مباشر

هل يتسبب محمد بن سلمان في حلّ منظمة "أوبك"؟

تابعوا RT على
نشرت جريدة "The Wall Street Journal" أن المملكة العربية السعودية تدرس تأثير تفسّخ منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" على سوق النفط العالمية، فهل بات انهيار "أوبك" أمرا وارداَ؟

كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد اتهم في وقت سابق منظمة "أوبك" برفع أسعار النفط.

أعود للمصادر المختلفة التي استشهدت بها الجريدة في تقريرها، والتي عرضت دوافع متناقضة لدراسة الرياض تداعيات تفسّخ المنظمة، من قلق الرياض إزاء انهيار "أوبك"، والرغبة في حمايتها، إلى رؤيتها بعدم جدوى المنظمة لأن "الطلب على النفط لن يستمر للأبد" (؟؟!!)، أو لقدرة السعودية بمساعدة روسيا وحدها السيطرة على أسعار النفط العالمية دون الحاجة إلى "أوبك".

في الواقع أن خطوة كهذه لا تستند إلى الرغبة في حماية "أوبك"، أو إلى عدم جدواها (بصرف النظر عن أهمية وثقل أي اتفاق ثنائي بين روسيا والسعودية)، إلا أن مشاركة الدول الأعضاء في المنظمة لخفض الانتاج، سوف يساعد الرياض بالتأكيد في السيطرة على أسعار النفط.

أعتقد أن تلك الخطوة هي "دراسة للقضية"، فإما هي محاولة لكسب الوقت، مع إثبات فروض الطاعة والولاء للولايات المتحدة الأمريكية، وإما هي إعداد للرأي العام لمنعطف حاد في السياسة السعودية. وسنعرف أي الفرضيتين هو الأقرب للحقيقة لاحقا، لكنني أظن أن مصير "أوبك"، ليس أمرا مفروغا منه، بل وأذهب إلى افتراض أن انهيار "أوبك" ليس من بين أهداف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وإنما هدفه التحكم بها. فهدف الولايات المتحدة ليس خفض أسعار النفط، وإنما السيطرة عليها.

كذلك أود أن أجنح قليلا نحو نظرية المؤامرة، فأفترض أن أسعار أهم الموارد الرئيسية، الذهب والنفط، تعدّ هدفا للتلاعب والسيطرة من قبل كبرى البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فخفض أسعار الذهب أمر هام، حتى لا ينهار الهرم الائتماني الأمريكي والغربي بصفة عامة، فلا يجب أن ترتفع أسعار الذهب، حتى لا يصبح بديلا عن أوراق العملة الخضراء التي تطبعها الولايات المتحدة الأمريكية، بالكمية التي تشاء، في الوقت الذي تشاء، وتشتري بها من الدول الأخرى سلعا وخامات حقيقية.

أما أسعار النفط، فتتغير هي الأخرى وفقا لمطالب الغرب، وحينما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية تطوير صناعة نفطها الصخري، ظلت أسعار النفط في أعلى مستوياتها القياسية لمدة طويلة، لتعويض مشاريع النفط الصخري الأمريكي ذي تكلفة الاستخراج المرتفعة، ثم انخفضت الأسعار فجأة، بعد انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وشرع الغرب في محاولاته لتركيع روسيا، وتدمير اقتصادها. ولم تتزامن تلك التذبذبات الهائلة في أسعار النفط مع أي تغيير يذكر في العرض أو الطلب، بمعنى أنها لم تستند إلى أي عوامل اقتصادية واقعية.

إن غضب ترامب تجاه "أوبك" لا يعود إلى أسعار النفط المرتفعة، فقد تصدّرت الولايات المتحدة الأمريكية، في مارس 2018، قائمة الدول المنتجة للنفط، وجاءت في المركز الأول بمعدل يبلغ 10.425 مليون برميل يوميا، وجاءت روسيا في المركز الثاني بمعدل 10.298 مليون برميل يوميا، بينما شغلت المملكة العربية السعودية المركز الثالث بمعدل 9.907 مليون برميل يوميا، في الوقت الذي كاد فيه قطاع استخراج النفط في الولايات المتحدة أن يصبح القطاع الصناعي الوحيد الذي يشهد نموا في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تهرب بقية الصناعات إلى الصين وآسيا. فهل يعقل أن يكون من بين أهداف الولايات المتحدة الأمريكية "خفض" أسعار النفط وتدمير صناعة النفط الأمريكية، لماذا؟

أضف إلى ذلك أن فعالية استخدام الطاقة في الصناعة الغربية أعلى بالمقارنة مع روسيا أو الصين أو أي من الدول النامية الأخرى، بمعنى أن "تكاليف الطاقة" في السلع الغربية أقل من نظيراتها (ارتفاع تكاليف الطاقة في السلع الصينية يجعلها أغلى، أي أن انخفاض سعر النفط يرفع من تنافسية السلع الصينية، التي أزاحت، بدون ذلك، الولايات المتحدة الأمريكية من عرش أكبر الاقتصادات العالمية استنادا إلى الناتج المحلي الإجمالي المعادل للقوة الشرائية).

لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية مهتمة على المدى البعيد بأسعار مرتفعة للنفط، لكن هدف واشنطن الحقيقي هو السيطرة على أسعار النفط، حتى تتمكن من استخدام ذلك السلاح وقتما تشاء. فانهيار أسعار النفط في الثمانينات كان سببا في انهيار الاتحاد السوفيتي، وبعد ضم القرم، ظنت الولايات المتحدة الأمريكية أن بإمكانها تدمير روسيا بنفس الكيفية، لكن الاقتصاد الروسي الآن أثبت أنه أكثر صمودا. لكن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم ذلك السلاح ضد فنزويلا وإيران، وحينما تنتهي من أهدافها في تلك الدول، أو حينما يتصدر الصراع مع الصين أولوية الأهداف الأمريكية، فسوف تقفز أسعار النفط إلى أسعار قياسية من جديد، حتى تتصدى للنمو الاقتصادي للصين، التي تعد المستورد الأول للنفط في العالم.

على كل الأحوال، وأيا كانت الأسباب التي تساق رسميا، فإن الهدف الرئيسي لضربة ترامب هو استقلال الرياض، والتعاون الروسي السعودي، فالأمريكيين لا يمكن أن يسمحوا للمملكة العربية السعودية بأي درجة من الاستقلال في قضية النفط، خاصة إذا تعلق الأمر، علاوة على ذلك، بالسماح لروسيا بكسر السيطرة الأمريكية على أسواق النفط العالمية.

أخاف أن الرياض لن تتمكن من الرهان على حصانين في نفس الوقت، وسوف يتعيّن عليها في لحظة من اللحظات أن تمنح مفاتيح آبار النفط السعودي للولايات المتحدة الأمريكية، فبعد تداعيات قضية خاشقجي، أصبحت كافة أوراق اللعب في يد الأمريكيين، وأصبح بإمكانهم إزاحة محمد بن سلمان، أو الإبقاء عليه وإملاء إرادتهم عليه بلا حدود. لا يعيش الاقتصاد السعودي أفضل أيامه، ما يتطلب أسعارا مرتفعة للنفط، لكن ذلك آخر ما يمكن أن يهم الولايات المتحدة الأمريكية.

تبقى فقط أن ننتظر لنعرف أي الطرق ستسلك الرياض لتتخلى عن محاولاتها فرض سياسات مستقلة بهذا الشأن، وما إذا كان ذلك سيتبب فعلا في حلّ منظمة "أوبك"، أم لا.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا