إن مجموعة فاغنر هي هيكل شديد الانضباط، ولم يكن من حق المجموعة التراجع دون أمر. وإذا حكمنا من خلال مقطع فيديو بريغوجين، فإن بعض مخالفة الأوامر تستوجب معاقبة الجناة بالإعدام.
ففي أي جيش ينبغي أن يطيع الجندي قائده، إلا أن لذلك حدودا يحددها القانون. وفي مجموعة فاغنر، التي كانت دائما ما تعمل في منطقة رمادية من وجهة نظر القانون، لم يكن لدى الجندي بالأساس إرشادات بخلاف أمر القائد. لهذا، يطيع جنود مجموعة فاغنر الآن بريغوجين دون شك.
إلا أنهم يفعلون ذلك حتى يفاجئهم بريغوجين بأوامر دون أن يكون لديهم الوقت للتعرف على سياق الأحداث.
بريغوجين شخص ديماغوجي يستخدم خطابا وطنيا في محاولة لكسب الجيش والسكان. وتحقيقا لنفس الغاية، يلقي باللوم على وزارة الدفاع في هجومها على فاغنر.
أود أن أفرد هنا أربعة عوامل رئيسية تؤثر على الوضع الراهن: 1- الهجوم الأوكراني، 2- الخسائر بين الجنود والمدنيين خلال التمرد، 3- الوقت، 4- عدم أخذ بريغوجين في الاعتبار خطأ نافالني.
فأما العامل الأول، من الواضح أن بريغوجين طعن الجيش الروسي بسكين في ظهره، بعد استيلائه على المنطقة العسكرية الجنوبية في روستوف، حيث قام بتفكيك الإدارة ووضع عشرة خناجر في ظهر الجيش. الآن، سيشوه أي فشل على الجبهة سمعة بريغوجين ويحيد ديماغوجيته.
بعد خطاب بوتين، لم يعد لدى أي من الجنود أدنى شك في أن بريغوجين يقف في وجه الدولة الروسية، وليس ضد وزارة الدفاع.
وهذا هو بالضبط السياق الذي سيعمل بشكل مدمر على ولاء جنود فاغنر له، وإذا تمكن الأوكرانيون من تحقيق بعض النجاح في الأيام المقبلة، على خلفية تمرد بريغوجين، فحتى أولئك الذين كانوا يدينون ببعض الولاء له، سيفقدون التعاطف معه. حتى مجرد القتال العنيف على خط المواجهة، على خلفية تصرفات بريغوجين سيشوه مصداقيته تماما.
العامل الثاني هو أنه وعلى الرغم من نيته المعلنة لقمع التمرد بقسوة، فإن بوتين لن يستخدم القوة في المدن المكتظة بالسكان. وأعتقد أن الإجراءات العسكرية لن تستخدم إلا لمنع بريغوجين من التقدم نحو موسكو، والمبادرة في هذه المواجهة ستكون كارثية على بريغوجين، فيما لن تؤدي مواجهة الشرطة أو الجيش إلا إلى تفاقم وضعه اليائس.
ومع ذلك، يدخل هنا حيز التنفيذ العامل الثالث: الوقت.
عندما تقوم بثورة، وإذا كنت ترغب في انتصار الثورة، فعليك أن تحقق ولو انتصارات صغيرة كل يوم، حيث أن التوقف مميت. وفي اللحظة التي يتوقف فيها جندي مجموعة فاغنر عن الحركة، ويبدأ في التفكير، ويستوعب تورطه في التمرد، ويبدأ تحلل مجموعة فاغنر. بإمكان بوتين الانتظار، أما بريغوجين فلا يملك هذه الرفاهية.
ليس من قبيل المصادفة أن تتضمن نصف تصريحات بريغوجين الأخيرة عبارات عن أن الجيش إلى جانبنا، ونصف الجيش سيصطف معنا، وهكذا دواليك. ذلك هو رهانه الرئيسي وفرصته الوحيدة. فهو يحتاج إلى ديناميكية، ولكن في هذا الجانب لا أمل، مجرد طرح للأمنيات بوصفها واقع.
وهنا يدخل العامل الرابع حيز التنفيذ، حيث أعمى بريغوجين، شأنه في ذلك شأن نافالني، الطموح ودعايته الخاصة. حيث ظن كلاهما أنهما إذا ما خطبا في الناس بالثورة والمظاهرات، لخرج الشعب الروسي أفواجا إلى الشوارع. لحسن الحظ، وعلى مدى قرون من الحرب، طوّرت الأمة الروسية غريزة في الأوقات الصعبة بالاتحاد حول الدولة والقائد، حتى لو كان كلاهما بعيدا عن الكمال. ومن المؤكد أن الناس العاديين منزعجون من افتقار روسيا إلى رد حاسم على الإجراءات الغربية، إلا أن هذا لا يؤثر بشكل كبير على دعم بوتين بشكل عام. وعلى أي حال، يدرك الجميع خطورة التمرد.
لقد كان بريغوجين غبيا بما يكفي لمهاجمة قيادة الجيش لفترة طويلة، قيادة الجيش التي كان دائما غريبا عنها، وفرصه في الحصول على دعم من الجيش معدومة، وهذه نقطة كافية وحدها لضمان فشله في المستقبل.
إضافة إلى ذلك، فقد كان اختيار لحظة التمرد اختيارا غير موفق. فعلى خلفية صد الهجوم الأوكراني الناجح من قبل الجيش الروسي النظامي، تبدو تصريحات بريغوجين مع كل يوم يمر أقل تبريرا وإقناعا.
باختصار، فإن الحدث خطير للغاية بكل تأكيد، إلا أنني لا أرى أي سبب للاعتقاد بأن الوضع خارج عن السيطرة، ويشكل تهديدا استراتيجيا. بل إن الضرر، على الأرجح، ربما يكون في صورة بعض النجاحات في الهجوم الأوكراني، أكثر مما لو لم يحدث التمرد. لهذا أعتقد أن التمرد لن يستمر طويلا، ولن يتجاوز الضرر على المستوى التكتيكي.
لكن، وعلى أي حال، فإن روسيا قد تغيرت، وآمل أن يتصرف بوتين الآن بشكل أكثر قسوة تجاه الغرب، لأن ضبط النفس، والصياغة الغامضة للأهداف عامل مزعزع للاستقرار، كما أظهرت الأحداث الجارية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف