وأشارت صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" الروسية في مقال غطت فيه هذا الحدث، إلى إجماع المراقبين والخبراء على أن الحكم الصادر عن المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، كان ساخرا من الآخرين و"غاية في الوقاحة".
ولفتت الصحيفة النظر إلى تزامن صدور الحكم مع حلول الذكرى الـ21 لبدء الناتو غاراته على يوغوسلافيا سنة 1995، كما أشارت إلى صرامة الحكم الذي قضى بحبس كاراديتش 40 عاما بعد إدانته بالمسؤولية عن جرائم قتل وإرهاب، واعتداءات على المدنيين وتهجيرهم إبان حصار سارايفو، وأسر أفراد في قوات حفظ السلام الدولية بهدف جعلهم سواتر بشرية ضد قصف الناتو لأهداف صربية في البوسنة.
وتوقفت الصحيفة عند سيرة كاراديتش، الذي كتبت أنه بدأ مسيرته السياسية في الثمانينيات من القرن الماضي، وعايش مرحلة تفكك يوغوسلافيا، مشيرة إلى أنه كان بين المطالبين بتوحيد صفوف الصرب أينما كانوا ولمّ شملهم ضمن أراضي يوغوسلافيا السابقة، كما نقلت عنه "استعداد الصرب التخلي عن الطعام شريطة أن يكون لهم دولة".
ففي سنة 1989 أسس كاراديتش حسب الصحيفة، الحزب الصربي الديمقراطي، الذي تبنى تمثيل الصرب ورفض الاعتراف بأي إجراءات أحادية يتبناها البوسنيون والهرسك في البوسنة ضمن أراضي يوغوسلافيا.
وأفردت الصحيفة أنه وفي أعقاب انتخابات سنة 1990، شارك حزب كاراديتش في تشكيل حكومة مثلت البوسنة والهرسك والصرب بقيادة زعيم البوسنيين علي عزت بيغوفيتش، وأن كاراديتش حذر في العالم التالي للانتخابات، من أن صرب البوسنة سوف يطالبون بتوحيد أراضي يوغوسلافيا إذا أعلنت البوسنة والهرسك استقلالهما من جانب واحد عن يوغوسلافيا.
وفي أبريل/نيسان 1992 أعلن الصرب عن قيام جمهورية صربيا في البوسنة والهرسك، ليكون كاراديتش أول رئيس يقودها، وذلك في خضم حرب أهلية ونزاعات محلية عمت أراضي البوسنة.
كاراديتش، وبهدف حماية الصرب من حملات التطهير العرقي، أصدر أوامره بتشكيل قوات مسلحة في الجمهورية الوليدة تكونت في معظمها من الجنود والضباط السابقين في الجيش الشعبي اليوغوسلافي المقيمين في البوسنة.
واشارت الصحيفة إلى أن الحرب الدموية التي أثارها في البوسنة علي عزت بيغوفيتش استمرت لأربع سنوات حتى اتفق طرفا النزاع على هدنة ووقف هش لإطلاق النار.
الملفت في اتفاقات السلام التي وضعت نهاية للحرب في البوسنة حسب الصحيفة، أنها أبرمت في قاعدة عسكرية في ولاية أوهايو الأمريكية في غياب كاراديتش، ووقع عليها رئيس جمهورية صربيا آنذاك سلوبودان ميلوشيفيتش، فيما اتسمت أجواء التوقيع على اتفاق السلام بتمثيل هزلي عموما للكرواتيين كذلك.
واقتضى السلام، إرسال 60 ألف عسكري من قوات الناتو، زهاء 30 ألفا منهم أمريكيون إلى جمهورية البوسنة والهرسك لحفظ السلام هناك.
وأبرزت الصحيفة أن الاتفاق تضمن كذلك، أن تتكون دولة البوسنة والهرسك من شطرين، هما فدرالية البوسنة والهرسك، وجمهورية صربيا على أن تكون للشطرين عاصمة مشتركة هي سارايفو، وأن يتاح للمواطنين في الفدرالية والجمهورية حمل جنسية الشطر الذي ينتمي إليه أو جنسية البوسنة والهرسك.
وحصل الصرب بموجب الاتفاق على 49 في المئة من أراضي الدولة الوليدة، فيما نال البوسنيون والكرواتيون الـ51 في المئة المتبقية.
الاتفاقية حظرت على جميع من أدانتهم المحكمة الدولية، شغل أي مناصب حكومية في الدولة الجديدة، ليحرم كاراديتش، وراتكو ملاديتش قائد جمهورية صربيا من أي منصب حكومي في بلاده استنادا إلى ذلك.
وقبل عامين على اتفاق السلام، وقيام الدولة الجديدة بشطريها، اتهمت المحكمة الدولية كاراديتش وراتكو بارتكاب جرائم حرب، والوقوف وراء مذابح تعرض لها المسلمون والكرواتيون في البوسنة، وأصدرت سنة 1996 بطالقتي بحث دوليتين بحقهما.
وأعادت "أرغومينتي إي فاكتي" إلى الأذهان حديثا لكاراديتش أدلى به لصحيفة "تايمز" قال فيه مدافعا عن نفسه: "لو كانت المحكمة التي أقيمت في لاهاي جهازا قضائيا عن حق، لذهبت إلى لاهاي، أو أدليت بإفاداتي علانية عبر شاشة التلفاز ودافعت عن نفسي. محكمة لاهاي، ليست إلا مؤسسة سياسية الهدف من استحداثها إلقاء اللائمة على الصرب في كل ما حدث".
وأعلنت المحكمة مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار لكل من يقدم أي معلومات ترشد إلى مكان كاراديتش، فيما اشترط الاتحاد الأوروبي تسليمه للمحكمة لقاء الإسراع في مفاوضات انضمام صربيا إليه، إلا أنه استطاع وبنجاح التواري عن أعين لاهاي طيلة 13 عاما.
وألقت السلطات الصربية القبض على كاراديتش في واحدة من حافلات الضواحي في بلغراد في الـ21 من يوليو/تموز 2008، وذلك بعد أن عاش طيلة هذه المدة في حي "الجديد" في بلغراد في شقة من غرفتين، وعمل في واحدة من العيادات الخاصة في العلاج البديل.
الحكومة الصربية، وتفاديا لاندلاع الاحتجاجات في البلاد على اعتقاله، رحّلت كاراديتش على عجل إلى لاهاي.
وخلال محاكمته، كشف كاراديتش عن أنه تلقى من الدبلوماسي الأمريكي ريتشارد هولبروك ضمانات أمنية وتعهدات بالحصانة، مقابل تخليه رسميا عن منصبه رئيسا لجمهورية صربيا واعتزاله السياسة.
هولبورك، والذي مثل الولايات المتحدة إلى المفاوضات حول البوسنة، عاجلته المنية مطلع 2010، في خضم محاكمة كاراديتش والمداولات بشأنه.
وفي ختام المقال، علقت "أرغومينتي إي فاكتي" بالقول إن الحكم بالسجن المطول على كاراديتش كان متوقعا، مشيرة إلى أن الصرب مثلوا أكثر من 60 في المئة من إجمالي من أدانهم قضاة محكمة لاهاي بارتكاب جرائم الحرب والتطهير العرقي، فيما لم تبرئ المحكمة المذكورة سوى أقلية قليلة من المتهمين الصرب أمامها.
ولفتت النظر إلى أن المحكمة، لم تدن سوى 7 من مسلمي البوسنة فقط، معيدة إلى الأذهان أن قضاة لاهاي حاكموا واستجوبوا عمليا جميع زعماء الصرب وقادتهم العسكريين، مما يؤكد مصداقية ما تكهن به كاراديتش الذي شكك منذ البداية بمصداقية وحياد محكمة لاهاي حول يوغوسلافيا السابقة.
المصدر: "أرغومينتي إي فاكتي"