فيتزايد تدريجيا احتمال تقليص الوجود العسكري الروسي في أرمينيا. وإضافة إلى القضاء على القاعدة العسكرية رقم 102 (المنتشرة في يريفان وغيومري)، فإن ذلك يعني أيضا انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قرة باغ ومن الممر الذي يربط هذه المنطقة بأرمينيا.
في الوقت نفسه، فإن احتمال اندلاع حرب جديدة في المنطقة لا يتضاءل، وإنما يتزايد، فبناء على نتائج حرب قرة باغ عام 2020، لم تحل باكو إحدى مهامها الاستراتيجية الرئيسية، ألا وهي ضمان ممر نقل موثوق بين أراضيها الرئيسية وذراع ناخيتشيفان، الذي تفصله عن بقية أذربيجان الأراضي الأرمنية.
تلك أيضا واحدة من مهام السياسة الخارجية الرئيسية لتركيا، والتي تحتاج إلى إنشاء ممر نقل تحت سيطرتها مع آسيا الوسطى الغنية بالطاقة، وهو التوجه الحالي الرئيسي للتوسع الإمبراطوري التركي.
وعلى خلفية الدعم غير المشروط من تركيا، تظهر أذربيجان رغبتها في مراجعة نتائج حرب قرة باغ الأخيرة لصالحها، حيث يقوم الجانب الأذربيجاني على وجه الخصوص، إضافة إلى الاستفزازات شبه المستمرة ضد قوات حفظ السلام الروسية والهجمات على نقاط التفتيش الأرمنية في المنطقة، بحصار قرة باغ بمساعدة من يفترض أنهم "دعاة حماية البيئة"، الذين يطالبون بالوصول إلى منجم الذهب في قرة باغ.
وقد أظهرت حرب قرة باغ عام 2020 محدودية قدرة روسيا على احتواء أذربيجان بالوسائل السياسية. فليس لروسيا حدود مشتركة مع أرمينيا، وبالتالي فإن التصعيد المحتمل للتوترات في قرة باغ من قبل أذربيجان إلى مستوى استئناف الأعمال القتالية من المرجح أن يضع روسيا في مواجهة ضرورة شن حرب شاملة مع أذربيجان، وإلا سيتعين عليها أن تسحب قوات حفظ السلام من قرة باغ، مع اندلاع فوري لأزمة سياسية بين أرمينيا وروسيا.
وعلى خلفية أصعب مواجهة عسكرية مع الغرب الموحد على أراضي أوكرانيا، فمن الطبيعي أن تتجنب روسيا بكل الوسائل فتح جبهة ثانية مع أذربيجان، خاصة مع إمكانية تورط تركيا في صراع القوقاز، وهي التي تلعب دورا مهما للغاية في السياسة الخارجية الروسية.
ومع ذلك، قد يكون القتال أمرا زائدا عن الحد، ويمكن أن يكفي فقط خنق ممر النقل لبدء كارثة إنسانية في قرة باغ في غضون بضعة أشهر، سيستخدمها الرئيس باشينيان بالتأكيد لتوجيه اتهامات جديدة ضد روسيا، بل وربما يستخدمها ذريعة لانسحابه من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والقضاء على الوجود العسكري الروسي في أرمينيا.
بطريقة أو بأخرى، لن يؤدي انسحاب روسيا إلى تحسين الوضع في أرمينيا، لأنه لا يمكن لأحد، باستثناء روسيا، أن يضمن ليس فقط الحفاظ على قرة باغ تحت السيطرة الأرمنية، وإنما كذلك ضمان وجود أرمينيا بالشكل الذي توجد عليه الآن، أو على أقل تقدير داخل حدودها الحالية.
إن الغرب مهتم بحرب أذربيجانية أرمنية جديدة، وعلاوة على ذلك، فهو مهتم بهزيمة يريفان، لأن ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى إخراج روسيا من أرمينيا وخروجها من المنطقة ككل. لهذا، سوف تعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الرئيس باشينيان بأقصى قدر من الوعود، دون أن تمتلك القدرة ولا الرغبة في الدفاع عن أرمينيا حقا.
قد يكون جرّ روسيا إلى حرب أخرى هدية لواشنطن، إلا أن حتى مجرد انسحاب روسيا من المنطقة وملايين اللاجئين الأرمن في روسيا هو نتيجة مفضلة للغاية بالنسبة للغرب.
من ناحية أخرى، تركيا في وضع صعب، حيث تعد الشراكة مع روسيا بالنسبة لأنقرة مفيدة للغاية اقتصاديا وسياسيا، لكن كنز آسيا الوسطى والقوقاز هو الآخر شديد الإغراء بالنسبة لأردوغان، استنادا لأن روسيا لن تواجه أنقرة، لتقييدها بالحرب مع الغرب.
إلا أن العقبة الرئيسية لهذا السيناريو حاليا هي إيران، التي صرحت مرارا بأن تغيير حدود المنطقة غير مقبول بالنسبة لها.
ومعظم الأذربيجانيين في العام لا يعيشون في جمهورية أذربيجان المستقلة، وإنما في إيران، وأذربيجان الإيرانية أكبر من حيث المساحة من أذربيجان المستقلة. لهذا، فإن أي خطط لبناء ما يسمى بأذربيجان الكبرى، سينفذ حتما وبطبيعة الحال على حساب إيران. وبعد توحيد ناخيتشيفان مع المنطقة الرئيسية، قد تمتد طموحات باكو إلى أذربيجان الإيرانية.
كذلك فإن قيام تركيا ببناء إمبراطورية ناطقة باللغات التوركية أو مجرد توسيعها لمنطقة نفوذها في آسيا الوسطى يهدد أيضا إيران.
وعليه، فإن إيران ستقاوم بكل قوتها التوسع الإقليمي لأذربيجان. لكن العكس هو الآخر صحيح، بمعنى أن أي اضطرابات أو حراك انفصالي في إيران سيدفع أذربيجان نحو التوسع الإقليمي.
ومن الواضح أن الغرب، في الآونة الأخيرة، يسير بحزم في اتجاه زعزعة الاستقرار الداخلي لإيران، ونظرا للوضع الاقتصادي الصعب، فإن أي حرب تشارك فيها إيران ستزيد من زعزعة استقرار الوضع الداخلي في البلاد، ما سيزيد من خطر الانفصالية. ومن المفيد أيضا للغرب تحييد إيران كحليف لروسيا والصين قبل مواجهتهما المباشرة المحتملة مع الغرب.
وإذا كانت إسرائيل تريد أن تضرب البرنامج النووي الإيراني (التهديد الذي تكرره مرارا وتكرارا، والذي لم يتبق أمامه سوى القليل من الوقت)، فربما تكون الظروف الآن مواتية جدا لذلك.
كما يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تستخدم ضد إيران نفس التكتيكات التي تستخدمها ضد روسيا، بإثارة عدد من الصراعات في نفس الوقت على طول حدود العدو.
ويمكن أيضا استخدام نفس التكتيك ضد أردوغان إذا ما فشلت الولايات المتحدة في منع إعادة انتخابه لولاية أخرى، حيث يجب أن يضع الصراع مع اليونان وإيران والأكراد، وإذا ما حالف الحظ مع روسيا، حدا لسياسة تركيا الجريئة والمستقلة للغاية.
وهكذا، فقد أصبحت قرة باغ وأرمينيا الآن، في رأيي المتواضع، أكثر النقاط الساخنة قابلية للانفجار على الخريطة السياسية للعالم، بل وأسوأ من تايوان. وأظن أنه من المحتمل جدا استئناف الصراع هناك في عام 2023، مع تصعيد محتمل إلى حرب إقليمية بمشاركة عدد من الدول.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف