وجاء في المقال الذي كتبه إيشان ثارور:
في مركز المؤتمرات العملاق بوسط مدينة واشنطن، سوف تلوح في الأفق قضية واحدة فوق كل القضايا: أوكرانيا، التي ستكون محور التركيز الرئيسي لقادة "الناتو" المجتمعين في العاصمة الأمريكية هذا الأسبوع. وفي حين أنه من غير المتوقع أن تقدم لكييف دعوة مباشرة للانضمام إلى الحلف الذي ترغب بشدة في الانضمام إليه، فإن المسؤولين الأمريكيين وشركاءهم يحشدون حزمة من الالتزامات السياسية والأمنية الأخرى لمساعدة أوكرانيا على "تحويل دفة الحرب".
من جانبه قال كبير موظفي الرئيس الأوكراني أندريه يرماك للصحفيين في واشنطن قبل القمة: "نتطلع إلى بعض القرارات الجادة والقوية من قمة واشنطن بشأن أنظمة الدفاع الجوي الملموسة لأننا نمر بواحدة من أكثر اللحظات الحاسمة".
وكشف الرئيس بايدن، يوم أمس الثلاثاء، عن خطط لتزويد أوكراني بدفاعات جوية إضافية. وبرغم أن البيان الختامي للقمة، المقرر توقيعه من قبل كافة الوفود، قد يناقش مسار أوكرانيا نحو الانضمام إلى "الناتو" باعتباره "لا رجعة فيه" Irreversible، إلا أنه لم يتم تحديد أي إطار زمني لهذه العملية. وبحسب ما ورد فإن بايدن متردد بشأن ضم كييف إلى التحالف، وقد كلف مساعديه بإدراج لغة في الوثيقة النهائية تؤكد على التقدم في الإصلاحات السياسية وإصلاحات مكافحة الفساد التي لا يزال يتعين على أوكرانيا تحقيقها.
من جانبه قال المسؤول السابق في البنتاغون لشؤون أوروبا جيم تاونستد: "ما سيحصلون عليه ليس أكثر من مجرد واجهة تجميلية، وهي تحسينات في الطريقة التي سنساعد بها أوكرانيا في السنوات المقبلة. لهذا قد يكون ذلك نصف كوب فارغ، أو نصف كوب مملوء".
على الجانب الآخر، ومنذ السابع من أكتوبر أدت الحملة الإسرائيلية المدمرة على غزة إلى إبعاد الاهتمام العالمي عن الصراع الأوكراني وأججت المشاعر بشأن النفاق الغربي الواضح، فيما أشار المنتقدون إلى الفجوة ما بين الغضب الأمريكي والأوروبي بشأن مهاجمة روسيا المزعومة للمنشآت الطبية والمدارس في وهدوءها النسبي مع قيام إسرائيل بشكل متكرر بتدمير المنشآت الطبية والمدارس في حربها ضد حركة "حماس".
وفي قمة هذا الأسبوع، من غير المرجح أن تثير غزة الكثير من التعليقات المهمة، بالرغم من أن دولة واحدة على الأقل تعتزم جعلها نقطة نقاش، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي انتقد إسرائيل بشدة منذ بدء الحرب، إنه يريد تسليط الضوء على الكارثة في غزة خلال القمة. وأعرب في بيان له عن أسفه لأن "المجتمع الدولي فشل في وقف إسرائيل في هذا الوضع المزري"، وأضاف أنه "من المستحيل أن يرتاح الضمير العالمي دون إقامة سلام عادل ودائم في فلسطين".
ولا يبدو مثل هذا السلام قريبا في الشرق الأوسط أو أوكرانيا، التي تأمل قيادتها المحاصرة بشدة في تحويل دفة المعركة ضد روسيا. لكن غياب الضغوط الغربية الهادفة على نتنياهو أو إدانة بعض الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، كما قال أحد المندوبين الأتراك البارزين، يجعل احتضان "الناتو" الحماسي لأوكرانيا أكثر فجاجة.
قال لي رئيس البرلمان التركي وحليف أردوغان منذ فترة طويلة نعمان كورتولموش، في مقابلة أجريت معه يوم الاثنين في واشنطن: "من الواضح جدا أن هذا نفاق وازدواجية معايير. هو نوع من العنصرية لأنه إذا كنت لا تقبل الضحايا الفلسطينيين على قدم المساواة مع الضحايا الأوكرانيين، فهذا يعني أنك تريد خلق نوع من التسلسل الهرمي داخل الإنسانية. وهذا أمر غير مقبول".
وفي غضون أشهر فقط، أسفر القصف الإسرائيلي المزيد من الأنقاض في غزة مقارنة بالسنوات المتعددة من الحرب بأوكرانيا. لقد تم سحق المنطقة المتكظة بالسكان، وسوف تستغرق عملية إعادة الإعمار، متى بدأت، عقودا من الزمن. لقد أُجبر معظم سكان غزة على ترك منازلهم، ويسود طيف واسع من الأزمات الإنسانية، بما في ذلك، وفقا لخبراء الأمم المتحدة، مجاعة شاملة.
وقد أودت الحرب بحياة ما يقرب من 40 ألف شخص، بحسب السلطات المحلية وتقديرات الأمم المتحدة. وبحسب مجلة "لانسيت" الطبية البريطانية العريقة، فإن العدد الحقيقي للقتلى، بما في ذلك المفقودين تحت أنقاض غزة، والوفيات "غير المباشرة" بسبب سوء التغذية والأمراض وغيرها من الظروف الناجمة عن الصراع، يمكن أن يصل إلى حوالي 186 ألف شخص، أي 8% من سكان غزة.
وفي مواجهة هذا الهجوم، أعرب قادة بلدان الجنوب العالمي بالفعل عن انزعاجهم. فعندما حدث ما يسمونه "الغزو" الروسي لأوكرانيا قاد الغرب حملة الإدانة العالمية، وبهذا الصدد كتب الرئيس الإندونيسي المنتخب برابو سوبيانتو في وقت سابق من هذا العام: "لقد دعا العالم إلى إدانة روسيا باسم حقوق الإنسان والقانون الدولي، لكن اليوم تسمح نفس الدول بنشوب صراع دموي آخر، هذه المرة في غزة".
وقد رفض الأمين العام لحلف "الناتو"، نوفمبر الماضي، ينس ستولتنبرغ تهمة "الكيل بمكيالين"، وقال للصحفيين: "أوكرانيا لم تشكل أبدا تهديدا لروسيا، ولم تهاجم أوكرانيا روسيا أبدا، كان الغزو الروسي لأوكرانيا غير مبرر، غزوا واسع النطاق لدولة أخرى. لذا، بطبيعة الحال، لأوكرانيا حق الدفاع عن النفس ضد أي هجوم غير مبرر للحفاظ على سلامة أراضيها".
وقد سار خليفة ستولتنبرغ، مارك روته، الذي كان حتى وقت قريب رئيس وزراء هولندا، على خطى سلفه، وأضحى في موقف محرج بشأن الحرب في الشرق الأوسط، وقد أعرب عن انتقاداته للنهج الإسرائيلي تجاه حملة غزة، لكن النقاد يتهمونه وحلفاءه بخنق إدانة الحكومة الهولندية الداخلية لإسرائيل، ربما لحماية صعوده إلى أعلى منصب في "الناتو"، إلا أن روته نفى تلك الاتهامات.
ومع ذلك، وبعد أسابيع فقط من بداية الحرب، اتهمت مذكرة مسربة من الملحق العسكري بالسفارة الهولندية في تل أبيب بالتخطيط لارتكاب جرائم حرب، ما يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي "كان يعتزم التسبب عمدا في إحداث دمار هائل للبنية التحتية والمراكز المدنية". وقال وزير الدفاع الهولندي آنذاك إن المذكرة المسربة لا تمثل سياسة رسمية، ووصف بعض التقارير حول محتويات المذكرة بأنها انتقائية و"غير عادلة". لكن التسريب في حد ذاته كان دليلا على الاستياء الغربي المتزايد من استمرار إسرائيل في الحرب، وهو الاستياء الذي يهدد بأن يصبح أكثر وضوحا مع مرور الوقت. لكن لا تتوقعوا سماع أي شيء عن ذلك في واشنطن هذا الأسبوع.
المصدر: واشنطن بوست