مباشر

فورين أفيرز: بوتين لن يستسلم أبدا في أوكرانيا

تابعوا RT على
تحت هذا العنوان كتب بيتر شرودر مقالا تحدث فيه عن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في أوكرانيا ومستقبل نهاية الصراع الأوكراني.

وشرودر هو كبير الزملاء في مركز الأمن الأمريكي الجديد وكان محللا وعضوا في خدمة التحليل العليا بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وشغل منصب النائب الرئيسي لضابط الاستخبارات الوطنية المختص بالشؤون الروسية وأوراسيا بمجلس الاستخبارات الوطنية.

ويرى شرودر في مقاله أن الغرب لا يستطيع تغيير حساباته، ولم يعد بإمكانه سوى الانتظار، حيث ما زالت استراتيجية الولايات المتحدة لإنهاء الحرب كما هي: "فرض تكاليف باهظة على روسيا، حتى يقرر فلاديمير بوتين أنه ليس هناك خيار سوى وقف الصراع. ومن ناحية أخرى، وفي محاولة لتغيير حسابات التكاليف والفوائد، حاولت واشنطن إيجاد النقطة المثالية بين دعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا من ناحية، والحد من مخاطر التصعيد من ناحية أخرى".

إلا أن هذا النهج، بكل ما قد يبدو عليه من عقلانية، يرتكز على افتراض خاطئ: هو أن رأي بوتين يمكن أن يتغير.

ويتابع الكاتب: "تشير الأدلة ببساطة أن بوتين، فيما يتعلق بأوكرانيا، غير قابل للإقناع، ومتمسك بكل شيء. ومنع الغرب الحصول على أوكرانيا لتكون معقلا له يستخدمه لتهديد روسيا يشكل ضرورة استراتيجية بالنسبة له، ويستحق أي تكلفة. ومحاولات إرغامه على الاستسلام هي ممارسة عقيمة بلا جدوى، لن تؤدي سوى إلى إهدار الأرواح والموارد. ولا يوجد سوى خيار واحد قابل للتطبيق لإنهاء الحرب بأوكرانيا بشروط مقبولة لدى الغرب وكييف: انتظار خروج بوتين"، حيث يفترض الكاتب أن "وفاة بوتين أو تركه منصبه" سيسفر، في الحال، عن "فرصة للسلام الدائم في أوكرانيا".

يقول الكاتب في مقاله كذلك إن "بوتين لم يكن انتهازيا في يوم من الأيام، لا سيما في أوكرانيا، ولم تكن تحركاته الدولية الأكثر أهمية حيلا انتهازية لكسب ميزات بقدر ما كانت جميعا جهودا وقائية لمنع خسائر أو للانتقام من استفزازات "يتصورها هو" على حد تعبير الكاتب، ويسوق الكاتب أمثلة من العمل العسكري في جورجيا 2008، والذي كان ردا على هجوم الأخيرة على منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية، وضم القرم في 2014 كان يهدف لمنع خسارة القاعدة البحرية الروسية على البحر الأسود، والتدخل في سوريا 2015 كان بهدف منع سقوط بشار الأسد، الزعيم المقرب من روسيا".

ويشير الكاتب إلى أن بوتين، وبعد ضم القرم، وبدلا من التحرك بقوة للسيطرة على أراض إضافية، لا سيما أنه كان بوسع موسكو حينها التقدم أبعد على طول ساحل بحر آزوف لتأمين ممر بري من شبه جزيرة القرم إلى روسيا، إلا أن بوتين اختار التسوية السياسية آنذاك، وأبرم مع كييف، برعاية فرنسا وألمانيا اتفاقيات مينسك.

وحتى بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفقا لشرودر، وعندما أصبح من الواضح أن واشنطن لا ترغب في مساعدة كييف، لم يقدم بوتين على شن هجوم عسكري أوسع أو القيام بأي محاولة لتوسيع النفوذ الروسي في أوكرانيا، ويتناقض كل هذا مع وجهة نظر الإدارة الأمريكية التي تزعم أن بوتين "انتهازي" وله "طموحات إمبراطورية".

ويرى الكاتب أن العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، أو ما يسميه "الهجوم على أوكرانيا"، لم يكن حرب عدوان انتهازية، وإنما هو حرب وقائية شنت لوقف ما اعتبره بوتين تهديدا أمنيا مستقبليا لروسيا. وفي نظر بوتين، يتابع الكاتب: "كانت أوكرانيا بصدد التحول إلى دولة معادية لروسيا، وإذا لم يتم وقفها، فقد يستخدمها الغرب لتقويض التماسك الداخلي في روسيا واستضافة قوات حلف (الناتو) التي قد تهدد روسيا نفسها".

وعلى مستوى ما يبدو أن المسؤولين الأمريكيين يدركون هذا كما يقول الكاتب، حيث قالت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز: "لقد رأى بوتين أوكرانيا تتحرك بلا هوادة نحو الغرب وحلف (الناتو) وبعيدا عن روسيا".

ويشير الكاتب إلى أن "الحرب في أوكرانيا لا تتفق مع حسابات المخاطر الطبيعية لبوتين، لكنها تشير إلى اتخاذه قرارا استراتيجيا بشأن أوكرانيا، لا يرغب في التراجع عنه. وقراره بإرسال جزء كبير من الجيش الروسي إلى أوكرانيا عام 2022، ثم حشد المزيد من القوات، يثبت أنه يعتبر هذه الحرب مهمة للغاية بحيث أنه لا يجب أن يفشل. وبرغم كل التكاليف المترتبة على قراره بالتدخل العسكري، إلا أنه من المرجح أن بوتين يؤمن بأن تكاليف التقاعس عن ذلك كانت لتكون أعلى، وروسيا ستكون عاجزة عن منع تحالف أوكرانيا مع الغرب، لتكون نقطة انطلاق لـ (ثورة ملونة) ضد روسيا نفسها. وإذا لم ينجح بوتين الآن، فهو يعتقد أن روسيا محكوم عليها بذلك (الثورة الملونة)، لذلك ونظرا لأن بوتين يزن السيناريوهات المطروحة أمامه على هذا النحو على الأرجح، فمن المستبعد أن تقترب الضغوط الغربية من إجباره على تغيير رأيه وإنهاء الحرب بشروط مقبولة لدى كييف وواشنطن".

لذلك، يستنتج الكاتب أنه وبما أن بوتين لن يكون راغبا في وقف "هجومه على أوكرانيا"، فإن الحرب لن تنتهي سوى بإحدى طريقتين: إما أن تفقد روسيا القدرة على مواصلة القتال، أو بخروج بوتين من السلطة. ويرى شرودر أن تحقيق النتيجة الأولى، بطريق تدهور قدرات روسيا، هو أمر غير واقعي، حيث أنه من غير المرجح أن ينهار الجيش الروسي في ظل التزام بوتين بالحرب وقدرته المستدامة في إرسال الجنود والموارد إلى أرض المعركة. وهزيمة بوتين في ساحة المعركة، وفقا للكاتب، تتطلب زيادة هائلة في الذخائر، في الوقت الذي ستبدأ فيه الولايات المتحدة زيادة إنتاج قذائف المدفعية اللازمة فقط في عام 2025، وحتى هذه الزيادة لن تكون كافية لتلبية متطلبات ساحة المعركة في أوكرانيا، ناهيك عن الدفاعات الجوية التي يمكن أن تكون متوفرة لأوكرانيا. كما ستحتاج أوكرانيا كذلك إلى إرسال مزيد من الجنود إلى المعركة، وبينما يمكن للغرب أن يساعد في تدريبهم، إلا أن الدول الغربية ليست على استعداد لتخصيص قواتها الخاصة.

وما يزيد الأمر صعوبة، من وجهة نظر الكاتب، وكما أظهر القتال خلال أكثر من عامين، هو أن شن هجمات أكبر حجما هو أمر بالغ الصعوبة في مواجهة الدفاعات المجهزة، لا سيما بعد أن قلة الطائرات المسيرة وغيرها من تقنيات المراقبة من عنصر المفاجأة لكلا الجانبين.

يترك كل هذا مخرجا وحيدا من الصراع، وهو ما يعتقد الكاتب أنه "خروج بوتين من الكرملين. وبينما تبدو محاولة تسريع هذه العملية جذابة، إلا أنها فكرة غير عملية". وعلى مدى عقود من الزمان، أظهرت واشنطن قدرة ضئيلة على التلاعب بالسياسة الروسية بنجاح، ومحاولة القيام بذلك الآن "من شأنها أن تمثل انتصارا للأمل على الخبرة. وإذا كان بوتين ربما يعتقد بالفعل أن الولايات المتحدة عازمة على الإطاحة به، فإذا ما بدأت في اتخاذ خطوات على هذا الطريق، فمن المرجح أن يلاحظ بوتين ذلك، ويرى فيه تصعيدا، فيكثف الجهود الروسية لزرع الفوضى في المجتمع الأمريكي ردا على ذلك" على حد تعبير الكاتب.

نظرا لهذه المخاطر يقترح الكاتب أن "أفضل نهج لواشنطن هو اللعب على نار هادئة، وانتظار رحيل بوتين. فمن الممكن أن يتنحى طواعية أو يُدفع للخروج، لكن المؤكد على أي حال هو أنه سيموت في مرحلة ما. ولن يبدأ العمل الحقيقي لحل الأزمة الأوكرانية بشكل دائم إلا بعد خروجه من السلطة".

حتى ذلك الحين يوصي الكاتب بالتركيز على "مساعدة أوكرانيا في الحفاظ على موقفها ومنع المزيد من التقدم العسكري الروسي، والاستمرار في فرض التكاليف الاقتصادية والدبلوماسية على موسكو، دون أن تتوقع أن يكون لها تأثير كبير، لكن الغرض الرئيس من هذه الضغوط هو إرسال الرسالة الصحيحة إلى حلفاء الولايات المتحدة والاحتفاظ بنقطة نفوذ احتياطية لروسيا ما بعد بوتين، مع تجنب الانتقادات المحلية".

يرى الكاتب كذلك أنه في الوقت نفسه يتعين على الولايات المتحدة أن "تحافظ على مواردها، وتنفقها بأكبر قدر من الكفاءة، وتقنع كييف بتجنب الهجمات الضخمة المهدرة. أو حتى الهجمات الناجحة المفاجأة، بما في ذلك الهجوم على مقاطعة كورسك، والتي لم يكن لها تأثير يذكر على المسار العام للصراع، حيث يظل الصراع حرب استنزاف دون أي علامة على حدوث اختراق قادم لأوكرانيا"، يعتقد الكاتب أنه ينبغي على واشنطن أن تدعم وقف إطلاق النار والذي من شأنه أن "يسمح لأوكرانيا بتعزيز دفاعاتها وتدريب المزيد من الجنود، ويعطي الفرصة للغرب أن يراهن على الاستمرار في تزويد أوكرانيا بالأسلحة، والأهم من  ذلك أن وقف إطلاق النار من شأنه أن يمنع المزيد من مقتل الجنود والمدنيين في حرب ليس لها نهاية واقعية حتى يرحل بوتين".

وعندما يغادر بوتين، كما يعتقد الكاتب، فعلى واشنطن "أن تكون مستعدة بخطة لا تحل الحرب بين أوكرانيا وروسيا فحسب، بل وتخلق أيضا إطارا إيجابيا للأمن الأوروبي يخفف من التوترات العسكرية، ويقلل من خطر الصراع، ويقدم رؤية يمكن للقادة الروس الجدد في موسكو أن يقبلوها، وهو ما يتطلب قيادة جريئة ودبلوماسية حازمة واستعداد للتسوية في موسكو كييف وبروكسل وواشنطن".

بعد عامين من الصراع يرى الكاتب أنه أصبح من الواضح أن فرض تكاليف باهظة على بوتين أو إرسال ما يكفي من الأسلحة لأوكرانيا ليس كافيا لإنهاء الصراع، وأفضل نهج للحرب هو "اللعب على الوقت، والتمسك بالموقف في أوكرانيا، وتقليص التكاليف بالنسبة للولايات المتحدة، والاستعداد لليوم الذي يغادر فيه بوتين السلطة في نهاية المطاف. وبرغم ما يبدو من أن هذا النهج غير مرض وغير مقبول سياسيا، إلا أنه الخيار الواقعي الوحيد".

المصدر: Foreign Affairs

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا