مباشر

الاستراتيجية الأمريكية الجديدة إزاء إيران تعيد ترتيب التحالفات

تابعوا RT على
تناول سيرغي ستروكان استراتيجية ترامب الجديدة حيال إيران؛ مشيرا إلى أنها قد تصبح فرصة للتقارب بين موسكو وبين الاتحاد الأوروبي.

كتب سيرغي ستروكان:

استراتيجية ترامب الجديدة في التعامل مع إيران، قسمت المجتمع الدولي بين مؤيدين ومعارضين لهذه الهجمة السياسية العامة على طهران.

وفي الوقت، الذي يواصل فيه الحلفاء الأوروبيون للولايات المتحدة مع روسيا بذل الجهود للحفاظ على الصفقة النووية لعام 2015، حظي موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب بدعم كل من إسرائيل والمملكة السعودية ودول عربية أخرى ذات العلاقة السيئة بالجمهورية الإسلامية. وإذا رأى خصوم طهران في مبادرة ترامب فرصة لإنشاء تحالف ضدها، فبالنسبة إلى روسيا والاتحاد الاوروبي ظهرت إمكانية للتقارب على أساس العمل من أجل الحفاظ على إنجازهما المشترك، الذي يتمثل بـ"خطة العمل الشاملة والمشتركة" بشأن البرنامج النووي الإيراني.

إن تصريح الرئيس الأمريكي التوجيهي بشأن إيران، والذي يفتح الطريق أمام الولايات المتحدة لخروج أحادي الجانب من الاتفاق، واستئناف حرب العقوبات على إيران، كل ذلك أثار قلق الدول العالمية والإقليمية، بتهديده للوضع الهش، الذي كان قائما خلال العامين الماضيين إزاء إيران.

وقد تبين أن حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين الغربيين كانوا الأكثر نشاطا للإبقاء على الاتفاق النووي، خوفا من ظهور أزمة جديدة في الشرق الأوسط، وظهور عقبات غير متوقعة أمام تغلغل أوروبا الغربية ورجال أعمالها في السوق الإيرانية.

وتأكيدا لاستعداد الوسطاء الأوروبيين للسعي من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، كان الحديث الهاتفي بين رئيسة الوزراء البريطاني تيريزا ماي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وقد صرح مكتب رئيسة الوزراء بأن "بريطانيا وألمانيا تحتفظان بموقف ثابت" إزاء الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران. كما اتفقت السيدتان على مواصلة مناقشة المسألة الإيرانية في قمة الاتحاد الأوروبي المزمع عقدها هذا الأسبوع في بروكسل.

باريس أيضا لم تتخلف عن أختيها الأوروبيتين، وهي الوسيط الأوروبي الثالث الذي عاش مع برلين ولندن جذور نشأة هذا الاتفاق، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان "نحن نراه صفقة جيدة للحد من انتشار السلاح النووي، ولا يمنح إيران إمكانية لبناء ترسانة نووية"؛ مؤكد أن "أي تعديل للاتفاق سوف يؤدي إلى رفضه". وحث الوزير الفرنسي الكونغرس الأمريكي على عدم التراجع عن الاتفاق، و"عدم الدخول في متاهات غير منطقية وخطيرة جدا".

وعلى الرغم من حقيقة أن دونالد ترامب، في موقفه الجديد من الاتفاق النووي مع إيران، لم يجد تفهما في الاتحاد الأوروبي، فإنه تمكن من تحقيق انتصار جزئي في جوانب أخرى لا ترتبط بتنفيذه. حيث شددت "السيدتان الحديديتان" في مكالمتهما الهاتفية على ضرورة "مواصلة توحيد الجهود لمواجهة تصرفات طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، واستكشاف السبل للتخلص من القلق الناجم عن برنامج إيران في إنتاج الصواريخ البالستية".

وفي الوقت الذي كانت أوروبا تعرب فيه عن عزمها على عدم التفريط بالاتفاق النووي، رحب خصوم طهران التقليديون في الشرق الأوسط بمبادرة الرئيس الأمريكي، ورأوا فيها فرصة ذهبية لإحياء فكرتهم القديمة حول إنشاء تحالف واسع مناهض لإيران.

وهكذا، افتتح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جلسة الحكومة الإسرائيلية بتوجيه تهنئة للرئيس ترامب "لإيجاده فرصة لتعديل الاتفاق النووي ووقف العدوان الإيراني المتنامي في منطقتنا"، كما قال نتنياهو، الذي استغل هذه المناسبة لحث "كل حكومة مسؤولة" على الانضمام إلى مبادرة الرئيس ترامب ودعمها.

بدوره، شن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، في مقابلة مع القناة الثانية الإسرائيلية، حملة لاذعة على الأوروبيين واتهمهم بأنهم "يواصلون دفن رؤوسهم في الرمال كما كان حالهم قبيل الحرب العالمية الثانية"، وأكد أن "الحكومات الأوروبية تفضل الهروب من الواقع"، بحسب قوله. وعلى العكس من ذلك، "امتدح" ليبرمان مواقف الدول العربية بالقول إن "جميع دول المنطقة تفهم أن إيران تشكل تهديدا وجوديا لها، وإسرائيل ليست الوحيدة التي رحبت بمبادرة ترامب بل والمملكة السعودية ودول الخليج والبحرين"، - كما قال ليبرمان؛ معربا عن ارتياحه للمواقف العربية. ولعل المكالمة الهاتفية بين العاهل السعودي والرئيس ترامب كانت خير دليل على ذلك، حيث شدد العاهل السعودي، وفقا لقناة "العربية"، "على دعم الاستراتيجية الصلبة، التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب حيال إيران وأنشطتها العدوانية، ودعمها للإرهاب في المنطقة وفي كل أنحاء العالم"، - وفقا للعاهل السعودي.
أما مصر، الدولة الرائدة في العالم العربي، فاتخذت أيضا موقفا داعما لاستراتيجية ترامب الجديدة ضد إيران. وأعرب بيان الخارجية المصرية عن القلق إزاء تصرفات إيران، التي اتهمتها القاهرة بزعزعة استقرار الوضع وخلق تهديد للأمن القومي.

وهكذا، قسمت مبادرة ترامب المجتمع الدولي إلى معسكرين. وبدأ تشكيل تحالفات مرحلية جديدة للقوى العالمية والإقليمية، اعتمادا على ما تعكسه مواقفها من الاتفاق النووي الايراني. وإذا رأى الخصوم التقليديون لإيران في مبادرة ترامب الجديدة فرصة لهم لإنشاء تحالف مناهض لإيران، فإنها تعني لروسيا والاتحاد الأوروبي ظهور فرصة للنضال معا من أجل الحفاظ على الإنجاز المشترك - "خطة العمل الشاملة والمشتركة" بشأن البرنامج النووي الإيراني.

ترجمة وإعداد:ناصر قويدر

 

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا