وشارك في كتابة المقال كل من رونين بيرغمان (تل أبيب والحدود بين غزة وإسرائيل)، ومارك مازيتي (واشنطن)، وماريا آبي-حبيب (لندن).
كانت الساعة تشير إلى الثالثة من صباح يوم 7 أكتوبر، في الوقت الذي كان فيه رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي رونين بار لا يزال غير قادر على تحديد ما إذا كان يراه بأم عينه مجرد تدريب عسكري آخر لحماس.
في مقر جهاز "الشاباك"، أمضى المسؤولون ساعات في مراقبة نشاط "حماس" في قطاع غزة، والذي كان نشاطا غير عادي في منتصف الليل، إلا أن مسؤولي الاستخبارات والأمن القومي الإسرائيلي، أقنعوا أنفسهم بأنه لا مصلحة لـ "حماس" بخوض اشتباكات، فافترضوا أن الأمر لم يكن سوى تدريب ليلي.
ربما كان حكمهم في تلك الليلة ليكون مختلفا، إذا ما كانوا قد تمكنوا من الاستماع إلى حركة المرور عبر أجهزة الاتصال اللاسلكية المحمولة الخاصة بمقاتلي حماس، لكن الوحدة 8200، التابعة لوكالة استخبارات الإشارات الإسرائيلية، كانت قد قررت في وقت سابق التوقف عن التنصت على تلك الشبكات، لما اعتبرته آنذاك مضيعة للجهد.
مع مرور الوقت في تلك الليلة، اعتقد السيد بار أن "حماس" قد تحاول شن هجوم على نطاق صغير، وناقش مخاوفه مع كبار الجنرالات الإسرائيليين وأمر فريق "تيكيلا"، وهي مجموعة من قوات النخبة لمكافحة الإرهاب، بالانتشار على الحدود الجنوبية لإسرائيل.
إلا أن أحدا لم يعتقد أن الوضع كان خطيرا بما يكفي لإيقاظ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حتى بداية الهجوم تقريبا، وفقا لثلاثة مسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية.
خلال ساعات، انخرطت قوات "تيكيلا" في معركة مع آلاف المسلحين من "حماس"، ممن اخترقوا السياج الحدودي الإسرائيلي، وانطلقوا مسرعين في الشاحنات والدراجات النارية إلى جنوب إسرائيل وهاجموا القرى والقواعد العسكرية.
لم تكتف القوة العسكرية الأعظم في الشرق الأوسط بالاستهانة بشكل كامل بحجم الهجوم، بل إنها فشلت تماما في جهودها لجمع المعلومات الاستخبارية، وهو ما يرجع في الأغلب إلى الغطرسة والافتراض الخاطئ بأن "حماس" هي عبارة عن تهديد تم التعامل معه واحتوائه.
لم يتم اكتشاف عناصر "حماس" أثناء خضوعهم لتدريب مكثف على الهجوم، على الرغم من براعة إسرائيل التكنولوجية المتطورة في مجال التجسس.
وكان لدى المقاتلين، الذين تم تقسيمهم إلى وحدات مختلفة ذات أهداف محددة، معلومات دقيقة عن القواعد العسكرية الإسرائيلية والخطط الداخلية للمستوطنات.
وانهار الشعور بالأمن الذي كان لا يقهر في إسرائيل.
قتل أكثر من 1400 شخص، بينهم العديد من النساء والأطفال والشيوخ، الذين قتلوا بشكل ممنهج ووحشي وأصبح هناك المئات من الرهائن، أو ما زالوا في عداد المفقودين، وردت إسرائيل بحملة قصف عنيفة على غزة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 8 آلاف فلسطيني وإصابة آلاف آخرين، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
وأشار الجيش الإسرائيلي يوم الأحد إلى هجوم عنيف على غزة قائلا إنه وسّع توغله البري خلال الليل، فيما وعد المسؤولون الإسرائيليون بإجراء تحقيق شامل في الخطأ الذي حدث.
وحتى قبل هذا التحقيق، فإنه من الواضح أن الهجمات كانت ممكنة بسبب سلسلة من الإخفاقات خلال السنوات الأخيرة، وليس لساعات أو أيام أو أسابيع. وقد كشف اختبار أجرته صحيفة "نيويورك تايمز"، استنادا إلى عشرات المقابلات مع مسؤولين إسرائيليين وعرب وأوروبيين وأمريكيين، إضافة إلى مراجعة وثائق الحكومة الإسرائيلية والأدلة التي تم جمعها منذ هجوم 7 أكتوبر الحقائق التالية:
حاول المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون، خلال أشهر، تحذير نتنياهو من أن الاضطراب السياسي الناجم عن سياساته الداخلية يضعف أمن البلاد، ويشجع أعداء إسرائيل، إلا أن رئيس الوزراء واصل الدفع باتجاه هذه السياسات، ورفض، يوليو الماضي، مقابلة جنرال كبير جاء لتسليمه تحذيرا من التهديدات، بناء على معلومات استخبارية سرية، وفقا لمسؤولين إسرائيليين.
أخطأ المسؤولون الإسرائيليون في تقدير التهديد الذي تشكله "حماس" لسنوات، وبشكل أكثر خطورة في الفترة التي سبقت الهجوم، فقد كان التقييم الرسمي للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ومجلس الأمن القومي، منذ مايو 2021، هو أن "حماس" لا مصلحة لديها في شن هجوم من غزة، قد يستدعي ردا مدمرا من إسرائيل، ووفقا لخمسة أشخاص مطلعين على التقييمات، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، فإن قدرات الاستخبارات الإسرائيلية كانت موجهة لمحاولة إثارة العنف ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية، التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية.
ساد اعتقاد لدى السيد نتنياهو وكبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بأن إيران و"حزب الله"، الوكيل الأقوى لديها، يمثلان أخطر تهديد لإسرائيل، وهو ما أدى إلى تحويل كل الاهتمام والموارد بعيدا عن مواجهة "حماس". وفي أواخر سبتمبر الماضي، قال مسؤولون إسرائيليون كبار لصحيفة "التايمز" إنهم يشعرون بالقلق من احتمال تعرض إسرائيل لهجوم في الأسابيع أو الأشهر المقبلة على جبهات عدة من قبل الميليشيات المدعومة من إيران، لكنهم لم يذكروا أن "حماس" قد تبدأ حربا مع إسرائيل من قطاع غزة.
كذلك توقفت وكالات التجسس الأمريكية في السنوات الأخيرة إلى حد كبير عن جمع معلومات استخبارية عن "حماس" وخططها، اعتقادا منها بأن الجماعة تمثل تهديدا إقليميا يمكن لإسرائيل التعامل معه.
وبشكل عام، أقنعت الغطرسة الموزعة بين المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين بأن التفوق العسكري والتكنولوجي للبلاد على "حماس" من شأنه أن يبقي الحركة تحت السيطرة.
صرح مستشار الأمن القومي الإسرائيلي من عام 2021، إيال هولاتا، خلال ندوة الأسبوع الماضي في واشنطن، برعاية مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات البحثية: "لقد تمكنوا من خداع مجموعتنا وتحليلاتنا واستنتاجاتنا وفهمنا الاستراتيجي"، مضيفا: "لا أعتقد أن هناك أي شخص كان منخرطا في شؤون غزة لا ينبغي أن يسأل نفسه كيف وأين موقعه أيضا من هذا الفشل الذريع".
لقد قبل عدد من كبار المسؤولين تحمل المسؤولية، إلا أن السيد نتنياهو لم يفعل ذلك.
وفي الساعة الواحدة من صباح يوم الأحد في إسرائيل، وحينما طلب من مكتبه التعليق على هذا المقال، نشر رسالة على موقع X، كرر فيه التصريحات التي أدلى بها لصحيفة "نيويورك تايمز" وألقى باللوم على الجيش وأجهزة الاستخبارات لعدم تزويده بأي تحذير بشأن حماس.
وجاء في المنشور باللغة العبرية: "لم يتم تحذير رئيس الوزراء نتنياهو تحت أي ظرف من الظروف وفي أي مرحلة من نوايا الحرب من جانب (حماس)" وأضاف أنه "على العكس من ذلك، فإن تقييم المستوى الأمني بأكمله، بما في ذلك رئيس المخابرات العسكرية ورئيس الشاباك، هو أن (حماس) قد تم ردعها وتسعى إلى تسوية".
وفي ظل الضجة الناجمة عن ذلك، وبّخ عضو حكومته الحربية بيني غانتس نتنياهو علنا، قائلا: "إن القيادة تعني إظهار المسؤولية"، وحث رئيس الوزراء على سحب التدوينة، وتم حذفها لاحقا، واعتذر نتنياهو في تدوينة جديدة.
يوم الأحد، وعد الشاباك بإجراء تحقيق شامل بعد الحرب، إلا أن الجيش الإسرائيلي رفض التعليق.
كانت المرة الأخيرة التي تعرّض فيها إيمان الإسرائيليين الجماعي بأمن بلادهم للانهيار على نحو مماثل قبل خمسين عاما، في بداية حرب يوم الغفران، عندما فوجئت إسرائيل بهجوم شنته القوات المصرية والسورية.
وفي ذكرى هذا الهجوم، نجحت "حماس" لأن المسؤولين الإسرائيليين ارتكبوا عددا من نفس الأخطاء التي ارتكبت في عام 1973.
يقول كبير محللي شؤون الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات سابقا، بروس ريدل، والذي كتب ورقة بحثية حول حرب 1973 في عام 2017، إن حرب يوم الغفران كانت "مثالا تقليديا على كيفية فشل الاستخبارات عندما تقوم مجتمعات السياسة والاستخبارات ببناء حلقة من ردود الفعل التي تعزز تحيزاتها وتعميها عن التغيرات الواقعة في بيئة التهديد".
وفي مقابلة أجريت معه هذا الشهر، قال ريدل إن السيد نتنياهو كان يحصد عواقب التركيز على إيران باعتبارها التهديد الوجودي لإسرائيل، بينما يتجاهل إلى حد كبير العدو الموجود في فنائه الخلفي.
وتابع مستخدما اللقب الذي يطلق على نتنياهو: "إن رسالة بيبي إلى الإسرائيليين هي أن التهديد الحقيقي هو إيران"، مضيفا أنه مع احتلال الضفة الغربية وحصار غزة، ل تعد القضية الفلسطينية تشكل تهديدا لأمن إسرائيل، وقد تحطمت كل هذه الافتراضات في السابع من أكتوبر الجاري.
في 24 يوليو، وصل جنرالان إسرائيليان كبيران إلى الكنيست، لتوجيه تحذيرات عاجلة إلى المشرعين الإسرائيليين، وفقا لثلاثة مسؤولين من وزارة الدفاع الإسرائيلية، وكان من المقرر أن يمنح الكنيست في ذلك اليوم الموافقة النهائية على إحدى محاولات السيد نتنياهو للحد من سلطة القضاء الإسرائيلي، وهو الإجراء الذي هزّ المجتمع الإسرائيلي، وأشعل احتجاجات ضخمة في الشوارع، وأدرى إلى استقالات واسعة النطاق من الاحتياطيات العسكرية، وكان جزء متزايد من الطيارين العملياتيين في القوات الجوية يهددون برفض أداء الخدمة إذا ما تم إقرار التشريع.
وفي حقيبة أحد الجنرالين، أهارون هاليفا، رئيس مديرية الاستخبارات العسكرية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، كانت هناك وثائق سرية للغاية، تتضمن تفاصيل حكم صادر عن مسؤولي الاستخبارات مفاده أن الاضطرابات السياسية تشجع أعداء إسرائيل.
وذكرت إحدى هذه الوثائق أن قادة ما يسميه المسؤولون الإسرائيليون "محور المقاومة" (إيران وسوريا وحماس وحزب الله والجهاد الإسلامي) يعتقدون أن هذه كانت لحظة ضعف إسرائيلية ووقتا مناسبا لتوجيه ضربة لها.
وقال زعيم "حزب الله" حسن نصر الله، بحسب إحدى هذه الوثائق، إنه من الضروري الاستعداد لحرب كبرى.
كان الجنرال هاليفا على استعداد لإخبار قادة التحالف بأن الاضطرابات السياسية تخلق فرصة لأعداء إسرائيل للهجوم، لا سيما إذا كان هناك المزيد من الاستقالات في الجيش.
لم يحضر سوى عضوين من أعضاء الكنيست للاستماع إلى الإحاطة الإعلامية، وتم تمرير التشريع بأغلبية ساحقة.
بشكل منفصل، حاول رئيس أركان الجيش، الجنرال هيرتسي هاليفي، توجيه نفس التحذيرات إلى نتنياهو، وقال المسؤولون إن رئيس الوزراء رفض مقابلته، ولم يستجب مكتب السيد نتنياهو لطلب التعليق على هذا اللقاء.
واستندت تحذيرات الجنرالات إلى حد كبير إلى سلسلة من الاستفزازات على الحدود الشمالية لإسرائيل.
في فبراير ومارس أرسل "حزب الله" طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات باتجاه منصات الغاز الإسرائيلية، وخلال مارس، تسلق أحد المسلحين السياج الحدودي من لبنان إلى إسرائيل حاملا قنابل قوية وأسلحة وهواتف ودراجة كهربائية سافر بها إلى تقاطع رئيسي شمالي، ثم استخدم عبوة قوية، محاولا على ما يبدو تفجير حافلة.
في 11 مايو، أجرى "حزب الله" مناورات حربية في أحد مواقع التدريب التابعة له في عرمتا، جنوب لبنان، وأطلق صواريخ وطائرات مسيرة أسقطت متفجرات على مستوطنة إسرائيلية وهمية.
واعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن "حزب الله" كان يقود التخطيط لهجوم منسق ضد إسرائيل، ولكن ليس الهجوم الذي من شأنه أن يدفع نحو حرب شاملة.
وتزايدت مخاوف المسؤولين خلال شهري أغسطس وسبتمبر، وتحدث الجنرال هاليفي عن مخاوفه علنا، وقال، في احتفال عسكري يوم 11 سبتمبر، قبل أسابيع قليلة من الهجوم: "يجب أن نكون أكثر استعدادا من أي وقت مضى لنزاع عسكري واسع النطاق ومتعدد الجبهات".
بدورهم، ظهر حلفاء السيد نتنياهو على شاشات التلفزيون الإسرائيلي وأدانوا الجنرال هاليفي لأنه يزرع الذعر في قلوب المواطنين.
وفي سلسلة من الاجتماعات، وجه الشاباك تحذيرات مماثلة لكبار المسؤولين الإسرائيليين مثل الجنرال هاليفي، وفي النهاية خرج السيد بار أيضا إلى العلن، حيث قال في خطاب له: "يمكننا القول استنادا للتحقيقات التي نجرها إن عدم الاستقرار السياسي والانقسام المتزايد هما بمثابة جرعة منشطة لتشجيع دول محور الشر والتنظيمات الإرهابية والتهديدات الفردية".
كذلك تجاهلت حكومة السيد نتنياهو تحذيرات جيران إسرائيل، حيث دائما ما كان الأردن، بصفته الوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، تقليديا وسيطا مهما بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية في مجمع المسجد الأقصى، ثالث المواقع المقدسة في الإسلام. وشهد مجمع المسجد غارات متكررة من قبل القوات الإسرائيلية على مر السنين، وقالت "حماس" إنها شنت هجوم هذا الشهر جزئيا كرد فعل انتقامي على تلك الأعمال.
إلا أن الأردن وجد أنه حينما شكّل السيد نتنياهو حكومته، نهاية العام الماضي، وهي الأكثر يمينية في التاريخ الحديث، فإن الحكومة الجديدة كانت أقل استجابة لتحذيراتهم من أن الحوادث في المسجد الأقصى كانت تثير المشاعر داخل الأراضي الفلسطينية ويمكن أن تؤدي إلى العنف، وفقا لمسؤولين عربيين لديهما معرفة بالعلاقة بين الطرفين.
وبينما كان مسؤولو الأمن والاستخبارات على حق بشأن الهجوم القادم، فإن تركيزهم المكثف على "حزب الله" وإيران كان له تأثير مأساوي، فقد تم إيلاء اهتمام أقل بكثير للتهديدات القادمة من غزة.
ولم تكن لإسرائيل، منذ انسحابها من غزة عام 2005، وتطور "حماس" من تنظيم حرب عصابات بحت إلى القوة الحاكمة في غزة، عام 2007، سوى مناوشات دورية دارت بين الحركة والجيش الإسرائيلي.
وفي عهد 4 رؤساء وزارة مختلفين، قررت إسرائيل مرارا وتكرارا أن إعادة احتلال غزة وسحق "حماس" من شأنه أن يودي بحياة الكثير من الناس ويلحق ضررا بالغا بسمعة إسرائيل الدولية.
وعرفت إسرائيل أن "حماس"، التي تدعمها إيران بالتمويل والتدريب والسلاح، تزداد قوة بمرور الوقت، إلا أن المسؤولين اعتقدوا أن بإمكانهم احتواء حماس بشبكة واسعة من الجواسيس، وأدوات مراقبة متطورة، من شأنها تقديم إنذارات مبكرة بشأن الهجوم وتحصينات حدودية لردع أي هجوم بري لـ "حماس"، كما اعتمدت إسرائيل على نظام الدفاع الجوي "القبة الحديدية" في اعتراض الصواريخ والقذائف التي تطلق من غزة.
وقد أتت هذه الاستراتيجية ببعض الثمار، وفقا لتأكيد عدد من المسؤولين الإسرائيليين. فقد سمحت باختراق الدائرة الداخلية لـ "حماس" في غزة والكشف عن خطط المجموعة الهجومية، وأدى ذلك في بعض الأحيان إلى اغتيال قادة "حماس".
على مستوى الإعلام، استخدم نتنياهو خطابا حادا بشأن "حماس"، وكان شعار حملته الانتخابية عام 2008 "أقوياء ضد حماس"، وفي إحدى الفيديوهات الدعائية في ذلك الوقت، تعهد نتنياهو بقوله: "لن نوقف جيش الدفاع الإسرائيلي، سننهي المهمة. سنطيح بنظام حماس الإرهابي".
مع مرور الوقت، أصبح نتنياهو يرى "حماس" كعنصر لموازنة القوى ضد السلطة الفلسطينية، التي لديها السيطرة الإدارية على الضفة الغربية، وطالبت لفترة طويلة باتفاق سلام مع إسرائيل مقابل دولة فلسطينية.
أخبر نتنياهو مساعديه، على مر السنين، أن السلطة الفلسطينية الضعيفة خفضت الضغط عليه لتقديم تنازلات للفلسطينيين في المفاوضات، وفقا لعدد من المسؤولين الإسرائيليين السابقين، وأشخاص قريبين من نتنياهو، فيما نفى مسؤول آخر في مكتب نتنياهو، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، أن تكون تلك الفكرة تعبر عن سياسة رئيس الوزراء.
ولكن، ومما لا شك فيه، ان المسؤولين الإسرائيليين نظروا إلى "حماس" كتهديد إقليمي محدود، وليس كتنظيم إرهابي عالمي مثل "حزب الله" أو تنظيم "الدولة الإسلامية"، وشاركتهم في ذلك واشنطن، فيما خصصت وكالات الاستخبارات الأمريكية القليل من الموارد لجمع المعلومات عن الحركة.
اعتقدت بعض أجزاء الحكومة الأمريكية أنه من الممكن تجنيد عملاء "حماس" كمصادر للمعلومات عن الجماعات الإرهابية التي تعتبر أولوية أكثر إلحاحا في واشنطن.
ويتذكر أحد المسؤولين السابقين في وزارة الخزانة، ونائب رئيس البحوث الأول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات جوناثان شانزر، اجتماعا عقده في عام 2015 مع مسؤولي الاستخبارات ومؤسسات إنفاد القانون الأمريكيين بشأن أعضاء "حماس" المشتبه بهم داخل الولايات المتحدة، حيث أخبره المسؤولون أثناء الاجتماع بمحاولاتهم تحويل أعضاء "حماس" إلى "عملاء" في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
آمن المسؤولون الإسرائيليون كذلك بقوة أن "الجدار" العازل، وهو جدار خرساني مسلح بطول 40 ميلا فوق وتحت الأرض، والذي اكتمل بناؤه عام 2021، سيعزل غزة تماما، إضافة إلى نظام المراقبة على الحدود، والذي يعتمد حصريا على الكاميرات وأجهزة الاستشعار وأنظمة "الرؤية والإطلاق" عن بعد، وفقا لأربعة ضباط عسكريين إسرائيليين كبار.
لكن هجوم "حماس" كشف هشاشة تلك التقنية، فقد استخدمت الجماعة طائرات مسيرة متفجرة أضرت بهوائيات الهاتف الخلوي وأنظمة إطلاق النار عن بعد التي حمت السياج بين غزة وإسرائيل.
وللتحايل على تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية القوية، يبدو أن مقاتلي حماس فرضوا أيضا انضباطا صارما بين صفوف الجماعة، لعدم مناقشة أنشطتها عبر الهواتف المحمولة، وهو ما مكنهم من تنفيذ الهجوم دون أن يكتشفهم أحد، وفقا لما قاله أحد المسؤولين الأوروبيين.
ومن المرجح أن تكون الحركة قد قسمت مقاتليها إلى خلايا صغيرة، تتدرب كل منها على أهداف محددة فقط، لهذا لم يفهم صفوف الجماعة نطاق الهجمات التي كانوا يستعدون لها، ولم يتمكنوا من إفشاء العملية إذا ألقي القبض عليهم، وفقا لأحد المسؤولين الأوروبيين بناء على تحليله لكيفية تطور الهجوم ومن الفيديوهات التي نشرتها الحركة.
ربما تعلمت "حماس" هذا الانضباط من "حزب الله"، الذي أربك القوات الإسرائيلية طويلا على أرض المعركة من خلال تقسيم مقاتليه إلى وحدات أصغر من الأصدقاء أو الأقارب، وفقا لمسؤولين لبنانيين لهم صلات بالحزب، حيث يقول المسؤولون اللبنانيون إنه إذا تحدث المقاتلون بحرية عبر الهواتف المحمولة لتنسيق العمليات العسكرية، فإن جزءا من شفرتهم هو التحدث بذكريات الطفولة، على سبيل المثال، حول ذكريات الالتقاء في إحدى الحقول التي لعبوا فيها معا ذات مرة.
تقول "حماس" إنها استخدمت 35 طائرة مسيرة في الضربة الافتتاحية، بما في ذلك مسيرة انتحارية محملة بالمتفجرات.
وقال أحد الجنود الإسرائيليين الذي كان في قاعدة قطاع غزة يوم بدأ الهجوم: "بدأنا في تلقي رسائل تفيد بوجود هجوم على كل خط إبلاغ"، مضيفا: "وعلى كل خط إبلاغ، كانت هناك أسراب من الإرهابيين تتدفق، ولم يكن لدى القوات الوقت للحضور أو وقف ذلك الهجوم. كان شيئا مجنونا، وقيل لنا ببساطة إن الخيار الوحيد أمامنا هو الفرار لإنقاذ حياتنا".
وفي محادثة مع المحققين العسكريين بعد أسبوعين من الهجوم، شهد الجنود الذين نجوا من الاعتداء، أن تدريب "حماس" كان دقيقا للغاية، بحيث أضرّوا بصف الكاميرات وأنظمة الاتصالات بحيث أن "جميع شاشاتنا انطفأت في نفس الثانية تقريبا، وكانت النتيجة هي عمى شبه كامل صباح الهجوم".
بعد أن توقف القتال، وجد جنود إسرائيليون أجهزة لا سلكية يدوية على جثث بعض من مقاتلي حماس. هي نفس الأجهزة التي قرر مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية قبل عام أنه لم يعد من الضروري مراقبتها.
المصدر: نيويورك تايمز