كتب مكسيم يوسين:
على خلفية العملية الروسية في سوريا، يبقى نشاط موسكو غير ملحوظ في ليبيا، التي عاشت أيضا "الربيع العربي". بيد أن هذا النشاط لا سابقة له، وخاصة أن روسيا لم تول منذ عهد القذافي هذا الاهتمام لتفاصيل الشؤون الليبية، ويبدو أن الكرملين رغم الفوضى، التي تعم هذه البلاد المقسمة إلى أجزاء عدة، تمكن من إيجاد الشخص الذي يمكنه المراهنة عليه.
وهذا الشخص هو المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، الذي يسيطر على القسم الأكبر من شرق ليبيا. وبحسب وجهة نظر موسكو، فالمشير حفتر هو شريك واعد لأسباب عدة:
أولا - تقف خلفه قوة واقعية كبيرة، والأراضي التي يسيطر عليها أكبر من تلك التي تسيطر عليها "حكومة الوفاق الوطني"، التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، ويرأسها فايز السراج.
ثانيا - تقع حقول النفط الأساسية وموانئ تصدير النفط (ما يسمى بالهلال النفطي) تحت سيطرة المشير حفتر.
ثالثا - جيش حفتر هو أكثر علمانية من بين المجموعات المتصارعة في ليبيا كافة، وهو يحارب المتطرفين. أما قوات حكومة طرابلس فلا يمكن وصفها بذلك، إضافة إلى فرضها قوانين الشريعة في البلاد.
رابعا – مصر، التي تعدُّ أحد شركاء روسيا الرئيسين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تدعم المشير حفتر. أي أن تحالفها مع حفتر يسمح بتقديم المساعدات اللازمة إليه عبر الأراضي المصرية، تجنبا للاتهام بانتهاك قرار الأمم المتحدة بشأن منع توريد الأسلحة إلى ليبيا.
خامسا - درس حفتر في الاتحاد السوفياتي. فبحسب معلومات الصحيفة درس في عامي 1977 -1978، حيث أنهى دورة كبار الضباط، وفي المرة الأخرى عام 1983 كان ضابطا مستمعا في أكاديمية فرونزه، وهذا الأمر يسهل عملية الحوار معه.
وبالفعل، يتطور هذا الحوار مع المشير. ففي العام الماضي زار حفتر موسكو مرتين: الأولى في يونيو/حزيران، والثانية في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد التقى خلالهما وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ووزير الخارجية سيرغي لافروف وسكرتير مجلس الأمن القومي نيقولاي باتروشيف والمبعوث الشخصي للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف.
كما أنه صعد إلى متن حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف" في شهر يناير/كانون الثاني الماضي في طريق عودتها من سوريا.
وإذا تمكن المشير حفتر بمساعد مصر وروسيا من بسط نفوذه على مناطق جديدة وخاصة الساحلية، فهذا سيجعله القائد الميداني الأقوى نفوذا وتأثيرا في ليبيا. أي لن يعود بإمكان حكومة السراج في طرابلس وبرلمان طبرق منافسته.
إلى ذلك، أصبحت ليبيا حاليا أحد الموضوعات الأساسية في الحوار بين روسيا والاتحاد الأوروبي. فقد أولت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية فيديريكا موغيريني خلال اتصالها الهاتفي الأخير بالوزير لافروف اهتماما خاصا للقضية الليبية. وإذا استمر هذا الاتجاه، فسوف تصبح موسكو بنظر بروكسل (ومستقبلا بنظر واشنطن) شريكا إلزاميا في تسوية ليس فقط النزاع السوري، بل والقضية الليبية أيضا.