مباشر

أردوغان ولذة الانتقام..

تابعوا RT على
أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية مكروهة من الحلفاء قبل الأعداء، لكن قلة هم من تتاح لهم فرصة الانتقام منها، دون أن يتضرروا جراء ذلك، أما أردوغان فقد حصل على تلك الفرصة بفضل خاشقجي.

لقد استعذب الغرب إهانة تركيا لزمن طويل، فوعدتها أوروبا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ثم حنثت بوعدها استنادا إلى حجج مجحفة، ذات صلة بالإسلاموفوبيا، ثم تابعت الولايات المتحدة الأمريكية التحرش بتركيا التي تساورها شكوك بشأن ضلوع الأمريكيين في محاولة الانقلاب ضد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ثم جاءت العقوبات الأمريكية ضد تركيا، ولا ننسى في السياق نفسه انهيار الليرة التركية، بسبب هروب أموال البنوك الغربية، ما دفع أردوغان إلى اتهام الولايات المتحدة الأمريكية بشن حرب اقتصادية على بلاده.

ولكن أردوغان رجل ذو شخصية قوية، ومهما دفعته الظروف إلى مهادنة أمريكا، إلا أن الغضب المتراكم لا شك كبير، أضف إلى ذلك ظهور مغريات وجرأة على اتخاذ قرارات تلبي المصالح الوطنية الخاصة على حساب الالتزامات أمام الولايات المتحدة الأمريكية لدى الحلفاء، بما في ذلك تركيا، مع بدء انزلاق الغرب في أزمة نظامه.

وفي تلك اللحظة بالذات، تضع المملكة العربية السعودية في يد أردوغان أوراق اللعب الرابحة أمام ترامب.

إن قضية تسميم سكريبال لتتضاءل أمام القصة البوليسية المريعة لمقتل خاشقجي، وهي القصة التي أشعلت الرأي العام الغربي لوقت طويل. وإذا كان مقتل صحفي بالنسبة للغرب سيحصل على 9 درجات من أصل 10 بالمقاييس الغربية من حيث فظاعة الجريمة، حيث يستند تصور الغرب لذاته كمجتمع ديمقراطي تحديدا على الأصنام والمقدسات، وينسحب ذلك بشكل أساسي على أوروبا، التي تعتبر نفسها شعاع النور الذي يضيء ظلمات الطغيان من حولها، فإن مقتل صحفي بأيدي دبلوماسيين، على أراض أجنبية، وتقطيعه، وربما تورط زعيم دولة أخرى، يحصل على 15 درجة من أصل 10 بالمقاييس الغربية، ولا يمكن أن يقف الغرب أمام ذلك مكتوف الأيدي، خاصة بعد الحشد الهائل للرأي العام العالمي، الذي قام به، لاتخاذ إجراءات صارمة ضد روسيا بذرائع أقل خطورة، لم يثبت أي منها بالدليل القاطع حتى الآن.  من هنا تنشأ ضرورة رد الفعل الغربي على مقتل خاشقجي، حيث لا يطال الأمر سمعة الغرب فحسب، وإنما يشمل أيضا شعبية وصلابة السياسيين الغربيين والحكومات الغربية. إنها قضية الهوية الغربية، مقدسات الغرب إذا صحت التسمية. إن الأوروبيين والأمريكيين يعجزون عن تجاهل الرأي العام من دون هذه الأزمة المتصاعدة، فما بالك وهي تشتد يوما بعد يوم، وعدم اتخاذ رد فعل تجاه قضية خاشقجي، من المؤكد أنه سيضعف الحملة الغربية المناهضة لموسكو.

على الجانب الآخر يحاول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، السير على خيط رفيع بين قطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وبين اتهامات الديمقراطيين بدعمه لنظام "آكلي لحوم البشر" في الرياض، على حد تعبيرهم، وهو دعم قد يزيد من احتمالات عزله، لذا اقترح ترامب من خلال وزير خارجيته، مايك بومبيو، على السعودية  معادلة وسطا :"جريمة قتل دون التوصل للجاني المباشر"، والتي يمكن أن تخفض من التصعيد مع الديمقراطيين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها في الوقت نفسه لن توقف احتمالات التصعيد أو تحل الأزمة مع الديمقراطيين. ومع تطور الموقف، فإن تضرر ترامب يزداد، والقدرة على اتباع تلك المعادلة تقل، في الوقت نفسه فإن قطع العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية سوف يتسبب بضرر كبير لواشنطن، وينزع من ترامب ورقة اللعب الوحيدة الرابحة في الداخل، وهو النجاح الاقتصادي. بمعنى آخر فإن البقاء السياسي لترامب يعتمد على قدرته على الخروج من أزمة خاشقجي.

أما ثمن الخروج من الأزمة بالنسبة للرياض فسوف يكون باهظا، وبصرف النظر عن النتائج التي ستتوصل إليها التحقيقات السعودية، سيتعين على السعودية الدفع لأمريكا والغرب بشكل أو بآخر، لفترة طويلة، مصاريف الإزعاج والتأخير الناشئين عن تلك الأزمة. بالنسبة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فإن هذه الأزمة هي قضية حياة أو موت، حيث أن المشكلات التي تسبب فيها سابقا، جعلت منه بالفعل شريكا غير مرغوب فيه بالنسبة للغرب، ومصدرا لعدم الاستقرار، الذي يحاول الجميع التخلص منه مع الوقت. ومعادلة ترامب لا تضمن بقاء شخص محمد بن سلمان في السلطة، حيث أن كل دوائر الاتهام تلتف في النهاية حول عنقه، وحتى لو تمكنت واشنطن من إخراج المملكة العربية السعودية كدولة من دائرة الخطر، فستظل عملية "خروج بن سلمان من المستنقع بلا خسائر" شبه مستحيلة. خاصة وأن ترامب لا يمثل الغرب كله. ومن ناحية أخرى فإن تغيير الوجهة السياسية السعودية من الغرب ناحية الصين حاليا لا يبدو مرجحا، لما يمثله ذلك من خطورة بالنسبة للرياض، بينما لا تبدو الصين هي الأخرى مستعدة لذلك.

في تلك الأثناء يدير الرئيس التركي الأزمة من موقع المسيطر على الموقف برمته، محددا مقدار الضرر الذي سيلحق بكل من ترامب، والرياض، ويسرّب المعلومات من خلال صحفه بالقطّارة قطرة تلو أخرى، ومن خلال أوراق اللعب التي يملكها يحلب واشنطن والرياض، مطالبا بنقود وتنازلات، لكنه قرر، فيما يبدو، أن يستمتع أولا بلذة الانتقام، حتى ولو كانت تداعيات الأزمة غير متوقعة وخطيرة. فهو يريد أن يرى موت أعدائه، بينما يلعب رسميا دور الضحية، التي تروم الحقيقة ولا شيء غيرها.

إن ذلك يؤكد من جديد على انهيار النظام العالمي الأمريكي، وسوف نشاهد بأم أعيننا أحداثا جساما مدهشة، وستتغير المواقف والمشاهد عشرات المرات، حتى سيصبح من الصعب علينا  أن نتعرف على هذا العالم خلال عشر سنوات من الآن.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا