يعني ذلك أنه في ذلك الحين، والآن في تكساس، حاولت بعض الولايات الفردية اغتصاب صلاحيات السلطات الفيدرالية.
يندرج ذلك نظريا تحت النزعات الانفصالية الكلاسيكية، ولكن واقع الأمر أن الجهات الفاعلة في كلتا الحالتين ليست النخب الإقليمية في الولايات، بل اللاعبين الفيدراليين، الذين لا تمثل حكومات الولايات في نظرهم أكثر من مجرد أدوات أو قطع على رقعة الشطرنج.
بمعنى أنه من السابق لأوانه الحديث عن الانفصالية وانهيار البلاد في الواقع، على الرغم من أن الرهانات قد ارتفعت بشكل كبير، ووصلت بالفعل إلى هذا المستوى، وإذا كان الديمقراطيون قد تصرفوا بمستوى جنونهم المعتاد، لكانت الأحداث ستؤدي بالفعل إلى مواجهة مسلحة. فدرجة الانقسام والكراهية المتبادلة بين المحافظين والليبراليين وصلت بالفعل إلى درجة أن مجرد حادث عشوائي يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية. لهذا، فمن المستحيل أيضا التقليل من أهمية الأحداث في تكساس.
لكن، يجب أن نعطي بايدن حقه، فرغم نسيانه للكلمات، إلا أنه يتمتع بخبرة سياسية هائلة، وقد قفز من الفخ بأقل الخسائر. ماذا بعد؟
إن لعبة الجمهوريين لها هدفان:
الهدف الأول، إرغام بايدن على الاختيار بين إغلاق الحدود، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى فقدانه لماء الوجه، وخسارة تعاطف قسم كبير من ناخبيه، من ذوي الأصول اللاتينية، وبين التصعيد الذي قد يبدو فيه على نحو متزايد وكأنه يدمر الولايات المتحدة الأمريكية.
إن تبني بايدن لموقف راديكالي "مناهض للولايات المتحدة" سيجلب كذلك الناخبين المترددين أو المحايدين سابقا إلى المعسكر الجمهوري، ويعزز موقف ترامب في الحزب الجمهوري. لذلك، فمن المفيد للجمهوريين، وخاصة لترامب، جعل المواجهة أكثر راديكالية، وتصعيد المخاطر، لهذا لا أتوقع التوصل إلى أي تنازلات في تكساس. ومع ذلك، سيكون تصعيدا منضبطا بهدف الاستمرار في تدمير صورة بايدن، الذي يقع في موقف ضعيف متعمد بشأن قضية الحدود.
الهدف الثاني، هو إظهار قوة الجمهوريين قبل الانتخابات، في إشارة إلى أنه إذا تمت إزالة ترامب من الانتخابات بطريقة أو بأخرى (بما في ذلك تصفيته مثلا)، فإن لدى الجمهوريين ما يجب عليهم الرد به، بما في ذلك المواجهة المسلحة.
حتى الآن، لا يعد نقل الحرس الوطني من الولايات الجمهورية الأخرى إلى تكساس أكثر من مسرحية. وفي رأيي المتواضع، فإن احتمال وقوع تصادم في الأشهر المقبلة منخفض.
ومع ذلك، يمكننا أقول بثقة إن الحرب الأهلية قد بدأت بالفعل، لكنها متوقفة مؤقتا. والشيء الرئيسي الذي يمنعها من الدخول في مرحلة ساخنة هو أن أيا من الطرفين لم يتعرض بعد لهزيمة نهائية على المستوى الفيدرالي.
ومن المرجح أن تؤدي التحديات المتعلقة بالسياسة الخارجية والاقتصاد بعد الانتخابات إلى تركز السلطة في أيدي مجموعة سياسية واحدة لسنوات عديدة، مع خروج الخاسرين من الساحة السياسية، وخسارة السلطة والمال، وربما الحرية. الرهانات كبيرة جدا، لهذا أرى أنا انتقال الجانب الخاسر إلى المقاومة على مستوى الولايات الفردية أمر لا مفر منه.
فالانقسام السياسي يؤدي تلقائيا إلى الانقسام الاقتصادي، وعندما تكون الولايات في حالة تمرد، فمن المرجح أن تستخدم الحكومة الفيدرالية الاقتصاد والتمويل كسلاح، فيما نشهد بالفعل الحظر الذي فرضه بايدن على بناء محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال الذي يلحق الضرر بتكساس.
إضافة إلى ذلك، تواجه حكومة الولايات المتحدة والبنوك والشركات والولايات الفردية بالفعل نقصا متزايدا في الأموال. ونحن نرى أن الكونغرس غير قادر بشكل مزمن على تمرير ميزانية البلاد، وهو وضع سينتهي عاجلا أو آجلا إما بالشلل أو بحرمان أحد الطرفين من التمويل.
من المرجح كذلك أن يؤدي نقص الأموال إلى عدم رغبة الولايات الفردية في سداد الدين الفيدرالي و/أو محاولة إعادة توزيع الضرائب لصالحها. والتطور المنطقي لهذه العملية هو إصدار عملات خاصة بالولايات الفردية.
أما العامل الثاني فهو التضخم المفرط في الدولار، الذي سيدفع الولايات أو تحالف بعضها إلى إصدار عملاتها الخاصة للتخلص منه.
وتلك مرحلة لا مفر منها حتى بدون حدوث انقسام سياسي في الولايات المتحدة، بل وأكثر من ذلك في حالة حدوث مثل هذا الانقسام.
سيكون الصراع المسلح بين الأطراف مجرد حرب أهلية مع الاحتمال النظري للانتهاء قبل انهيار البلاد إلى أجزاء. لكن العزلة الاقتصادية للولايات الفردية أو تحالفاتها بعد انهيار الاقتصاد والدولار، حتى من دون حرب أهلية، هي ما سيؤدي دون قيد أو شرط إلى تفكك الولايات المتحدة، وهذا هو العامل الرئيسي.
ومع أخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار، فإن إدارة بايدن ليس لديها أي فرصة تقريبا لتغيير الوضع لصالحها. ففي هذا الوضع، إما أن تؤدي حرب خارجية إلى تصحيح الوضع (تبدو هنا إيران ومحور المقاومة أول المرشحين لدور الضحية، لكن الصين وروسيا أيضا احتمالات واردة)، أو ينبغي للديمقراطيين، مثل الفأر المحاصر، أن يصعّدوا من موقفهم في المعركة ضد ترامب باستخدام موارد الدولة التي لا تزال متاحة.
بطريقة أو بأخرى، يدفع الوضع بايدن إلى اتخاذ إجراءات حاسمة في أي اتجاه على أقل تقدير. حتى الآن، يبدو لي التصعيد الخارجي أكثر احتمالا منه داخليا. وإذا لم يحدث انهيار اقتصادي حاد في عام 2024، فمن المرجح أن يحدث انفجار داخلي في الولايات المتحدة العام المقبل، وليس هذا العام.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف