زيلينسكي في وضع يائس.
تتجه أوكرانيا نحو كارثة اقتصادية واجتماعية، الميزانية فارغة، والتمرد ضد التعبئة الشاملة يختمر في البلاد، فيما يسود اليأس والقنوط والاكتئاب أغلبية السكان. يواصل الجيش الروسي هجوما تدريجيا لكنه مستمر في الاتجاه الاستراتيجي لدونباس، ويقترب تدريجيا من فصل الجيش الأوكراني على الضفة اليسرى من نهر الدنيبر إلى قسمين، بعدها ستضطر كييف إما إلى سحب الجيش إلى الضفة اليمنى، أو قبولها تدميره.
سأناقش أسباب النجاح المؤقت للهجوم الأوكراني على منطقة كورسك، ومواصلة تطور الوضع في مقال آخر. لكن، يجب علينا أن نعترف أن الجيش الأوكراني حقق نجاحا محليا في كورسك. وفي هذه الأيام، تسود المجتمع الأوكراني حالة من النشوة، عززتها الدعاية الحكومية إلى حد كبير.
وأعتقد أن تغيير المزاج العام، وإحياء الثقة في إمكانية النصر، كانت أحد المهام الرئيسية لزيلينسكي. فبقاء نظامه يعتمد بشكل مباشر على ذلك، وتجدر الإضافة أنه حتى لو كان ذلك بأي ثمن وبأي وسيلة ولأي فترة من الزمن حتى لو قصيرة. تعيش أوكرانيا الآن بثقة الاقتراب من المفاوضات والسلام، أو على الأقل تجميد الصراع، وتنظر إلى النجاح في كورسك باعتباره المرحلة الأخيرة من الحرب، وهي المرحلة التي لن تضطر إلى تحمل تكاليفها.
يبدو الهدف الثاني لزيلينسكي كذلك مبادلة الأراضي في المفاوضات المتوقعة من خلال الاستيلاء على أراض روسية. واسمحوا لي بتذكيركم بتقدم الجيش الأوكراني عام 2023، تحت نفس الشعار تقريبا: سنستولي على شبه جزيرة القرم ونبدأ المفاوضات.
أعتقد أن الأوكرانيين نفسهم لم يكونوا من اخترع فكرة الاقتراب من المفاوضات والسلام، وإنما أوحي إليهم بها من واشنطن، التي دائما ما تنجح في دفع نظام زيلينسكي والشعب الأوكراني نحو الانتحار الذاتي بمساعدة الآمال والوعود. لا أعرف ما إذا كان الأمريكيون أنفسهم يؤمنون بذلك أم لا. لكن دعونا نتذكر أن الأمريكيين، في النهاية، آمنوا بـ "نهاية التاريخ" لفوكوياما ذات يوم من الأيام.
إضافة إلى ذلك، تشير الضربة الأوكرانية على محطة زابوروجيه للطاقة النووية إلى أن زيلينسكي يحاول ابتزاز روسيا، ودفعها إلى المفاوضات، وفي الوقت نفسه تصعيد الوضع، على أمل إثارة ضربة انتقامية على المحطات النووية الأوكرانية، ما سيعطي الولايات المتحدة وبريطانيا ذريعة، إذا ما رغبا، لنقل أسلحة نووية إلى أوكرانيا من أجل "الدفاع عن النفس".
ومع ذلك، فطالما لم ترد روسيا على الاستفزازات النووية الأوكرانية، فإن المشاركة المباشرة للولايات المتحدة في الحرب ستظل مجرد احتمال نظري.
على أية حال، فإن إدارة بايدن وبالتحديد كامالا هاريس شخصيا بحاجة ماسة إلى هجوم أوكراني، ونجاح أوكراني، من أجل الفوز في الانتخابات. ما قد يحدث لأوكرانيا بعد نوفمبر المقبل ليس مهما... لكن رد روسيا سيحدث، وسيكون ساحقا.
فلننتقل إلى إسرائيل.
وضع نتنياهو يائس.
إسرائيل دولة صغيرة لا تتمتع بالاكتفاء الذاتي ولا تملك موارد وغير قادرة على شن حرب استنزاف طويلة. والعواقب الاقتصادية للحرب في غزة، وقصف "حزب الله"، والأهم من ذلك، الحصار البحري الذي يفرضه الحوثيون، بمثابة كارثة بالنسبة لإسرائيل، واستمرار الحرب واتساع رقعتها قد يؤدي عاجلا أو آجلا إلى انهيار المشروع الإسرائيلي برمته.
يتعارض هذا مع المصالح الشخصية لنتنياهو، الذي يبقى في السلطة فقط ما دامت الحرب مستمرة. ولا يمكن أن يكون هناك سوى طريق واحد للخروج من هذا المأزق: النصر الذي لا يمكن تحقيقه دون مشاركة الولايات المتحدة في الحرب، أو باستخدام الأسلحة النووية. إلا أن هذا الخيار أيضا لا يضمن النصر، لكنه الوحيد الذي يحتمل أكثر من نتيجة واحدة (الهزيمة واحتمال زوال إسرائيل).
وهكذا نرى أن محاولات نتنياهو المستمرة والمتكررة، من خلال استفزازات خطيرة على نحو متزايد، لاستفزاز إيران لبدء حرب مع إسرائيل، سوف تستمر، وسيزداد حجمها حتى يحقق نتنياهو مراده. بعد ذلك، وعلى حافة الهزيمة، سيصدر نتنياهو إنذارا نهائيا لواشنطن: إما أن تدخل الولايات المتحدة الحرب، أو تشن إسرائيل ضربة نووية على إيران.
وهنا نصل إلى بعد آخر في تصرفات نتنياهو وزيلينسكي، وهو التأثير على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
ليس لدي أدنى شك في أن الهدف الرئيسي للهجوم الأوكراني على منطقة كورسك (على افتراض أن المصالح الأمريكية أعلى من المصالح الأوكرانية، وأن قرار هذا الهجوم تم اتخاذه في واشنطن) هو تعزيز فرص الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية. لكن الوضع في أوكرانيا من غير المرجح أن يصبح عاملا حاسما.
في الوقت نفسه، فإن حرب إسرائيل مع إيران يمكن أن تقلب الوضع في الولايات المتحدة رأسا على عقب. وإضافة إلى ارتفاع أسعار البنزين، وتجدد التضخم، إضافة إلى آلاف النعوش العائدة بجثث الجنود الأمريكيين، يظل العامل الأهم هو أن حربا في الشرق الأوسط ستقسم الحزب الديمقراطي، ما سيحرم هاريس من أي فرصة للنصر.
بمعنى أن أي انتصار لترامب أو هاريس يحدده ما إذا كان نتنياهو سيبدأ حربا مع إيران أم لا قبل الانتخابات الأمريكية.
لا أحد من الديمقراطيين أو الجمهوريين يحتاج إلى حرب مباشرة مع إيران. لكن هناك عوامل إيجابية بالنسبة لترامب في هذه الحرب، حيث ستظهر ورقة جديدة لانتقاد إدارة بايدن بشأنها. فإذا فاز ترامب بالانتخابات، فإنه سيحمّل الديمقراطيين و"الحرب التي بدأوها" مسؤولية كل السلبيات وأي كوارث اقتصادية أو اجتماعية. في الوقت نفسه، سينسب فضل أي هدنة أو سلام محتمل لنفسه فقط.
بطبيعة الحال، تلك كلها أمور واضحة، وحقيقة أن نتنياهو حاول بالفعل، مرتين على الأقل، إثارة حرب مع إيران، تشير إلى أنه يشارك، بشكل واضح وواع، في الانتخابات الأمريكية إلى صف ترامب، وأعتقد أن تدخل نتنياهو في الانتخابات الأمريكية لم ينته بعد.
بذلك يتضح أن زيلينسكي ونتنياهو، يتنافسان مع بعضهم البعض، في تقرير مصير الولايات المتحدة الأمريكية، وربما العالم... ومع ذلك، أعتقد أن زيلينسكي نفسه غير مدرك تماما لدوره... لم يبق سوى حاكم الكون، نتنياهو، المتهم الذي يقف على بعد خطوة واحدة من السجن، وربما التصفية، إذا ما اختارت إيران هذا الأسلوب في الرد... أعتقد أن إدارة بايدن لن تمانع كثيرا.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف