إن الشرق الأوسط على وشك اندلاع حرب إقليمية شاملة. فقد شنت إسرائيل مؤخرا ضربات انتقامية ضد إيران. ورغم أن إسرائيل تجنبت استهداف المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، فإن الخطر لا يزال قائما في أن تؤدي الضربات الصاروخية المتبادلة بين إسرائيل وإيران إلى جرّ الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.
لقد شجع يعض الأفراد، مثل رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت وجون بولتون، الجيش الإسرائيلي على مهاجمة القدرات النووية الإيرانية ــ وما زالوا يشجعونه. ومع فشل خطة العمل الشاملة المشتركة، يزعم الصقور أن الخيار الوحيد المتاح لإسرائيل لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي هو الحرب.
ومع ذلك، فإن الحجج لصالح توجيه ضربة ضد القدرات النووية الإيرانية غير مبررة. فالهجوم لن يؤخر البرنامج بشكل كبير، ومن المرجح أن يقنع إيران بأنها بحاجة إلى الأسلحة النووية لتكون آمنة. وفي نهاية المطاف، في حين أن حصول إيران على قدرات نووية ليس مثاليا، فإنه لن يكون كارثة بالنسبة لإسرائيل أو الولايات المتحدة.
إن أنصار توجيه ضربة استباقية إلى إيران يبالغون بشكل كبير في تقدير قدرة إسرائيل على تدمير كافة القدرات النووية الإيرانية؛ ذلك أن الاستخبارات العسكرية تتسم دوما بالعيوب. وهذا الأمر يجعل من غير المرجح أن تتمكن إسرائيل من معرفة أماكن كافة القدرات النووية الإيرانية. وعلى سبيل المثال، من المرجح أن تكون إيران قد نشرت تقنياتها ومراكزها البحثية النووية في مختلف أنحاء البلاد لجعل تحديد الأهداف أكثر صعوبة.
ورغم أن إيران لا تمتلك سوى موقعين لتخصيب اليورانيوم قادرين على تخصيب اليورانيوم إلى المستويات اللازمة لامتلاك سلاح نووي، فقد عملت إيران على تحصين منشآتها النووية ــ حيث يوجد واحد على الأقل مدفونا على عمق كبير تحت الأرض حتى أن الضربات الجوية الأمريكية لن تكون قادرة على تدميره على الأرجح. وهذا يجعل اكتشاف هذه القدرات النووية وتدميرها أكثر صعوبة بالنسبة لإسرائيل، وسوف يتطلب مشاركة الولايات المتحدة لزيادة فرص تدميرها.
وحتى في السيناريو غير المحتمل، والذي يتلخص في تدمير إسرائيل لكل القدرات النووية الإيرانية، فإن إيران سوف تظل تحتفظ بالخبرة اللازمة لبناء الأسلحة النووية. وهذا هو نفس السبب الذي يجعل الأسلحة النووية لن تختفي أبدا. فغياب السلاح النووي لا يلغي قدرة أي دولة على بناء سلاح نووي. وإذا حاولت إسرائيل نزع السلاح النووي عن إيران بالقوة، فسوف تقنع طهران بأن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن الحقيقي هو الحصول على ترسانة نووية ــ وهو العامل الأعظم المعادل في السياسة الدولية.
ويزعم أنصار الضربات الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية أن طهران ستستخدم السلاح النووي لتدمير إسرائيل. وإذا ما ألقينا نظرة على الخطاب الإيراني في الماضي حول أملها في تدمير إسرائيل، فسوف يتبين لنا بسهولة لماذا يشعر كثيرون بالقلق إزاء هذا الأمر. ولكن من الجدير بنا أن نفحص سلوك إيران بالإضافة إلى خطابها. ذلك أن القوة ـ وخاصة القوة العسكرية ـ تفرض قيودا حتى على أكثر الدول والزعماء حماسة.
وإذا نظرنا إلى الأسلحة التقليدية التي تمتلكها إيران، فسوف نجد أنها غير قادرة على الفوز في حرب طويلة الأمد ضد إسرائيل، ولا تستطيع أن تهيمن على الشرق الأوسط. كما أن وكلاء إيران لا يقدمون الكثير من المساعدة، حيث تهاجمهم إسرائيل حاليا، وهم لا يشترون سوى القليل من القوة السياسية لطهران. ولا شك أن اغتيال زعيمي حزب الله وحماس على يد إسرائيل لا يؤدي إلا إلى تفاقم مخاوف طهران وحوافزها للحصول على سلاح نووي.
نحن لا نقلل من المخاوف بشأن إيران النووية. فهذه الأسلحة هي الأكثر تدميرا في تاريخ البشرية، وعلينا أن نتوخى الحذر عندما يدخل أي طرف نووي جديد على الساحة. ولكن على حد تعبير مكيافيلي، فإن الحكمة تنطوي على اختيار أقل الخيارات سوءا. وفي هذه الحالة، فإن الخيار الأقل سوءا بالنسبة لإسرائيل وأمريكا هو تجنب توجيه ضربات استباقية للمنشآت النووية الإيرانية.
المصدر: ناشيونال إنترست