مباشر

الحجة ضد التطبيع الإسرائيلي السعودي

تابعوا RT على
تحت هذا العنوان نشرت "فورين أفيرز" مقالا لفريدريك ويهري وجنيفر كافاناغ يتناول صفقة التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل التغير المتوقع للإدارة الأمريكية العام المقبل.

وجاء في المقال المنشور على موقع Foreign Affairs:

لن تؤدي الصفقة إلى حل الدولتين أو إلى إخراج الصين من الشرق الأوسط.

عندما يغادر الرئيس جو بايدن منصبه، أوائل العام المقبل، فمن المحتمل ألا يترك بصمة في أجندته للشرق الأوسط فيما يخص التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، مختوما بضمانة أمنية أمريكية رسمية للرياض. ومع ذلك، فإن هذه الاتفاقية المراوغة معرضة لخطر أن يلتقطها خليفته مرة أخرى، بغض النظر عمن سيفوز في انتخابات نوفمبر. وكان الرئيس السابق دونالد ترامب من بين أكبر مؤيدي المملكة العربية السعودية أثناء وجوده في منصبه، وقد أشار بالفعل إلى رغبته في توسيع ما يسمى بـ "الاتفاقيات الإبراهيمية" لتشمل المملكة العربية السعودية، وقد تضطر نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس إلى إحياء الصفقة أو بعض أشكالها، سواء من أجل الاستمرارية أو لأن التوصل إلى صفقة كبرى في هذه المنطقة المضطربة سيكون إنجازا في السياسة الخارجية لسياسي عديم الخبرة نسبيا.

لكن، بالنسبة لهاريس أو ترامب، فإن الاستمرار في تعزيز هذا الاتفاق الإقليمي سيكون خطأ فادحا. فالترتيب المقترح لن ينهي الحرب في غزة، أو يحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أو يمنع توغلات الصين في الشرق الأوسط، أو يواجه إيران ووكلائها المتشددين. وبدلا من ذلك، من خلال إلزام واشنطن بالدفاع عن دولة عربية "قمعية للغاية ولها تاريخ من السلوك المزعزع للاستقرار"، فإن الإنجاز الرئيسي للاتفاق سيكون زيادة تورط الولايات المتحدة في منطقة حاول الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون الابتعاد عنها.

 إن السعي الحثيث وراء هذه الصفقة السيئة قد أعمى صناع السياسات في الولايات المتحدة عن عوامل أخرى أكثر أهمية للصراع في المنطقة، كما تسبب في تأخير الولايات المتحدة عن الجهود الرامية إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل لإنهاء حربها في غزة. لذلك، ينبغي على الرئيس الأمريكي القادم أن يتخلى عن الاتفاق المقترح ويركز بدلا من ذلك على سياسة الشرق الأوسط فيما يخص القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأكثر أهمية للمنطقة.

وعلى الرغم من أن الاتفاق الإسرائيلي السعودي لم يتم الانتهاء منه بعد، إلا أن الخطوط العريضة له قد أصبحت واضحة بالفعل. فوفقا لشروط الاتفاق المقترح، سوف تعترف المملكة العربية السعودية رسميا بإسرائيل مقابل التزام إسرائيل بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وسوف تعد الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد أي هجوم خارجي ودعم البرنامج النووي المدني للرياض، وسوف يمنح السعوديون واشنطن وصولا عسكريا جديدا إلى المياه الإقليمية والمجال الجوي للمملكة وستتعهد الرياض بتقييد القواعد العسكرية الصينية والتعاون الأمني مع الصين في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك التخلي عن شراء التكنولوجيا والأسلحة الصينية المتقدمة، والحد من بعض الاستثمارات الصينية في الاقتصاد السعودي.

ومن الواضح أن إبرام الاتفاق يلقى استحسانا لدى القادة الإسرائيليين والسعوديين، فقد يطرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باعتباره انتصارا سياسيا بعد أن واجه انتقادات داخلية شديدة لفشله في منع هجمات "حماس" المروعة في السابع من أكتوبر وإطالة أمد الحملة العسكرية في غزة. كما يظل ولي العهد السعودي والزعيم الفعلي محمد بن سلمان عازما على توقيع نسخة من الاتفاق لأنها توفر الحماية للمملكة، وتوفر فوائد اقتصادية كبيرة، وهيبة متمثلة في كون المملكة من بين أقرب حلفاء الولايات المتحدة.

أما بالنسبة لواشنطن، فقد يبدو التطبيع الإسرائيلي السعودي وكأنه يقدم وسيلة لتعزيز حل الدولتين، وبالتالي إنهاء الصراع الذي امتص موارد الولايات المتحدة واهتمامها، مع منع النفوذ المتزايد للصين في الشرق الأوسط. ولكن، وبالفحص الدقيق، فإن التطبيع لن يحقق أيا من هذين الهدفين. فبادئ ذي بدء، لن تكون الصفقة طريقا إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين كما تأمل واشنطن، ولا يوجد ببساطة أي دليل على أن نتنياهو، أو أي حكومة إسرائيلية، ستقدم وتلتزم بالتنازلات اللازمة لإنشاء دولة فلسطينية، وهو ما طالبت به الرياض كشرط مسبق، بغض النظر عن الفوائد الاقتصادية والأمنية التي قد يجلبها التطبيع السعودي. إضافة إلى ذلك، فقد انخفض الدعم الشعبي الإسرائيلي للدولة الفلسطينية منذ هجوم "حماس"، ووفقا لاستطلاع للرأي أجراه مركز Pew للأبحاث، ربيع 2024، فإن ما يقرب من ربع الإسرائيليين فقط يؤيدون مثل هذه التسوية.

وحتى لو توصلت إسرائيل والمملكة العربية السعودية إلى اتفاق ما، فإن احتمالات أن يؤدي ذلك إلى خلق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضئيلة. ووفقا للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فإن غالبية الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة يؤيدون الكفاح المسلح ضد إسرائيل. وبعض الإسرائيليين مسلحون ومتطرفون وقد يحاولون من جانبهم أيضا تخريب مثل هذه الصفقة. والواقع أن حتى اتفاقيات التطبيع التي وقعتها إسرائيل بالفعل تبدو على أرض مهتزة. فبعد السابع من أكتوبر، اندلعت احتجاجات في المغرب والبحرين ضد "الاتفاقات الإبراهيمية". ويواجه القادة العرب والإسرائيليون على حد سواء صعوبة في الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها فعليا. وسيكون من الصعب عليهم بشكل خاص الالتزام بالتزامات جديدة.

ولن تمنح الصفقة الولايات المتحدة أي ميزة حقيقية على الصين في الشرق الأوسط. فقد عملت المملكة العربية السعودية على توسيع علاقاتها مع مجموعة من القوى الخارجية، بما في ذلك الصين وروسيا، في قطاعات الطاقة والتجارة، لتجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة، فيما تعتقد الرياض أن تنوع الشركاء من شأنه أن يجذب فرصا اقتصادية أفضل، ويسمح بالوصول إلى تكنولوجيا وأنظمة عسكرية أكثر تقدما، لا سيما في المجالات التي تفتقر فيها الولايات المتحدة إلى ميزة تنافسية. حيث تعمل الصين والمملكة العربية السعودية معا، على سبيل المثال، في مشروعات البنى التحتية والتكنولوجيا فضلا عن مبادرات الطاقة المتجددة. ولن تحظر الصفقة هذا النشاط، بالتالي فمن المرجح أن يستمر هذا المسار في كلتا الحالتين.

سيكون من شأن الاتفاق بالفعل أن يعرقل الأنشطة العسكرية لبكين من خلال منع الصين من بناء قواعد عسكرية في المملكة العربية السعودية والحد من حيازة السعودية للأسلحة الصينية وتكنولوجيا المراقبة المحلية بالفعل، ولكن هذه التنازلات تكاد تكون بلا معنى، ذلك أن الروابط العسكرية ليست المصدر الرئيسي لنفوذ بكين المتزايد في المملكة العربية السعودية أو في الشرق الأوسط الأوسع. واليوم، ليس للصين وجود عسكري دائم أو قواعد عسكرية مخططة في المملكة العربية السعودية، وهي ليست موردا رئيسيا للأسلحة للمملكة، ونادرا ما تقوم الدولتان بتدريب قواتهما معا. والأمر الأكثر أهمية هو أن الشراكات الاقتصادية والتجارية التي تشكل الساحات الحقيقية للنفوذ الإقليمي للصين ستظل إلى حد كبير دون مساس.

ومن الجدير بالذكر أن الجهود الأمريكية لدفع الصين إلى الخروج من دول الشرق الأوسط الأخرى لم تفلح. ففي الإمارات العربية المتحدة المجاورة، على سبيل المثال، أعلنت "مايكروسوفت" مؤخرا عن استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة G42، وهي شركة إماراتية للذكاء الاصطناعي، بوساطة من الحكومة الأمريكية. وفي مقابل أموال "مايكروسوفت"، وافقت G42 على بيع استثماراتها الصينية وإزالة التكنولوجيا المنتجة في الصين من أنظمتها لصالح المكونات والخدمات الأمريكية. ولكن، ومنذ إعلان "مايكروسوفت" عن الاستثمار، ظهرت تعقيدات، من بينها، على سبيل المثال، أن بقية الشركات الإماراتية لم تحذو حذو G42 ولم تقلص علاقاتها مع الشركات الصينية. نتيجة لذلك، فإن المواهب والمعرفة التي تكتسبها G42 من شراكتها مع "مايكروسوفت، يمكن أن تتدفق بسهولة إلى الشركات في الإمارات التي تتمتع بعلاقات أعمق مع المستثمرين الصينيين، ما قد يؤدي إلى إحباط الغرض من القيود.

بطبيعة الحال، تختلف شروط الصفقة المقترحة بين الولايات المتحدة والسعودية إلى حد كبير عن تلك التي تم التوصل إليها بين "مايكروسوفت" وG42، ولكن بعض التحديات نفسها تنطبق. فمحاولة الحد بشكل انتقائي من التكنولوجيا والاستثمارات الصينية داخل المملكة العربية السعودية ستكون صعبة، ومن المرجح أن تحتفظ بكين بحضور كبير في المملكة العربية السعودية يصعب اكتشافه في بعض الأحيان. وحتى في ظل الاتفاق المحتمل، على سبيل المثال، فمن المرجح أن تحتفظ الصين باستثماراتها في الموانئ السعودية، التي قد يتم الاستفادة منها في العمليات العسكرية تحت الرادار أو لإعادة تزويد السفن العسكرية الصينية بالوقود أو إعادة الإمداد. بالتالي، فإن الصفقة هي وسيلة رديئة لحرمان الصين من موطئ قدم في المملكة العربية السعودية.

كذلك فإن الفوائد العسكرية المزعومة للولايات المتحدة من التطبيع الإسرائيلي السعودي مبالغ فيها أيضا. فمن الناحية النظرية، من شأن الاتفاق أن يوفر للولايات المتحدة بعض المزايا العسكرية الهامشية عندما يتعلق الأمر باحتواء إيران. وقد تستخدم واشنطن الوصول الجديد إلى المياه والمجال الجوي السعودي لتحسين قدرتها على تعقب وتعطيل "الميليشيات الإيرانية" واعتراض "شحنات الأسلحة المتجهة إلى وكلائها". ولكن عمليا، ستكون المكاسب العسكرية ضئيلة، حيث تسعى المملكة العربية السعودية، شأنها في ذلك شأن دول الخليج الأخرى، إلى تجنب أي صراع مفتوح مع إيران أو أي من وكلائها، وبالتالي كانت مترددة في مساعدة الولايات المتحدة في صد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أو العمل ضد وكلاء إيران في أماكن أخرى من المنطقة، ومن غير المرجح أن يغيّر الاتفاق من هذه الحقيقة.

ولكن، وحتى لو حدث ذلك، فإن الوصول الإضافي إلى المملكة العربية السعودية لن يمنح واشنطن الكثير من الدعم: فقد أثبتت محاولات ردع نشاط "الميليشيات" منخفضة الكثافة من خلال عروض أكبر للقوة الصارمة الأمريكية أنها مخيبة للآمال في كثير من الأحيان. وقد أصبحت "الجماعات المسلحة المدعومة من إيران" ماهرة في إلحاق الضرر بإسرائيل والقواعد الأمريكية في العراق وسوريا، مع قدر كاف من ضبط النفس لتجنب عبور الخطوط الأمريكية الحمراء أو إثارة التصعيد. وحملة الولايات المتحدة لوقف هجمات الحوثيين على الشحن التجاري على مدار العام الماضي هي أكبر مثال على ذلك. وحتى كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين اعترفوا بأن العملية كانت فشلا مكلفا لأن الحوثيين نجحوا في تفريق أسلحتهم وأفراجهم. وقد تكون واشنطن ليست مقيدة بقدراتها أو قدرتها على الوصول إلى المنطقة، لكنها قررت أن تنفيذ عملية برية أوسع نطاقا، وهو أمر ضروري على الأرجح لوفق هجمات الحوثيين بالقوة، لا يستحق المخاطرة بأرواح الأمريكيين أو بحرب أوسع نطاقا. وفي ضوء هذه التجربة، فمن المشكوك فيه أن يؤدي الوصول العسكري الإضافي إلى المنطقة إلى جعل الولايات المتحدة أكثر أمانا.

لعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن اتفاق التطبيع من شأنه أن يعرقل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في وقت ينبغي فيه للبيت الأبيض أن يعطي الأولوية لتحديات عالمية أخرى، مثل مواجهة بكين في بحر الصين الجنوبي. وبرغم تلقي ملايين الأطنان من الأسلحة المتقدمة من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، فإن المملكة العربية السعودية تحتاج إلى مساعدة خارجية للدفاع عن نفسها. وفي حالة اندلاع حرب، فمن المرجح أن يثبت أنها تشكل عبئا على واشنطن أكثر من كونها شريكا قيّما. وينبغي للولايات المتحدة أن تستمر في مساعدة المملكة العربية السعودية في تطوير القدرات المتخصصة التي تحتاجها لحماية نفسها، مثل أنظمة الدفاع الجوي. ولكن، ينبغي لها أن تتجنب الالتزام الشامل بإرسال قوات ومعدات أمريكية للدفاع عن النظام من العدوان الخارجي، وقد يثني مثل هذا التعهد الرياض عن السعي إلى المصالحة مع جيرانها، ويشجع المملكة على المخاطرة.

كما أن الاتفاق من شأنه أن يلحق الضرر بالشرق الأوسط بطرق أكثر دهاء. فقد أدى السعي الدؤوب إلى التطبيق بين إسرائيل والسعودية إلى صرف انتباه واشنطن عن مساعدة المنطقة في إحراز تقدم بشأن مصادر الصراع والتطرف الفعلية. فمن أجل إنهاء الحرب في غزة، على سبيل المثال، ستحتاج الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط أكبر وأكثر مباشرة على إسرائيل. وبدلا من ذلك، تصرف المسؤولون الأمريكيون وكأنهم قادرون على حل الصراع بالتلويح بجزرة التطبيع. وعلى نطاق أوسع، أدى انشغال إدارة بايدن بهذه الصفقة إلى صرف انتباها عن مشكلات أخرى تلوح في الأفق بمنطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الاستبداد والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان ونقص الفرص الاقتصادية للشباب وتغير المناخ.

وأيا كانت هوية الشخص الذي سيدخل إلى البيت الأبيض في يناير المقبل، سيتعين عليه أن يتذكر كل هذه المشكلات الشائكة والمتجذرة، والتي لن تحل من خلال اتفاقيات تنظمها قوة خارجية، بل تتطلب بدلا من ذلك عملا صبورا ومضنيا من جانب حكومات المنطقة، مع مشاركة أكبر من جانب مواطنيها. ولا بد وأن يتضمن محور سياسة الإدارة الأمريكية المقبلة في الشرق الأوسط دفع هؤلاء الشركاء إلى تحمل المسؤولية عن مستقبلهم وأمنهم من خلال حوكمة أكثر شمولا ومساءلة وشفافية. الواقع أن المساعدة في معالجة هذه القضايا المتوطنة هو أكثر جدوى من السعي إلى عقد ميثاق وهمي من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة في حال أسوأ من ذي قبل.

المصدر: Foreign Affairs

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا