جاء في المقال:
لم يمض الكثير من الوقت على وصف الرئيس فلاديمير بوتين النشاط التخريبي، الذي تمارسه الأجهزة المختصة الأمريكية في أوكرانيا، بالعمل النوعي الناجح. فقد تمكنت واشنطن فعليا من تحويل هذا البلد إلى مصدر جبار لعدم الاستقرار على الحدود بين روسيا وأوروبا. وكذلك إلى قاعدة مناسبة لممارسة أنشطة التجسس على العديد من الاتجاهات.
وكما هو معروف، فإن واحدا من أكبر الإنجازات، التي حققها "يوروميدان" في كييف (كذلك سميت الاحتجاجات في ميدان الاستقلال بالعاصمة الأوكرانية أواخر عام 2013)، هو تأمين الحضور الكبير والدائم لأجهزة الاستخبارات الأميركية. ولتلبية حاجات موظفي وكالة الاستخبارات المركزية وموظفي أجهزة استخبارات الدول المقربة جدا من الأميركية، تم إخلاء عدة طوابق في مبنى جهاز أمن الدولة الأوكراني، (وبالتأكيد ليس هناك فقط).
وليس صعبا على أي كان الافتراض بأن الهدف من كل هذا، ليس فقط إدارة الطغمة الحاكمة في كييف وتوجيهها، بل وإنشاء فرع قوي للاستخبارات الأمريكية على مقربة من روسيا، وعلى مقربة من حلفاء واشنطن الغربيين في آن واحد.
ومما لا شك فيه أن موقع أوكرانيا جغرافيا مناسب جدا لممارسة أنواع التجسس كافة في هذا الجزء من العالم. وما يضفي على هذا العمل هنا هو ميزته الخاصة، التي تتمثل في أن الكادر الأمني–المحلي كان في السابق جزءا من آلية واحدة مشتركة، هي الاستخبارات السوفياتية "كي جي بي"، التي حافظت دائما على مؤهلات ومهارات كادرها؛ ما يعني أن التعاون مع هذا الكادر، يعود على الطرف الأمريكي بفوائد متعددة الجوانب. ومن الجدير بالذكر هنا أن الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة في أوكرانيا الجنرال فالنتين ناليفايتشينكو، الذي جاء من جهاز "كي جي بي" سابقا، تم تجنيده من قبل الأمريكيين.
ومن الجدير بالملاحظة أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن مرحلة التعاون في جمع المعلومات بين الأجهزة الاستخبارية الأمريكية والأوكرانية قد انتقلت الى مرحلة التدابير الأكثر فعالية، بمعنى آخر – "لماذا علينا أن نقتصر على عمليات التجسس والتنصت البسيط، إذا كان ممكنا إجراء عمليات تجنيد لتنفيذ مهمات خاصة، وممارسة نشاطات التضليل والتخريب، انطلاقا من القاعدة الأوكرانية، ولا سيما أن الشروط كافة متوفرة لتحقيق هذه المهمات، وأهمها شفافية الحدود مع روسيا، وأن الأمر لا يحتاج إلى وقت طويل لتدريب الوكلاء من المحليين الأوكرانيين، كما أنه لا توجد صعوبة تقنية في عمليات إرسالهم إلى روسيا، وحتى إلى أوروبا، وخاصة بعد إلغاء نظام التأشيرة المسبقة للأوكرانيين مؤخرا. وعلى الرغم من كفاية الأجهزة المختصة الأمريكية هناك، فإن إضافة مساعدين آخرين في هذا المجال من العمل لا تبدو فائضة عن الحاجة".
ومن نافلة القول إن الأجهزة المختصة الأوكرانية مفيدة بدورها للغاية للحاجات الداخلية في الولايات المتحدة. ومن دون مبالغة، فإن "الأثر الأوكراني" في تأجيج الصراع القائم بين الرئيس ترامب والكونغرس الأميركي يمكن لمسه باليد ورؤيته بالعين المجردة، ما يؤكد أن "قاعدة الاستخبارات الأمريكية في كييف أصبحت مستقلة بما فيه الكفاية بالنسبة إلى مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة".
وخلاصة القول - إن الاستخبارات الأمريكية أنشأت مركزا لها مستقلا على الأراضي الأوكرانية، يمارس فعالياته التخريبية الموجهة تحديدا ضد روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة، ودول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تركيا والصين.
ترجمة وإعداد: ناصر قويدر