مباشر

خبيرة فرنسية: المحاولات الأمريكية لعزل روسيا تدل على قوتها

تابعوا RT على
نشر موقع "أوراسيا ديلي" مقالا بقلم خبيرة فرنسية عن توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا مشروع قانون يشدد العقوبات ضد روسيا.

  كتبت أستاذة كلية القانون العام في جامعة مونبلييه الفرنسية، الأستاذة الزائرة في جامعة موسكو الحكومية، كارين بيشيه:

إن محاولات عزل روسيا ليست من أجل القرم، أو من أجل أوكرانيا، وبالتأكيد ليست من أجل حربها ضد الإرهاب في سوريا، بل لأن موسكو أعلنت من جديد عن وجود مصالح لها وطنية، وعن حقها الطبيعي في الدفاع عنها، لأول مرة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي". 

إن الولايات المتحدة تواصل سياستها، التي تهدف إلى عزل روسيا. وهو أمر ليس غريبا، فبعد الخلل الذي أحدثه انهيار الاتحاد السوفياتي في التوازن الجيوسياسي العالمي، طالبت روسيا بضرورة الاعتراف بوجود مراكز سياسية أخرى في العالم، بما في ذلك روسيا نفسها. وكان من الطبيعي أن تصطدم هذه الدعوة بمقاومة عنيفة. وبما أن روسيا أصبحت رمزا للانفصال عن باكس أمريكانا (مفهوم سيادة السلام والاستقرار في ظل إمبراطورية أمريكية – المترجم)، فقد شنوا ضدها حربا هجينة تحت ستار الرهاب من روسيا، واستكملوا ذلك في المجال الاقتصادي تحت غطاء ما يسمى بـ "العقوبات"، التي يشكل مشروع القانون الأمريكي الجديد إحدى وجباتها. وقد شبَّه رئيس الحكومة الروسية دميتري مدفيديف مشروع قانون العقوبات الجديد هذا بإعلان "حرب تجارية حقيقية" ضد روسيا.

ومن الواضح ألا أساس مطلقا لهذه العقوبات. والمطلوب ببساطة هو شيطنة روسيا، وترسيخ صورة كاذبة في ذهن الأمريكيين بأنها مذنبة في نتائج انتخاباتهم الرئاسية. لكن، وكما قال بحق رئيس مجلس النواب الروسي "الدوما" فياتشيسلاف فولودين: "لو لم تكن الانتخابات، لوجدوا أي ذريعة أخرى"

وفي ظل هذا الوضع القائم، يصب "الدوما" اهتمامه على منطقة النفوذ الروسي التاريخية، أي على منطقة الاتحاد السوفياتي سابقا، وعلى المنظمات الدولية، التي تحترم المصالح الوطنية الروسية، مثل رابطة الدول المستقلة، منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. وفي الوقت نفسه، لم تخرج روسيا من المنظمات الأخرى الغربية، مثل الجمعية البرلمانية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. وتواصل موسكو اللقاءات والمناقشات مع ممثلي هذه المنظمات. هذا، على الرغم من أن هذه الهيئات قد تحولت إلى ميادين للنزاعات الدبلوماسية، وخاصة أنها هيئات للعالم أحادي القطب، ولم تعد قادرة على التعاطي مع "روسيا بعد السوفياتية"، روسيا الحديثة، لأن أصحابها بحاجة إلى روسيا أخرى، روسيا المطيعة، وليس روسيا التي تعلن عن مصالح وطنية خاصة بها ومشروعة.

 وهنا تستطيع الدبلوماسية البرلمانية أن تلعب دورا مساعدا في الحفاظ على التواصل بين الدول، وتجاوز هذه المنظمات المؤدلجة، وتأمين اتصال مباشر بين الحكومات، وهذا ما قرر مجلس النواب الروسي التركيز عليه في نشاطه حاليا على الصعيد الدولي.  

وبشكل عام، فالعزلة ليست شيئا مخيفا. وهي ليست علامة على ضعف روسيا، بل دليل على تعاظم قوتها. فأولا، مفهوم "العزلة" بحد ذاته يبدو هنا غريبا، ويعكس على الأرجح رؤية قديمة للعالم عفا عليها الزمن، ترى أن "الغرب وحده هو مركز العالم"، وأن العالم كله يبقى يدور في فلك عدد من العواصم الغربية. وأن "إغلاق" بوابات هذه العواصم في وجه أحد ما يمثل أشد أنواع العقوبة له، وكأن العالم يخلو من وجود آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وهلم جرا.

إن روسيا لا تعاني من "العزلة"، وتعمل على تطوير علاقاتها مع كل الأجزاء الاخرى من العالم، مع الصين والهند وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول القوية الأخرى، وعلى قاعدة المنفعة المتبادلة. 

ثانيا، في هذه الحالة نحن نتحدث ليس عن "العزلة"، بل على الأرجح عن التحرر (التحرر من التبعية)، أو إذا صح التعبير عن النمو الذاتي. وبقدر ما يخف اعتماد روسيا على الغرب، تزداد استقلاليةً و "نضوجا"، وهذا هو التحرر الحقيقي الذي يقع في صلب مفهوم سيادة الدولة، والذي يستطيع أن يسمح به لنفسه القوي فقط.

ترجمة وإعداد: ناصر قويدر

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا