبورغ) حول تشكيل الحكومة المؤقتة التي ترأسها في صيف عام 1917 ألكسندر كيرينسكي. واعلنت الحكومة المؤقتة ان روسيا لا تزال تلتزم بتعهداتها امام حلفائها وتستمر في الحرب ضد المانيا، الامر الذي اثار الجنود والبحارة الروس . واستفاد حزب البلاشفة من هذا الامر وصار يحرض الجنود على عدم الطاعة لقادتهم.
في اغسطس/آب عام 1917 اعلن القائد العام للجيش الروسي الجنرال لافر كورنيلوف عدم موافقته على سياسة كيرينسكي الرامية الى ما وصفه بحل الجيش والهزيمة في الحرب وقاد الوحدات المخلصة له الى بتروغراد ليطيح بالحكومة المؤقتة. واضطر كيرينسكي في هذه الظروف الى الاستعانة بنشطاء الحزب البلشفي ليتخذوا اجراءات لايقاف وحدات القوزاق التابعة لجنرال كورنيلوف. وفشلت محاولة كورنيلوف الانقلابية مما زاد الى حد كبير من دور حزب البلاشفة الذي بات يحظى بشعبية بالغة بين الجنود والبحارة وخاصة في العاصمة.
وصول البلاشفة الى السلطة في روسيا
في 25 اكتوبر/تشرين الاول عام 1917 تمكن الحزب البلشفي برئاسة زعيمه فلاديمير لينين بالتعاون مع الحزب الثورى الاشتراكي
الروسي من الاطاحة بحكومة كيرينسكي. ثم اعلنت الحكومة الجديدة خروج روسيا من الحرب العالمية ورغبتها في توقيع اتفاقية انفصالية مع ألمانيا. كما اصدر البلاشفة الذين اغتصبوا السلطة في البلاد مراسيم تقضي بمصادرة اراضي كبارالاقطاعيين ومعامل الرأسماليين بالاضافة الى اعلان حق شعوب الامبراطورية الروسية بالانفصال عنها.
ومن اجل الحيلولة دون المحاولات الجديدة للاطاحة بالحكم شكل البلاشفة في كل اقليم ومدينة وبلدة لجانا استثنائية من شأنها مكافحة ما وصفوا بالثورة المضادة، واطلقت عليها فيما بعد تسمية "تشي كا" ثم "كي جي بي". وبدأت تلك اللجان الاستثنائية بممارسة الارهاب الجماعي ضد ممثلي الفئات الغنية والمتوسطة للمجتمع الروسي والمثقفين ورجال الدين والضباط المشتبه بمعاداتهم للسلطة الجديدة.
اما معظم الجنرالات والضباط في الجيش الروسي فقد هاجروا الى جنوب روسيا ليشكلوا هناك وحدات متطوعين اطلق عليهم تسمية الحرس الابيض او "البيض" . وفي مقابل ذلك اطلق على وحدات البلاشفة الحرس الاحمر او "الحمر".
حل الجمعية التأسيسية (البرلمان الروسي)
في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1917 أجريت في روسيا الانتخابات في الجمعية التأسيسية (البرلمان). لكن الحزب البلشفي لم يحصل فيها على اغلبية الاصوات، كما عول على ذلك. وبعد رفض نواب البرلمان اقرار المراسيم الصادرة عن الحكومة البلشفية تم حل الجمعية التأسيسية بقوة في يناير/كانون الاول عام 1918 ، الامر الذي اثار احتجاج القوى الديموقراطية في البلاد. لكن البلاشفة أمروا باطلاق النيران على المظاهرة السلمية مما ادى الى مقتل 21 شخصا.
وقد اعتبر حل الجمعية التأسيسية واطلاق النار على المتظاهرين دافعا قويا لتلاحم القوى المعادية للبلاشفة . ويعتقد بعض المؤرخين ان 6 يناير/كانون الاول عام 1918 هو تاريخ بدء الحرب الاهلية في روسيا.
تحولت منطقة نهر الدون في جنوب روسيا الى قبلة للقوى المعادية للسلطة البلشفية. واعلن القائد القوزاقي كاليدين بعدم اعترافه بشرعية الانقلاب البلشفي وبدأ في تشكيل جيش القوزاق ليدافع عن منطقة نهر الدون الحرة والاستيلاء على مدينة تساريسين (ستالينغراد فيما بعد). اما منطقة كوبان وشمال القوقاز فشهدت تشكيل وحدات متطوعين انضم اليها كل من لم يكن راض عن الحكم البلشفي من الضباط وصف الضباط. وترأس تشكيلات هذا الجيش كل من الجنرالات الروس المعروفين لافر كورنيلوف وميخائيل ألكسييف وانطون دينيكين.
انفصال الاقاليم القومية عن روسيا
في 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917 اعلنت الرادا المركزية في اوكرانيا (البرلمان الاوكراني) انفصال اوكرانيا عن روسيا. كما اعلنت انفاصلها عن روسيا الرادا البيلوروسية والمفوضية لمنطقة ما وراء القوقاز التي ضمت كلا من جورجيا واذربيجان وارمينيا.
معاهدة بريست الانفصالية
وقعت الحكومة البلشفية في 3 مارس/آذار عام 1918 معاهدة السلام الانفصالية مع ألمانيا التي اطلق عليها معاهدة بريست. وبموجب تلك المعاهدة التزمت روسيا بالاعتراف باستقلال كل من اوكرانيا وبيلوروسيا ولتوانيا ولاتفيا واستونيا وفنلندا وتسريح الجيش والاسطول ودفع تعويض بمقدار 6 مليارات مارك ألماني وتسليم ألمانيا سفن اسطول البحر الاسود. وبعد إبرام معاهدة بريست احتل الجيش الالماني كلا من اوكرانيا وبيلوروسيا ومنطقة البلطيق.
لم تعترف دول التحالف الرباعي بمعاهدة بريست وانزلت سريتين من مشاة البحرية البريطانيين في مدينة مورمانسك في شمال روسيا محاولة استعادة الامدادات التي ارسلها التحالف الى روسيا للحيلولة دون وقوعها في ايدى الالمان.
الفيلق التشيكوسلوفاكي وحملة الاميرال كولتشاك
لعب الفيلق التشيكوسلوفاكي دورا لا غنى عنه في تاريخ الحرب الاهلية في روسيا ولم يكد يؤدي تمرده على السلطات الى الاطاحة بالحكم البلشفي في موسكو.
تم تشكيل الفيلق من الاسرى التشيكوسلوفاكيين الذين ابدوا رغبتهم في مواصلة الحرب الى جانب السلطات الروسية ضد ألمانيا. وبلغ تعداد الفيلق 40 الف جندي كان من المقرر ارسالهم الى الجبهة الغربية عبر سيبيريا والشرق الاقصى الروسي. لكن توقيع البلاشفة على معاهدة بريست وخروج روسيا من الحرب وايقاف جلاء الفيلق حمل الجنود التشيكوسلوفاكيين على التمرد ضد السلطات على طول السكة الحديد الممتدة من نهر الفولغا الى مدينة فلاديفوستوك في الشرق الاقصى. الامر الذي أدى الى الاطاحة بالسلطة البلشفية في كل من سيبيريا وفي منطقة نهر الفولغا وتشكيل الحكومة السيبيرية المؤقتة التي ترأسها الحزب الثوري الاشتراكي يوم 23 يونيو/حزيران عام 1918. وتشكلت في تلك المناطق الوحدات الروسية من المتطوعين الذين ترأسها اللواء فلاديمير كابيل. وشن كابيل الهجوم على المدن التي ظلت تحت سيطرة البلاشفة.
في 7 أغسطس/آب عام 1918حررت قواته مدينة قازان حيث استولت على مستودعات الاسلحة والامدادات واحتياطيات الذهب للامبراطورية الروسية. اما القوات التشيكوسلوفاكية فاحتلت بحلول شهر اغسطس/آب عام 1918المدن الروسية الكبرى مثل سامارا وسيزران وسيمبيرسك.
شكلت القيادة البلشفية في يونيو/ حزيران عام 1918 الجبهة الشرقية التي ضمت 6 جيوش، وذلك بغية ايقاف تقدم قوات البيض نحو موسكو التي انتقلت اليها آنذاك الحكومة البلشفية من بتروغراد (بطرسبورغ). لكن تمرد قائدها الثوري الاشتراكي مورافيوف على السلطة البلشسفية خفض من فاعلية الهجوم المضاد.
في 30 اغسطس /آب 1918 وقعت محاولة اغتيال الزعيم البلشفي فلاديمير لينين. وقامت بهذه المحاولة فني كابلان اليهودية العضوة في الحزب الثوري الاشتراكي الذي شارك البلاشفة في توليهم للسلطة والذي تمرد عليه بعد ان خيب آماله بسياسته القمعية في الريف وتوقيع معاهدة بريست. وردا على ذلك شنت التشكيلات التابعة للجان الاستثنائية الارهاب على شتى فئات المجتمع الروسي وتم اعدام الكثير بمن فيهم رجال الدين بدون التحقيق والمحاكمة. كما اصدرت السلطات البلشفية قرارا باعدام الامبراطور الروسي الاخير نيقولاي الثاني واسرته في مدينة يكاترينبورغ بمنطقة اورال (المزيد من التفاصيل عن اعدام الامبراطور الروسي الاخير واسرته على موقعنا).
في سبتمبر/ايلول عام 1918 انتقلت قوات الجبهة الشرقية البلشفية الى الهجوم المضاد واستعادت كلا من قازان وسيمبيرسك وسامارا.
الامر الذي حمل الاميرال كولتشاك الذي وصل الى مدينة اومسك بغرب سيبيريا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1918 على حل الحكومة السيبيرية المؤقتة واعلان نفسه حاكما لروسيا. واثار انقلاب كولتشاك استياء الثوار الاشتراكيين الذين اعلنوه عدوا اسوأ من لينين. ولعبت مقاومة الحزب الثوري الاشتراكي للاميرال كولتشاك دورا كبيرا في هزيمة الحركة البيضاء في منطقتي اورال وسيبيريا. وبالرغم من ان قوات كولتشاك استطاعت شن الهجوم الجديد على قوات الحمر في ربيع عام 1919 واحتلت منطقة الاورال واقتربت من نهر الفولغا ومنيت حركته بالهزيمة لان قواته لم تلق تأييدا بين الفلاحين في سيبيريا والاورال والفولغا لاجرائها حملات قمعية ردا على الارهاب البلشفي. اما كولتشاك نفسه فقد خانته قواته وقوات الفيلق التشيخوسلوفاكي مما ادى الى اعدامه على ايدي البلاشفة في مدينة إيركوتسك بسيبيريا الشرقية في مطلع عام 1920.
المعارك في جنوب روسيا
في اغسطس / آب – سبتمر/ايلول عام 1918 انتقل جيش الدون القوزاقي بقيادة كراسنوف الى الهجوم ضد القوات الحمراء وتقدت نحو مدينتي تساريتسين وفورونيج. اما الجيش المتطوع بقيادة الجنرال كورنيلوف والجنرال دينيكين فقد قام بتحرير القوقاز الشمالي من البلاشفة.
في 8 يناير/كانون الثاني عام 1919 تولى الجنرال انطون دينيكين قيادة جيش المتطوعين وقمع مقاومة البلاشفة في القوقاز الشمالي واخضع جيش الجنرال كراسنوف الموالي للالمان للجيش المتطوع. وتمكن دينيكين من تلقي معونات كبيرة من دول التحالف الرباعي. واعترف دينيكين بكون الاميرال كولتشاك حاكما لدولة روسيا وقائدا عاما للقوات المسلحة الروسية.
في صيف عام 1919 انتقل مركز الصراع المسلح الى جنوب روسيا حيث دحر جيش المتطوعين قوات الحرس الاحمر وحررت من البلاشفة مدن تساريتسين وخاركوف ويكاترينوسلافل ومنطقة القرم . وشهدت بعض المناطق الريفية في مؤخرة الجيش الاحمر انتفاضات شعبية. وبلغ تعداد جيش دينيكين 100 الف فرد. فاصدر دينيكين في جيشه ارشادات مفادها التوجه نحو موسكو والاطاحة بالحكم البلشفي في اسرع وقت.
لكن البلاشفة اعلنوا التعبيئة العامة وتمكنوا من تجنيد 180 الف جندي في في الجبهة الجنوبية، مما ادى الى تباطؤ وتائر هجوم قوات دينيكين. وشهد شهر سبتمبر/ايلول نجاحات كبرى للجيش الابيض الذي استولى على كييف و فورونيج واوريول وكورسك وصار يهدد مدينة تولا بصفتها ترسانة رئيسية للبلاشفة . وبلغ الصراع المسلح بين الحمر والبيض ذروته في منتصف اكتوبر/تشرين الثاني عام 1919 حين انتقل الجيش الاحمر الى الهجوم المضاد على طول الجبهة الجنوبية بعد دعمه بقوات قادمة من الجبهة الشرقية المحاربة لكولتشاك. ولعب جيش الخيالة الاول بقيادة سيميون بوديونيه دورا كبير في حسم هذه المعارك.
وفي شتاء عام 1920 تمكن الجيش الاحمر من الاستيلاء على مدينتي كييف وخاركوف ومنطقة دونباس الصناعية في اوكرانيا، الامر الذي ساعد في انتقال المبادرة الاستراتيجية بالحرب من ايدي البيض الى الحمر.
في ابريل/نيسان مني الجيش الابيض بهزيمة في منطقة كوبان واضطرت قواته الى الجلاء الى شبه جزيرة القرم (المزيد من التفاصيل عن شبه جزيرة القرم على موقعنا). اما الجنرال انطون دينيكين الذي كان عليه بعد اعدام كولتشاك على ايدي البلاشفة ان يتولى قيادة القوات البيضاء في روسيا فسلم القيادة الى الجنرال فرانغل وغادر روسيا متوجها الى بريطانيا عن طريق القسطنطية (اسطنبول).
هجوم يودينيش على بيتروغراد
شهدت فنلندا قبل منتصف عام 1919 تشكيل وحدات معادية للبلاشفة. وقام الجنرال الروسي نيقولاي يودينيش بتنسيق هذه الجهود بغية تشكيل الجبهة الشمالية الغربية في شمال غرب روسيا. اما حكومات استونيا ولاتفيا ولتوانيا التي لم تسيطر قبل ذلك الا على اراضي قليلة فقامت باعادة تنظيم جيوشها وانتقلت الى العمليات الهجومية بدعم من القوات والروسية والالمانية.
في 10 يونيو/حزيران اعلن الكسندر كولتشاك يودينيش قائدا للقوات الروسية البرية والبحرية في الجبهة الشمالية الغربية.
في 11 اغسطس/آب تم تشكيل حكومة الاقليم الغربي الشمالي الروسي التي اعترفت باستقلال استونيا وذلك بالضغط من بريطانيا وبدأت المباحثات في هذا الشأن مع فنلندا. حاول يودينيش الاستيلاء على بتروغراد مرتين.
وحلت المحاولة الاولى في ربيع عام 1919 حين اجبرت قواته الجيش الاحمر على الانسحاب ووصلت الى مشارف بتروغراد. لكن قيادة الجيش الاحمر نقلت احتياطيات الى ضواحي بتروغراد بحيث يبلغ تعداد قواتهم 40 الف جندي ودفعت وحدات الجيش الشمالي الغربي الى ما وراء نهر لوغا واستعادت مدينة بسكوف.
في خريف عام 1919 جرى الهجوم الثاني لجيش يودينيش الذي تمكن من اختراق دفاعات الجيش الاحمر والوصول الى ضواحي بتروغراد. لكن خيانة قيادة القوات الاستونية التي باشرت بالمباحثات الانفصالية مع البلاشفة حول الاعتراف باستقلال استونيا حالت دون تحرير بتروغراد من البلاشفة.
يجدر الذكر ان معظم القادة البيض اتخذوا موقفا حاسما لا يتزعزع من انقسام روسيا والحركات الانفصالية، الامر الذي قطعهم عن دعم الحركات القومية ووحداتها المسلحة.
الحرب السوفيتية البولونية
في 25 ابريل / نيسان عام 1920 اجتاز الجيش البولوني المزود بالاسلحة الفرنسية والمدعوم من قبل فرنسا سياسيا حدود اوكرانيا السوفيتية واحتلت بحلول 6 مايو/آيار عاصمتها مدينة كييف. وكان رئيس بولندا المارشال بيلسودسكي يخطط لانشاء دولة بولونية كبرى من بحر البلطيق حتى البحر الاسود تضم كلا من بولندا واوكرانيا وبيلوروسيا ولتوانيا (المزيد من التفاصيل عن العلاقات الروسية البولندية على موقعنا). لكن الهجوم المضاد الناجح للجيش الاحمر تحت قيادة الكسندر يغوروف حال دون وقوع ذلك. واجبرت قوات الجبهة الغربية الجنوبية السوفيتية في 26 مايو/آيار القوات البولونية على الانسحاب فوصلت الى حدود بولندا.
تحمست القيادة البلشفية ومن ضمنهم لينين بهذه الانتصارات وقرروا توجيه الجيش الاحمر الى قلب بولندا معولين على اشعال انتفاضة العمال البولنديين واعلان الجمهورية البولونية السوفيتية.
وقال لينين حينذاك ان "مصير الثورة العالمية يقرر في الغرب وان الطريق الى الحريق العالمي يمر عبر بولندا . حذر ليف تروتسكي رئيس المجلس العسكري الثوري (وزير الحربية) آنذاك لينين من خطورة احتلال بولندا. الا ان لينين اصدر امرا باحتلال وارسو. لكن الخيالة السوفيتية المستنزف قواها لم تتحمل مسيرا طوله 650 كيلومتر. وانتهت الحملة البولونية بكارثة اسفرت عن أسر 120 الف جندي سوفيتي. وتعتبر هذه الهزيمة من اكثر الهزائم المأساوية التي مني بها الجيش الاحمر في الحرب الاهلية.
في اكتوبر/تشرين الاول وقع الجانبان اتفاقية الهدنة. وعقدا وفي مارس/آذار عام 1921 معاهدة السلام التي ضمت بولندا بموجبها قسما من اراضي اوكرانيا وبيلوروسيا يقطنها 10 ملايين من السكان.
وبالرغم من توقيع معاهدة السلام فان العلاقات بين الجانبين ما زالت متوترة على امتداد العقدين ، الامر الذي ادى في نهاية المطاف الى توقيع اتفاقية مولوتوف - ريبينتروب عام 1939 وتقسيم بولندا (المزيد من التفاصيل عن اتفاقية مولوتوف - ريبينتروب على موقعنا).
شبه جزير القرم آخر جيب للمقاومة البيضاء في اوروبا الروسية
نتقل البارون بيوتر فرانغل الى خوض العمليات الحربية النشيطة ضد البلاشفة ابان الحرب مع بولندا. وتمكن الجنرال من تحويل
وحدات دينيكين المتفرقة الى جيش منظم وذلك باتخاذه اجراءات صارمة بما فيها الاعدام ازاء الضباط والجنود المتهمين بالخيانة.
في 14 اغسطس/آب عام 1920 قامت وحدات بقيادة الجنرال اولاغاي بالانزال على ساحل منطقة كوبان بهدف الانضمام الى وحدات القوزاق المتمردين على الحكم البلشفي، لكن محاولة تحرير مدينة يكاتريندار من القوات البلشفية باءت بالفشل واضطرت وحدات الجيش الابيض والقوزاق الى العودة الى القرم.
عول فرانغل الذي حاصرت القوات البلسشفية جيشه في القرم على الالتحاق بالجيش البولوني المهاجم. لذلك اخترق جيشه طوق الحصار وتوجه نحو الشمال وتمكن من الاسيلاء على بعض المناطق في اقليم دونباس الصناعي في اوكرانيا الشرقية. لكن البولونديين وقعوا اتفاقية الهدنة مع البلاشفة، ووجد الجيش الابيض نفسه محكوما بالفشل. فانسحبت قوات فرانغل الى داخل شبه جزيرة القرم.
قام الجيش الاحمر بقيادة ميخائيل فرونزيه بحشد 190 الف جندي على حدود جزيرة القرم. واقترح فرونزيه على البارون فرانغل بالاستسلام وضمان الحياة لكل من يسلم نفسه الى الجيش الاحمر للحيلولة دون اسالة الدماء الروسية، لكن فرانغل رفض هذا الاقتراح.
بالرغم من التفوق العددي الكبير لم يستطع الجيش الاحمر اختراق دفاعات الجيش الابيض الا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1920 بمساعدة من جيش نيستور ماخنو الفلاحي وانسحب الجيش الابيض الى ساحل القرم الجنوبي حيث بدأ جلاء قوات البيض الذي استمر 3 ايام، وذلك بواسطة 126 باخرة توجهت نحو القسطنطية التركية وعلى ظهرها 150 الف مهاجر روسي.
انتفاضات في روسيا
انتهت المقاومة المنظمة لسلطة البلاشفة في جنوب روسيا بسقوط القرم.
وبدأت ديكتاتورية البروليتاريا منذ ذلك الحين في قمع انتفاضات الفلاحين التي عمت روسيا كلها احتجاجا على مصادرة حبوب وممتلكات الفلاحين. ومن اعظم تلك الانتفاضات انتفاضة الفلاحين في مقاطعة تامبوف بقيادة انتونوف التي استخدمت القوات البلشفية لقمعها شتى الوسائل بما فيها الغازات السامة. كما يجدر ذكر انتفاضة البحارة العسكريين في مدينة كرونشتادت الواقعة في ضاحية بتروغراد في مارس/آذار عام 1921 وطرح البحارة المتمردون شعار "مجالس سوفيت دون البلاشفة". وقمع المفوضون البلاشفة ووحدات اللجان الاستثنائية" تلك الانتفاضة بقسوة بالغة مغرقين البحارة بدمائهم.
جيوب اخيرة للمقاومة في الشرق الاقصى الروسي
اوقف البلاشفة تقدم قواتهم نحو الشرق في مطلع عام 1920 خشية نشاط القوات اليابانية وقرروا انشاء جمهورية موالية لهم في الشرق الاقصى اطلق عليها جمهورية الشرق الاقصى. وامتدت اراضي تلك الجمهورية من جزيرة بايكال حتى مدينة فلاديفوستوك الواقعة على ساحل المحيط الهادي.
في 26 مايو/آيارعام 1921 انتقل الحكم في الجمهورية الى ايدي الحركة البيضاء التي قامت بالانقلاب على الحكومة الموالية للبلاشفة بدعم من القوات اليابانية المرابطة في فلاديفوستوك . وانتقل الجيش الابيض الى الهجوم في اتجاه الغرب وتحرر في 22 ديسمبر/كانون الاول مدينة خاباروفسك من البلاشفة.
في 5 فبراير/شباط عام 1922 انتقل الجيش الاحمر بقيادة فاسيلي بلوخير الى هجوم مضاد واستولت على خاباروفسك في 14 فبراير/شباط.
واستمرت الحرب في الشرق الاقصى حتى يوم 25 اكتوبر/تشرين الاول عام 1921 حين دخل الجيش الاحمر وقوات الانصار مدينة فلاديفوستوك وتم توقيع اتفاقية انسحاب القوات اليابانية من روسيا. ويعتبر يوم 25 اكتوبر/تشرين الاول عام 1922 يوم انتهاء الحرب الاهلية في روسيا.