وجاء ف المقال المنشور على الموقع:
إن إضفاء الطابع الرسمي على مسار أوكرانيا تجاه حلف "الناتو" يشكل وصفة لاستمرار الكارثة.
وإذا كان من الممكن القول بوجود أي شيء إيجابي قد نتج عن قمة حلف "الناتو" هذا الأسبوع في واشنطن، فهو أنها تسببت في سلسلة من الانتقادات المدروسة من قلاع المعارضة القليلة المتبقية داخل مجتمع السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
فقد نشر معهد "كوينسي للإدارة المسؤولة" ندوة حول "التأمل في ماضي التحالف ومستقبله"، كتب فيها الباحث والمؤلف أناتول ليفين، الذي عقد الندوة، أن حلف "الناتو" يجب أن يصف نفسه بأنه "التحالف الأكثر نجاحا في التاريخ". ولكن ما ينسى في كثير من الأحيان هو أن الحرب لم يتم منعها بفضل تضامن حلف "الناتو" فحسب، بل وأيضا بسبب الحذر الذي فرضه حلف "الناتو". وقد رفضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، المدعومة بالكامل من حلفائها الأوروبيين، الدعوات المطالبة بسياسات عدوانية تهدف إلى "دحر" القوة السوفيتية في أوروبا الشرقية.
وأعرب بيان نشرته يوم الاثنين اللجنة الأمريكية للوفاق الأمريكي الروسي عن رغبة اللجنة في أن يغتنم "الناتو" فرصة قمة هذا الأسبوع "لإلقاء نظرة متأنية" على ذاته من حيث مهمته، وبدء العمل الشاق المتمثل في التقييم الذاتي.
وحذر بيان آخر صادر عن كوكبة من خبراء السياسة الخارجية من جولة أخرى من التوسع: "إن الاعتراف بأوكرانيا من شأنه أن يقلل من أمن الولايات المتحدة وحلفاء (الناتو)، ما يعرض الجميع لخطر كبير".
ومع ذلك، وفيما يتعلق بحلف "الناتو": تم تسليم الرسالة، وتم تجاهلها. فقد أظهرت قمة هذا الأسبوع أن حلف "الناتو" ملتزم ومصمم على الاستمرار كما لو أن الحلف يعمل في عالم شكلته نجاحاته، وهو ما يظهر إصرارا أعمى على أن الحلف ليس ضروريا فحسب، بل كان على حق طوال الوقت.
إن الامتياز المؤسسي الرئيسي لحلف "الناتو" في هذه المرحلة ليس هزيمة روسيا، ولا الدفاع الجماعي عن الغرب، مهما كان معنى ذلك. وإنما بقاء "الناتو" على قيد الحياة، ولهذا ظل التحالف في واشنطن مشغولا باختراع المزيد من الأسباب لتبرير أهميته، والحفاظ على بقائه في نهاية المطاف.
ويدور المبرر الرئيسي بطبيعة الحال حول الحرب في أوكرانيا. ولعدة أشهر، بدأ المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون، والاستراتيجيون الذين تمولهم الحكومة، في وضع الأساس لما أصبح يعرف باسم "جسر أوكرانيا إلى حلف (الناتو)".
وفي أواخر يونيو الماضي، قال جيمس أوبراين، أحد تلاميذ وزيرة الخارجية الراحلة مادلين أولبرايت، والذي يشغل الآن منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية (المكتب الذي تمكنت فيكتوريا نولاند من خلاله إحداث الكثير من الضرر)، للصحفيين إنه رأى في قمة حلف "الناتو" الأخيرة "فرصة للإشارة إلى أن أوكرانيا تندمج بشكل كامل في الهياكل الغربية التي قالت حكومتها وشعبها إنهما يريدانها". ومضى أوبراين يقول إنه يتوقع أن تمد الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي "جسرا واضحا لأوكرانيا للانضمام إلى (الناتو)". ويتضمن ذلك عددا من الالتزامات بإجراء إصلاحات من جانب أوكرانيا، فضلا عن استمرار مشاركة الغرب.
وفي الوقت الذي كان فيه أوبراين يضع فيه خارطة الطريق لجولة أخرى من توسع "الناتو"، قالت آن ماري دالي باحثة السياسات في مؤسسة "راند": "يغض النظر عما إذا كانت الحرب ستنتهي مع سيطرة أوكرانيا على حدودها عام 1991، أو أن كييف ستستقر على شيء أقل من ذلك، يجب أن تتمركز قوات من دول (الناتو) على الأراضي الأوكرانية لتوفير الوقت والمكان والأمن اللازم لاستكمال الجسر المؤدي إلى (الناتو)".
وبالفعل، توضح مسودة البيان الذي يعتزم التحالف إصداره، وحصلت شبكة "سي إن إن" على نسخة منه، أن هذه الخطط سيتم ترجمتها في وقت قصير.
مع ذلك، ألا يبدو الأمر كما لو أن الأشخاص الذين يقولون ويكتبون مثل هذه الأشياء يصفّرون بالقرب من المقبرة؟ لقد خسرنا الحرب، ودُمّرت أوكرانيا لجيل كامل على الأقل، وأصبحت روسيا والغرب يقتربان أكثر فأكثر من المواجهة المباشرة، وربما النووية، لكن الجواب، كما هو الحال دائما، مع هؤلاء الناس، هو المزيد من حلف "الناتو".
والواقع أن العكس تماما هو الصحيح: فالسلام والاستقرار في أوروبا الشرقية سوف يأتيان مع الاعتراف بأن خطة "الناتو" للتوسع في أوكرانيا تكمن في قلب الأزمة الحالية. ولنتذكر أنه قبل شهر واحد فقط، وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة شروط، بما في ذلك حياد أوكرانيا، والتي من شأنها، على حد تعبيره، أن تؤدي "على الفور" إلى وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات. أما التعهد "الذي لا رجعة عنه" أو "الجسر" لعضوية أوكرانيا في حلف "الناتو" فيدق ناقوس الخطر في قلب أي تسوية سلمية مقبولة لموسكو.
ولكن، ربما هذا هو بيت القصيد.
المصدر: The American Conservative