ذهب ماكرون إلى الصين لإقناع الزعيم الصيني شي جين بينغ بالتأثير على روسيا على النحو الذي يحتاجه الغرب، بدلا من ذلك أيّد الإنذار الروسي للولايات المتحدة الأمريكية، وصرح بأنه لا ينبغي لأي دولة نووية أن تنشر أسلحتها النووية على أراض أجنبية.
كان من المفترض أن يقنع ماكرون الصين بالتوقف عن اتخاذ أي خطوات جذرية نحو تايوان، بدلا من ذلك أشار إلى أنه لا ينبغي جرّ أوروبا إلى المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بشأن تايوان.
والأكثر من ذلك، أعلن ماكرون عن الحاجة إلى الحكم الذاتي الاستراتيجي لأوروبا، وحاجتها للاعتماد بشكل أقل على الدولار والطاقة الأمريكية.
جعل ذلك العالم كله متحمسا، وبدأ الجميع في التعليق على تصريحات الرئيس الفرنسي، حتى أن بعض الخبراء قد بدأ في الحديث عن بداية إعادة توجيه فرنسا من الولايات المتحدة إلى الصين كما فعلت المملكة العربية السعودية.
لكن ما أخشاه هو أنني يجب أن أخيّب آمال هؤلاء الخبراء، حيث أنه لا ينبغي أن تؤخذ تصريحات إيمانويل ماكرون (وجميع من عداه من الرؤساء الفرنسيين) على محمل الجد منذ فترة طويلة. فالهدف الرئيسي لإيمانويل ماكرون هو الفضيحة في حد ذاتها، ورد الفعل العام على خطاباته. وهو من وقت لآخر، يقول شيئا أكثر صرامة من موقف الولايات المتحدة والغرب الجماعي، فيصاب الجميع بالصدمة، ثم يتابع ذلك بتصريحات أكثر ليونة وأكثر سلمية من موقف الغرب، فيصاب الجميع مجددا بالصدمة، وهكذا في دائرة مفرغة لا نهاية لها. في الوقت نفسه، لا شيء يتغير على أرض الواقع، سوى أن الفرنسيين يحبون ذلك، فهو يذكّرهم بالأيام الخوالي، حينما كانت فرنسا قوة عظمى ولها صوتها الخاص المؤثر في العالم، وكل الرؤساء الفرنسيين مغرمون جدا بممارسة هذه اللعبة.
أي أن ماكرون أراد كذلك في هذه الحالة إرضاء نظيره الصيني وإثبات أنه يبذل قصارى جهده لتعزيز مصالح أوساط الأعمال والشركات الفرنسية، حيث كانت حزمة المشاريع الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها خلال الزيارة حقا مثيرة للإعجاب.
أعتقد أنه في غضون شهر واحد من الآن، وعندما تمر صدمة تصريحاته المعادية للولايات المتحدة الأمريكية، سيقول ماكرون شيئا مناهضا للصين على نحو جذري. على سبيل المثال، سيعلن عن استعداد بلاده لبناء غواصات لتايوان، أو شيء من هذا القبيل.
في عصر التواصل الاجتماعي والعلاقات العامة الذي نعيشه، يعدّ المهرجون والممثلون أفضل المرشحين لأدوار الرؤساء. وليس من قبيل المصادفة أنه بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، نظّم ماكرون جلسة تصوير حاول فيها تقليد أسلوب زيلينسكي باستخدام بنطلون جينز باهت وسترة قذرة.
إلا أن الحديث، في رأيي المتواضع، لا يمكن أن يدور هنا بأي شكل من الأشكال عن إعادة توجيه نحو الصين، التي وعلى الرغم من كونها شريكا تجاريا مهما لفرنسا، إلا أنها التالية بعد ألمانيا كأكبر مصدر لفرنسا. ومن بين وجهات التصدير الفرنسية، فإن الصين ليست حتى في المراكز الخمسة الأولى. علاوة على ذلك، فإن حصة الصين صغيرة بالمقارنة بالاتحاد الأوروبي أو الغرب الجماعي.
كذلك فإن فرنسا هي عضو في الاتحاد النقدي، الذي يخضع معظم أعضائه لسيطرة مشددة من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يسيطر الاقتصاد على فرنسا كي تظل في مدار واشنطن على نحو أكثر أمانا من سلاسل الحديد.
أعتقد أنه قبل انهيار الاتحاد الأوروبي، لن تتمكن أي دولة في منطقة اليورو من إعادة توجيه نفسها سياسيا نحو الصين، وستقف أوروبا إلى جانب الولايات المتحدة في صراعها مع الصين حتى ينهار الاتحاد الأوروبي.
إلا أن انهيار منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي لم يتبق أمامه الوقت الكثير.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف