كانت تسمية أربات تطلق في السابق على جزء من الأراضي الواقعة خارج نطاق كرملين موسكو. ثم أطلقت التسمية على شارع بهذا الاسم في عام 1592. كان يقطن هنا في ذلك الحين الحرفيون وسواس القيصر ومنظفو المداخن. وقد تغير مظهر أربات في شتى الأزمنة: كان في القرن السابع عشر شارعا تجاريا، وأصبح أربات منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر واحدا من أكثر شوارع موسكو أرستقراطية.
تطلق اليوم تسمية أربات على شارع صغير للمشاة في وسط موسكو. ولكنه من أقدم الشوارع في موسكو، ويبلغ من العمر أكثر من 400 سنة. وطول هذا الشارع نحو كيلومتر واحد. وهذا الكيلومتر يمكن تسميته بحق أكثر الشوارع شعبية في روسيا.
كيلومتر واحد، هل هذا كثير أو قليل؟ وما الذي يمكن أن يعنيه كيلومتر لبلد امتداده من الغرب إلى الشرق عشرة آلاف كيلومتر ؟
لا يجوز القول إن أربات لم يتغير أبدا. منذ 25 سنة كانت تتنقل في هذا الشارع السيارات والترولي باصات. وللذكرى بقي إلى الآن أحد الترولي باصات واقفا في هذا الشارع. الترولي باص الأزرق الأخير، وله بالذات كرس بولات أكوجافا أغنيته، وكان أربات بالنسبة إليه أكثر بكثير من مجرد شارع.
أصبح أربات في عام 1986 شارعا للمشاة. حل مكان الأسفلت بلاط حجري، ووضعوا وسط الشارع أصص زهور، وزينوا الشارع بالمصابيح. وحينذاك، مع بداية البيريسترويكا، أصبح أربات مركزا للديمقراطية الجديدة. صارت تقام في الشارع مباشرة حفلات موسيقية، ويقدم المهرجون والبهلوانات نمرهم، ويلقي الشعراء أشعارهم، ويعرض الفنانون لوحاتهم ويعرضون على المارة رسم صورهم مباشرة. ويصطف المغنون الهواة والموسيقيون المحترفون لا يفصل بينهم سوى بضعة أمتار. وقد أصبح الكثيرون من الفنانين المشهورين "نجوما" بعد تقديم عروضهم الأولى في أربات. ويستطع كل من يشاء أن يعرض مواهبه. واستمر هذا التقليد إلى يومنا هذا.
جو الربيع في أربات مشبع بالسرور والمرح. هنا يتقابل الناس ويتمشون ويحبون. وهنا كان يتجول عرسان مشهورون، مثل ألكسندر بوشكين وزوجته ناتاليا غونتشاروفا. وقد عاشا في أربات الأشهر الثلاثة الأولى بعد زواجهما. كان ذلك منذ 200 سنة تقريبا، بيد أن الشبيبة لا تزال على معرفة بكل تفاصيل حياتهما.
أصبح أربات في السنوات الأخيرة مكانا لمباريات الأطعمة من كل بلدان العالم. في كل بناية من أربات القديم يقع مقهى أو مطعم، وفي الصيف تتناثر في الشارع كله سقائف يمكن في ظلها اتخاذ جلسة مريحة جدا ومراقبة المارة والتمتع بفنجان من الشاي العطر أو القهوة.
تباع الكتب في الشارع مباشرة، إذ لا مكان لها في الأبنية التي شغلتها جميعا المقاهي والمطاعم. يمكن على هذه المنصات العثور حتى على أندر الكتب. في أربات لا يمكن الآن المضغ فقط، بل القراءة أيضا.
شيدت هنا في عام1952 بناية عالية لوزارة الخارجية. ارتفاعها 172 مترا. وهي البناية الوحيدة من بين سبع أبنية عالية شيدت أيام ستالين لا تكلل نجمة مسلتها. لعله اتضح أن مسلة البناية هشة جدا ولم تستطع تحمل ثقل النجمة. هذه البناية تحمل الرقم 57 وهي الفصل الأخير في برنامجنا، لأنها آخر بناية في أربات القديم.
الكيلومتر يمكن اجتيازه سباحة بعشرين دقيقة، وركضا بخمس دقائق، وعلى الدراجة بدقيقتين. ولكن إذا كان هذا الكيلومتر أربات القديم، فيمكن التجول فيه أمد الدهر، والعودة إليه المرة تلو المرة. وفي كل مرة يمكن اكتشاف ما هو جديد. وكما كتب بولات أكوجافا: "يستحيل أبدا اجتياز أربات إلى النهاية".