جاء في المقال:
حملة الانتخابات الرئاسية في إيران على أشدها. ورئيس السلطة التنفيذية السابق المحافظ المتشدد محمود أحمدي نجاد سجل نفسه مرشحا للمنصب الرئاسي. وقد أهاج هذا السياسي الخارج عن المألوف المجتمع الإيراني والنخبة الإيرانية كلها، بسبب خروجه عن طاعة المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي نصح الرئيس السابق قبل ذلك بألا يزرع الشقاق في المجتمع وألا يشترك في الانتخابات. بيد أن الرئيس السابق، الذي يتمتع بشعبية لا يستهان بها بين الناخبين، لا ينوي التوقف. هذا، في حين أن آراء الخبراء تتفق على أن الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني سيحتفظ بمنصبه، لكنه سيحتفظ أيضا في ذاكرته بـ "عامل ترامب".
وعلى أي حال، فإن عددا ضئيلا من المرشحين لمنصب رئيس إيران يدخلون الانتخابات. إذ إن النظام السياسي للجمهورية الإسلامية فريد من نوعه. ففي البلاد تُجرى بشكل دوري انتخابات، وعلى مختلف المستويات، ولكن كل المرشحين يمرون عبر "مصفاة" مجلس صيانة الدستور - وهو هيئة خاصة تقوم بفحص المرشحين وانتقائهم وفقا لمجموعة كبيرة من المعايير، بدءا من الحياة الشخصية وانتهاء بالتمسك بالإسلام. وهي بنية نافذة للغاية، وتعمل فعليا تحت إشراف قائد إيران الأعلى "رهبر" علي خامنئي.
وهكذا، من دون قرار - رسمي أو ضمني – صادر عن "الرهبر"، لن يتمكن أي مرشح من المشاركة في الانتخابات. وأسماء المرشحين الذين يجتازون هذا الانتقاء، سيتم الإعلان عنها نهائيا في أواخر أبريل/نيسان.
وقد أعلن الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني أيضا ترشيح نفسه رسميا. وهو شخص ينتمي إلى ما يسمى المعسكر السياسي الليبرالي-الإصلاحي.
وهناك مرشح آخر قوي من المحافظين، وهو إبراهيم رئيسي، المدعي العام سابقا ورئيس أكبر صندوق إسلامي هو "آستان قدس رضوي" (مؤسسة دينية تبلغ ميزانيتها مليارات الدولارات).
لكن ترشح محمود أحمدي نجاد، ربما كان واحدا من أكثر الأحداث غير المتوقعة في حياة إيران السياسية الداخلية.
ومن الجدير بالذكر أن أحمدي نجاد كان رئيسا من عام 2005 إلى عام 2013، وقد اشتهر بنهجه السياسي المحافظ وبتصريحاته الملتبسة.
ووفقا لكبير الباحثين العلميين في معهد الاستشراق التابع للأكاديمية الروسية للعلوم فلاديمير ساجين، فإن فرص سماح مجلس صيانة الدستور بتمرير ترشيح أحمدي نجاد تعادل الصفر تقريبا.
وقال ساجين إن "إعلان أحمدي نجاد عن ترشيح نفسه، لم تثر الاضطراب بين ممثلي النخبة فحسب، بل وفي المجتمع الإيراني بأكمله... ويمكن فهم ترشيحه المناقض لتعليمات المرشد الأعلى خامنئي في إيران، كتحدٍ مكشوف، لأن كل ما يقوله خامنئي في إيران، حتى لو كان مجرد نصيحة – ذو قيمة أكبر من القانون. النظام السياسي في إيران هو هكذا: قبل السماح بمشاركتهم في الانتخابات، يخضع جميع المرشحين لغربلة صارمة جدا. وليس لدي أدنى شك في أن أحمدي نجاد لن يصبح مرشحا". وأضاف أن "مسألة أخرى تبقى هناك، وهي - الدور السياسي الذي سيلعبه أحمدي نجاد في المستقبل"، - كما سأل ساجين.
إن الخروج عن طاعة المرشد الأعلى عرّض أحمدي نجاد لنيران الانتقادات، بما في ذلك انتقادات المحافظين منهم. وهكذا، قال وزير الخارجية السابق، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية النافذ علي أكبر صالحي إن "أحمدي نجاد يجب أن يلتزم بتعاليم خامنئي".
هذا، وفي حين أن سكان المدن الكبيرة ينظرون إلى أحمدي نجاد بسلبية، فإن الرئيس السابق لا يزال يتمتع بشعبيته في المحافظات النائية.
وبالطبع، فإن تشديد الضغوط الأمريكية على إيران، بخاصة بعد مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، هو من جهة يزيد في فرص المحافظين الإيرانيين. ولكن، من جهة أخرى، وبغض النظر عمن سيكون الفائز في السباق الرئاسي، فإن الخط السياسي، كما في السابق، سوف يحدده المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي وفقا لمبدأ "ولاية الفقيه" – حكم رجال الدين. وبالنظر إلى ذلك، فإن المستقبل السياسي لأحمدي نجاد يقع على الأقل تحت علامة استفهام كبيرة لأنه خالف إرادة "الرهبر".
ترجمة وإعداد
ناصر قويدر