أثارت حلقة " الصندوق الاسود لصدام حسين" في سلسلة حلقات برنامج "قصارى القول" التوثيقية، اهتمام بعض ضباط جهاز المخابرات العراقية في النظام السابق.
ومن بين الذين تواصلوا مع البرنامج، ضابط سابق، يؤكد أنه على اطلاع وثيق، بملف تصفية مدير الجهاز، فاضل البراك، موضوع حلقة " الصندوق الاسود".
ووفقا لشهادة الضابط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لأسباب تتعلق بأمنه وأمن أسرته داخل العراق، فإن البراك، المتهم بالتخابر مع أجهزة أجنبية، ذهب ضحية صراع داخل الدائرة الضيقة لعائلة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والتنافس بين فروعها،لأسباب تجارية وشخصية بحتة.
ننشر تعقيب" ضابط سابق على معرفة دقيقة بشخوص القضية وتفاصيلها" كما ورد نصا، وننتظر تعقيبات من شخصيات أخرى اتصلت بالبرنامج، ووعدت أن تدلو بدلوها في قصة فاضل البراك، المثيرة للجدل، والمحاطة بالغموض الى الآن.
إن فريق برنامج" قصارى القول التوثيقية" يتقبل الردود، والتعليقات على البرنامج، وحلقاته بشكل عام، توخيا لتحقيق
مبدأ، البحث عن الحقيقة.
ونؤكد أن البرنامج، يقف على مسافة واحدة من جميع الضيوف، ولا يفرض رأيا، لا على المشاهد ولا على الضيوف.
ننشر نص التعقيب كما وردنا:
الأستاذ سلام مسافر المحترم
تعقيبا على الحلقة الخاصة في حواركم مع المحامي سليمان الجبوري في "قصارى القول" والتي تركزت على موضوع الدكتور فاضل البراك الصندوق الأسود لأسرار الرئيس الراحل صدام حسين كما سميتموه أود أن ألخص لكم معلوماتي وقناعاتي عن معرفة مباشرة ودقيقة بأطراف القضية التي أودت بحياة البراك واتهامه بهذه التهمة الشنيعة تبريرا لتصفيته.
بإيجاز وابتداء فإن تهمة التخابر الذي أعدم بسببها المرحوم البراك عارية عن الصحة؛ وإنما كانت غطاء لأسباب جوهرية
في مقدمتها الصراع الشخصي بين كل من فاضل البراك من جهة وكل من أخوة الرئيس غير الأشقاء سبعاوي وبرزان ووطبان الذي اندلع على أثر تولي البراك مسؤولية جهاز المخابرات خلفا للفريق الركن هشام صباح الفخري الذي خلف برزان في مسؤوليته.
وكان برزان قد استقال على أثر النزاع العائلي للأخوة غير الأشقاء مع أخيهم الرئيس صدام حيث رفضوا موضوع تزويج رغد كريمة الرئيس الى حسين كامل لأسباب لا داعي لذكرها هنا، فقد تلقى البراك تعليمات مباشرة من الرئيس للكشف عن مخالفات برزان تحديدا وحضر اجتماعا دعي له كادر وضباط المخابرات في قاعة مبنى جهاز المخابرات في الحارثية وأبلغهم الرئيس شخصيا بأن برزان كان رئيس الجهاز وأخيه وأنه لم يعد كذلك وأن فاضل البراك هو رئيسهم أو مديرهم الجديد وعليهم الامتثال لأوامره وتعليماته وكأن الرئيس هو ذاته من يأمرهم، وأنه موضع ثقته وأخ له.
استثمر البراك هذا التوجيه والدعم الكبير الذي حصل عليه من الرئيس لتصفية حساباته الشخصية مع برزان المتعجرف وسليط اللسان على فاضل عندما كان مديرا للأمن العام (فقد كان برزان يشعر بعقدة نقص تجاه فاضل المثقف والمكون كرجل دولة كفوء المعتد بشخصيته، خريج الكلية العسكرية بحق والمهتم بالتاريخ والثقافة والحاصل بجهده على شهادة الدكتوراة من أكاديمية العلوم السوفيتية بمعهد الاستشراق في موسكو.
لقد انتهز الدكتور فاضل هذه الفرصة لتصفية حساباته مع برزان فبادر بتحجيم الشخصيات المهمة من الجهاز التي كانت تدين بالولاء لبرزان.
على سبيل المثال نقل مانع عبدالرشيد مدير أمن الجهاز على عهد برزان وجمده في كلية الأمن القومي بإسناد منصب مدير الجناح الاستخباري فأصبح لا يهش ولا ينش وكذلك فعل مع العقيد ذاكر جوبان والعقيد موفق الستية وآخرين بما فيه عصام خضر ضابط المخابرات الشهير، الموالي لبرزان وسبعاوي الذي تولى عضوية لجنة التحقيق مع فاضل البراك المشكلة برئاسة سبعاوي مدير المخابرات وعضوية صدام كامل واياد الدوري وعصام خضر.
وبذلك قضى على مراكز القوى والنفوذ التي كانت موالية لبرزان الطموح لخلافة أخيه في قيادة الدولة.
ولم يكتف فاضل بالإطاحة بمراكز القوى والشخصيات الموالية لبرزان بل أمعن بالتنكيل ببرزان عندما كشف تجاوزاته المالية واستغلاله الفاحش لإمكانات الدولة لمصلحته الشخصية دون وجه حق وكشف للرئيس على سبيل المثال تفاصيل وخفايا ومصادر المال الذي اشترى فيه برزان حقول دواجن كبيرة بالملايين من عائلة الخربيط الثرية والنافذة في محافظة الأنبار ووتفاصيل مملة ومخجلة لا يتسع المجال لذكرها.
هذه الأمور وتفاصيل أخرى كثيرة جعلت برزان يتوعد البراك بالموت في مجالسه الخاصة حيث اعتبر إجراءاته تمس سمعته وطموحه المستقبلي لخلافة أخيه.
ثانيا غادر سبعاوي عمله في المخابرات في وقت برزان حيث اختلف مع أخيه الشقيق وطلب نقل خدماته خارج المخابرات وبالتالي عندما تسلم البراك المخابرات لم تكن هنالك بينه وبين سبعاوي خصوصية في التماس والتنافس.
وينسحب الحال على وطبان ثالث الأخوة الأشقاء ( الذي لم يعمل في الجهاز مطلقا بل تدرج من نائب مفوض شرطة الى محافظ لصلاح الدين ووزيرا للداخلية)، وتشاء الصدف أن حدث تماس بينهما( وطبان وسبعاوي مع فاضل البراك ) بسبب خلاف على استثمار واستغلال مقلع الرمل في الكاظمية على ضفاف دجلة مفرق شارع التاجي الزراعي تطور الى تهديدات عنيفة وجهت لفاضل ومرافقه أدهام من قبل وطبان وسبعاوي وقد لعب هذا الإشكال دورا مهما في تعزيز موقف برزان وقراره بتصفية فاضل باللحظة المناسبة جزاء على ما اقترفه مع برزان وشقيقيه سبعاوي ووطبان.
ثالثا بالغ البراك في تنفيذ توجيهات الرئيس بشأن متابعة أخوته غير الأشقاء متناسيا القيم الريفية المتشبعة في عقل الرئيس التي لا تجعله بالمثل الشعبي يكسر عظم مع أخوته مهما بلغ غضبه منهم.
كان البراك غبيا في هذه الجزئية رغم ذكائه العام عندما تصور في لحظة أنه الأقرب الى عقل صدام من أخوته الذين تصالح معهم في لحظة فارقة وعادت الأمور إلى مجاريها بينه وبين أخوته وخرج البراك بوجه أسود رغم أن إجراءاته كانت سليمة ومشوبة بالحماس تنفيذ رغبات وتوجيهات الرئيس صدام.
رابعا: عندما تصالح الرئيس صدام مع إخوته بدأ الأخوة يوحون له أن البراك لديه طموحات تتعدى الخط الأحمر أي يطمح ربما أو يحلم بأن يكون له شأن بعد صدام وتم تصعيد هذه الشكوك والهواجس بعد مصرع عدنان خيرالله عندما سقطت طائرته السمتية جراء تعرضها لعاصفة. وكان الأخوة وتحديدا برزان وسبعاوي الذي خلف البراك على رأس جهاز المخابرات بعد فترة انتقالية تولى فيها فاضل صلفيج المسؤولية (وفاضل صلفيج لا يملك من الكفاءة والتاريخ النضالي غير كونه ابن خالة الرئيس صدام وتميز برعونته وتكبره الأجوف وتعديه على المال العام )الى حين تكليف سبعاوي.
كان الأخوة يستشهدون بعلاقات البراك الواسعة مع شخصيات دولية مهمة على صعيد العالم وعلاقات متينة مع بعض قادة الجيش وعلى رأسهم الفريق نزار الخرجي وعلاقة خاصة مع القائد الفلسطيني أبو أياد وما أدراك ما أبو أياد ميرابو الثورة الفلسطينية وصاحب العلاقات الدولية الخطيرة المتشعبة.
كما لاحظوا أن فاضل البراك أحاط نفسه بنخبة من أساتذة الجامعات في علم السياسة والمجتمع والتاريخ أمثال وميض نظمي وسعد ناجي ومازن الرمضاني وحسن البزاز وحميدة سميسم وعبدالستار الراوي وكاظم هاشم النعمة وعرفان عبدالحميد ورشدي عليان وحسين الجميلي وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم وضباط قدامى لهم تاريخ في الجيش العراقي مثل فيصل شرهان العرس وخليل ابراهيم.
ولفت الأخوة انتباه الرئيس صدام الى أن سفرات البراك الى الدول الأوربية وحرصه على زيارة ألمانيا الشرقية لملاقاة صديقته الشخصية تثير الشكوك. وأن علاقاته مع رجل الأعمال النافذ خارج العراق وداخله صباح الخياط العراقي المتجنس بالجنسية الألمانية الذي كان شريك البراك في أعماله التجارية غير الرسمية وصديقه الشخصي، تثير الشكوك أما علاقاته مع رجل الأعمال حاتم الخوام وأخيه رياض شركائه في عمله التجاري الخاص وأصدقائه، والتي ابتدأت في الكويت عندما كان مدير للأمن العام حيث كان حاتم الخوام وأخيه رياض مقيمين في الكويت ولهما مكتب بسيط تجاري وكانا بنفس الوقت متعاونين مع الأمن العراقي فإنها استخدمت ضده بعد أن كشفت الوثائق التي تم الاستيلاء عليها خلال غزو الكويت عن علاقات خاصة تربط رياض الخوام مع الكويتي وهذه العلاقة أدت الى سيل من الاتهامات الباطلة والملفقة لفاضل بزعم أنها من أرشيف الأمن الكويتي.
خامسا تحدث البراك وهو رئيس للدائرة السياسية في القصر الجمهوري همسا مع صديق له بعد غزو الكويت بأن قرار الغزو مغامرة غير محسوبة سوف تودي بالعراق وأن صدام يصم أذانه ولا يسمع صوت العقل ولا يسمع صوتا غير الذي في رأسه. ويتضح أن هذا الهمس وصل مسامع الرئيس صدام.
سادسا أما بشأن اعترافاته فقد أوصلوه لحالة يتمنى فيها الموت من العذاب والتنكيل لا يقوى عليها بشر كما قال لي ضابط شاب كان بين المكلفين بالأشراف عليه في سجنه. ولذلك أصبح يقول للمحكمة والمحققين كلمة واحدة "نعم" جوابا على كل اتهام وجه له بعدما أدرك نهايته المحتومة مهما حاول الدفاع عن نفسه.
سابعا بشأن اتهامه بالتخابر مع السوفيت والألمان الشرقيين فأن المعروف والمتعارف عليه والمألوف أن تكون لرجل أمن ومخابرات بمستوى فاضل البراك علاقات عمل مع أجهزة استخبارية أجنبية ولا يعني هذا مطلقا أنه عميل لذلك الجهاز أو غيره، ثم لماذا لم ينسحب هذا الأمر على علاقات برزان الأوسع مع شخصيات وأجهزة أجنبية خطيرة ومهمة ومن بينها علاقاته بشخصية سويسرية خطيرة يرتبط بعلاقة صداقة خاصة جدا مع اسحق شامير رئيس الوزراء الأسرائيلي الأسبق الذي بعث من خلاله بوساطة برزان رسالة خطية تحذيرية وودية الى صدام بعد أن خرج منتصرا من الحرب الإيرانية العراقية وبدأ بالتحرش بإسرائيل ( تلك الرسالة التي رفضها صدام ورد عليها بعنف)
ثامنا لابد من التنويه أن فاضل البراك كان شخصية مكونة كرجل دولة رفيع المستوى ومكون مهنيا وعلميا ويعتبر أفضل مدير جهاز في تاريخ جاز المخابرات العراق من الناحية العلمية والحرفية.
وأخيرا زواج برزان من أرملة البراك فتلك قصة أخرى تلخص الحقد الدفين الذي يكنه برزان للدكتور فاضل فبعث له وهو في قبره من خلال زواجه بأرملته رسالة تعبر عن روح سادية مريضة تجيب على شطر من السؤال! لماذا تمت تصفيته؟
وتبقى السيناريوهات في الأنظمة الشمولية ترسم وفق ما يرتأيه الحاكم الآمر والناهي بما يرضي سياساته ومزاجه.
هذه بتقديري العوامل التي أودت بفاضل البراك وحسمت مصيره وليس التخابر مع السوفيت والألمان الشرقيين بتاتا، ولا وثائق الأمن الكويتي وأرشيفه.
إنه بريء من تهمة التخابر مع الألمان الشرقيين والسوفيت براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. وهذه شهادتي أمام الله والتاريخ وأنا مسؤول عنها، وهي ستظهر مع مذكراتي بعد وفاتي أو أذا تهيأت الظروف المناسبة في حينها.
لكم الشكر والتقدير.
التوقيع
ضابط مخابرات سابق على معرفه دقيقة بشخوص القضية وتفاصيلها.