أصبح الدخل في البلاد يغطي أقل من نصف النفقات. في الوقت نفسه، يقلص الغرب من مساعداته المالية والعسكرية، وهناك أزمة اجتماعية تلوح في الأفق.
تعاني أوكرانيا كذلك من نفاد في الأسلحة والموارد البشرية، ويتحدث الصحافيون والسياسيون الغربيون عن فشل الهجوم الأوكراني المضاد. وقد صرح قائد الجيش الأوكراني، فاليري زالوجني، بأن النزاع وصل إلى طريق مسدود، ورد عليه الرئيس زيلينسكي بأنه لا يوجد طريق مسدود.
بدأ السياسيون الأمريكيون والأوروبيون يتحدثون عن ضرورة مبادلة الأراضي الأوكرانية بالسلام، فيما قال رئيس مكتب زيلينسكي، يرماك، إنه لن تكون هناك هدنة في عهد هذا الرئيس.
كما بدأ الغرب الحديث عن ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية بأوكرانيا في موعدها، أي في مارس 2024، وقال زيلينسكي إنه لن تكون هناك انتخابات.
تزعزع استقرار نظام زيلينسكي، ويشاع أن واشنطن ستستبدل زيلينسكي قريبا بزالوجني، أو سيقيل زيلينسكي زالوجني، مع احتمال تمرد لاحق من قبل الجيش.
على هذه الخلفية، ذهب رئيس مكتب زيلينسكي، يرماك، إلى واشنطن يوم أمس الاثنين، ويصل رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، بيرنز، إلى كييف الأربعاء. عادة ما يوجه بيرنز الإنذارات النهائية أو يسبق ظهوره كبريات الأحداث.
تحاول الولايات المتحدة، دون جدوى، وقف انزلاق المنطقة نحو حرب كبرى، سيتبعها تدخل أمريكي مباشر بشكل تلقائي تقريبا. والعواقب المترتبة على حرب إقليمية على التجارة العالمية والطاقة قد تكون كارثية، لا سيما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي قد تخسر في نهاية المطاف الأسبقية لصالح الصين دون مواجهة مباشرة.
تظل روسيا، على الرغم من كل مشكلاتها، بمثابة جزيرة من الاستقرار، وهو ما يبدو كافيا لتحقيق النصر في حرب الاستنزاف في أوكرانيا. لقد أظهر الكرملين استعداده للمضي قدما على طول الطريق، لكن شن هجوم واسع النطاق بحجم متواضع نسبيا من الجيش يظل احتمالا واردا، أكثر منه مجرد توقعات للأشهر المقبلة. ومع ذلك، تحتفظ روسيا بقدرتها على تصعيد حاد وواسع النطاق في حالة الضعف الأمريكي أو زعزعة استقرار أوكرانيا.
تنزلق أوروبا نحو الركود، وتراجع التصنيع يتسارع. الحرب في فلسطين تعمّق من انقسام المجتمع داخل دول الاتحاد الأوروبي، والمشكلات الاقتصادية المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية تجعل أزمات الديون والأزمات المصرفية وانهيار الاتحاد الأوروبي مسألة وقت.
للمرة الأولى منذ عقود يرتفع معدل التضخم في البلاد، ما أدى، إلى جانب أسعار الفائدة السلبية، إلى زعزعة الاستقرار المالي والين وتحويل البلاد عموما إلى قنبلة عملاقة ذات فتيل مشتعل، لا أحد يعرف متى ستنفجر القنبلة، إلا أن الفتيل مشتعل بالفعل.
الأرض تحترق تحت أقدام جو بايدن. والعجز عن التغلب على التضخم، وعن هزيمة روسيا، وعن إجبار إسرائيل على تقليص طموحاتها، وعن منع ترامب من المشاركة في الانتخابات، وحتى عن دفع زيلينسكي إلى الرضوخ، ومع اقتراب أزمات الديون والمصارف يضعف الموقف الأمريكي في الحوار مع الصين من ناحية، ويجبر الولايات المتحدة، من ناحية أخرى، على التحرك بشكل أسرع وأكثر جذرية.
إفلاس إحدى أكبر شركات التطوير العقاري "كاونتري غاردن" Country Garden، وهو ما يعكس مشكلات القطاع العقاري والاقتصاد ككل. انخفضت الصادرات بنسبة 6.4% في أكتوبر، ويستمر الانخفاض للشهر الخامس. ولأول مرة منذ سنوات عدة، يتم تسجيل تدفق للاستثمار الأجنبي المباشر إلى خارج البلاد، وتتخلص الصين بسرعة من السندات الأمريكية.
إن لدى الصين أيضا هرمها العملاق من الديون، ولكن، وعلى عكس الغرب، فهي ديون الشركات التي أنشأت منشآت إنتاجية بأموال مقترضة، ولا بد أن يتوسع الاقتصاد الصيني بشكل مستمر، لأن التوقف، أو حتى الانكماش، قد يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل المتمثلة في حالات الإفلاس والانهيار الاقتصادي.
في المؤتمر التاريخي الأخير للحزب الشيوعي الصيني، نفّذ شي جين بينغ ثورة هيكلية، فأزاح جانبا المجموعة المنافسة المؤيدة للولايات المتحدة بقيادة رئيس الوزراء آنذاك لي كه تشيانغ.
إلا أن ذلك أعقبه الاختفاء الغامض لوزيري الخارجية والدفاع، وفي نهاية أكتوبر، وعن عمر يناهز 68 عاما، توفي رئيس المعسكر الموالي للولايات المتحدة، رئيس الوزراء السابق لي كه تشيانغ، وهو ما قد يكون لأسباب طبيعية، إلا أنه يستحق الذكر في سياق بقية الأحداث.
تجري في الصين بعض الأحداث الداخلية ذات الأهمية والنطاق الهائلين، وهي صراع داخلي شرس.
وفقا لإحدى الروايات، تمارس الولايات المتحدة، من خلال القوى العميلة في الصين، ضغوطا هائلة على شي جين بينغ لإجباره على الاستسلام. ومع ذلك، فإن هذا قد يؤدي إلى تطرف أكبر في الصراعات الداخلية في الصين، وتحول في ميزان القوى نحو العداء الشديد للولايات المتحدة، إذا تمكن شي جين بينغ من تعزيز سلطته.
على أي حال، السياسة الداخلية للصين مخفية عن أعيننا، وليست واضحة تماما، ولا يسعنا سوى أن نخمّن.
يعاني ثلثا دول العالم من رصيد حساب جار سلبي، ما يعني أنه في حالة حدوث انهيار مالي عالمي، فسوف يواجه هؤلاء خطر الانكماش وارتفاع أسعار الواردات، بما في ذلك السلع الحيوية مثل الوقود والأدوية والغذاء.
كذلك تعاني خمسة أسداس دول العالم من عجز في الميزانية، ما يعني أن إنفاقها يتجاوز دخلها. وفي حالة انهيار هرم الديون العالمية، ستواجه هذه البلدان انخفاضا حادا في الإنفاق على كل شيء من الدفاع إلى الإنفاق الاجتماعي، ومن المرجح أن تبدأ في طباعة النقود، ما سيؤدي إلى تضخم مفرط في عملاتها، مع ما يتبع ذلك من انهيار اقتصادي واجتماعي لاحق.
تقف جميع البلدان تقريبا على شفا حفرة من الأزمات الداخلية. والعلاقات بين الخصوم الرئيسيين في العالم على وشك الحرب، ومع تنامي المشكلات الاقتصادية، سوف يتزايد التطرف الخارجي والعدوانية.
ويبدو الأمر كما لو أن جميع البلدان على وشك الانهيار الاقتصادي أو التمرد الداخلي أو الثورة، وحيثما كانت هناك على الأقل بعض الشروط المسبقة للحرب، سوف تندلع الحرب.
العالم حبل بأزمة عملاقة، نوع من التغيير الشامل في كل شيء، يقلب كل جوانب حياتنا رأسا على عقب. ويبدو أن الأزمة على وشك أن تجتاح الكوكب بأكمله وتدفن العالم كما عرفناه.
أصبح كل هذا الرعب مطروحا بفضل حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها مالكة العملة العالمية، أنشأت هرما عالميا من الديون، الذي امتص في مراحله النهائية العالم كله تقريبا. ليصبح العالم الآن كله مترابط للغاية، وينهار هذا العالم أمام أعيننا ومن المستحيل إيقافه.
لذلك، لن تتمكن الولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق مع الصين، ومن المستحيل استعادة الوضع الراهن، كما أنه من المستحيل تقسيم العالم بين الولايات المتحدة والصين. وسوف تغرق السوق العالمية في الفوضى والانكماش، والباقي لن يكون كافيا للولايات المتحدة والصين حتى تتمكنا من تجنب زعزعة الاستقرار الداخلي فيهما. وسوف يصارع أكبر المصدرين حرفيا من أجل الأسواق، ومن أجل بقايا الطلبيات الفعالة القادرة على الدفع.
ولا تستطيع الولايات المتحدة إخراج الصين من النظام، فبدونها سوف ينهار النظام. إلا أن الولايات المتحدة لا تستطيع كذلك أن تترك الأمر على ما هو عليه. من المحتمل أن تحاول واشنطن سرقة الصين، أولا وقبل كل شيء، لإجبارها على زيادة شراء الديون والسلع الأمريكية مرة أخرى.
في الاجتماع بين جو بايدن وشي جين بينغ هذا الأسبوع، سيتم على الأرجح تقديم إنذار نهائي إلى الأخير. وليس عبثا أن تحاول الولايات المتحدة التوصل إلى هدنة في أوكرانيا، ومنع نشوب حرب إقليمية في الشرق الأوسط. فقد حان وقت المواجهة مع الصين تقريبا، ويتعين على الولايات المتحدة أن تحرر أيديها وأن تحشد مواردها.
إنه صدام حتمي لا مفر منه، لكن الصين قد تحاول كسب الوقت من خلال تجنب الصراع من خلال تقديم بعض التنازلات البسيطة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تنتظر، ففي كل يوم تصبح الولايات المتحدة أضعف، وتصبح الصين أقوى. أعتقد أن الصدام المباشر بين الصين والولايات المتحدة ستثيره الأخيرة، ولن يكون سببه بالضرورة تايوان.
بطبيعة الحال، تلك انطباعات لا أكثر، ربما مع بعض المبالغة من جانبي، وربما يمكن للعالم أن يقف على حافة الهاوية لفترة أطول.. ربما سنة أو اثنتين أو حتى ثلاث سنوات.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف