مباشر

هل تستعد بولندا لدخول الحرب في أوكرانيا؟

تابعوا RT على
دعونا نتخيل المستحيل: ألا تتمكن روسيا من تحرير كامل الأراضي الأوكرانية، وطرد الولايات المتحدة الأمريكية من أوروبا.

مثل هذه النتيجة للحرب الأوكرانية لا يمكن إلا أن تؤدي إلى تغييرات هائلة في الوضع السياسي الداخلي، وتوازن القوى في أوروبا نفسها.

لقد انتزعت روسيا ذات مرة من بولندا فرصة أن تصبح قوة عظمى. فبعد الغزو المغولي، احتلت بولندا (بشكل مستقل، وبالاتحاد مع ليتوانيا) معظم الأراضي الروسية الغربية (بيلاروس وأوكرانيا في المستقبل). بل وفي ذروة التوسع، في الأعوام 1610-1612، احتلت بولندا موسكو، وأعلن الملك البولندي نفسه قيصرا لروسيا. ولو كانت بولندا حينها استطاعت التمسك بما تم الاستيلاء عليه، لكانت الآن في مكان روسيا، متاخمة للصين، ولكان بإمكانها أن توحد جميع الشعوب السلافية في أوروبا تحت لوائها، وتصبح أقوى دولة على هذا الكوكب.

إلا أن الآلام الوهمية الناتجة عن مثل هذه الخسارة لا زالت تطارد البولنديين حتى يومنا هذا، فيحلمون بالانتقام، وخلق بولندا "من البحر إلى البحر" (من بحر البلطيق إلى البحر الأسود).

منذ أيام، أعلن وزير الدفاع البولندي عن عزمه إنشاء أقوى جيش في أوروبا بين دول "الناتو"، يصل تعداده إلى 400 ألف جندي.

فالحرب في أوكرانيا تمثل فرصة تاريخية لبولندا لاستئناف التوسع نحو الشرق، ويبدو أن بولندا لا تنوي إضاعتها. بل إن أوكرانيا نفسها، علاوة على ذلك، مستعدة لأن تُبتلع من جانب بولندا.

وقد وافق البرلمان الأوكراني، يوم أمس الخميس، 28 يوليو، على مشروع قانون تقدم به زيلينسكي بشأن ضمانات خاصة للمواطنين البولنديين في أوكرانيا، والتي من شأنها أن تساوي حقوقهم مع المواطنين الأوكرانيين تقريبا لمدة عام ونصف. ويمكن اعتبار هذه الخطوة بمثابة إعداد لتوحيد بولندا وأوكرانيا، أو بالأحرى مع ذلك الجزء الذي قد تقرر بولندا احتلاله في حالة تقدم القوات الروسية نحو الغرب.

إن سيناريو الاحتلال البولندي لجزء من أوكرانيا ليس مجرد سيناريو حقيقي للغاية، بل إنه السيناريو الأكثر ترجيحا لمزيد من التطورات في حالة تمكن أوروبا من التغلب على أزمة الطاقة والأزمة الاقتصادية هذا الشتاء، والتي ستحافظ على الوحدة عبر الأطلسي، وبالتالي السماح للولايات المتحدة الأمريكية بمواصلة الحرب بالوكالة مع روسيا بأيادي أوروبا.

ولن نناقش هنا سيناريو الإبادة النووية المتبادلة لروسيا والغرب، على الرغم من أنه أيضا من بين السيناريوهات الواقعية تماما، إلا أنه سيناريو يختفي فيه موضوع المناقشة.

إن بإمكان روسيا ألا تتسرع في تطوير الأحداث في أوكرانيا، طالما كانت هناك فرص كبيرة لإخراج أوروبا من اللعبة بالوسائل الاقتصادية، والتي ستؤدي تلقائيا إلى استسلام أوكرانيا بأقل قدر ممكن من إنفاق الموارد من جانب روسيا.

إلا أنه إذا ما فشل ذلك، فإن التركيز في الحرب يجب أن يتحول من القضايا الاستراتيجية إلى المستوى التكتيكي الأوكراني، وعندها ستكثّف روسيا جهودها، لأنها ستكون مهتمة بإنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن. وهجوم روسيا على غرب أوكرانيا سيضع حتما أمام الولايات المتحدة الأمريكية قضية إدخال قوات جديدة إلى المعركة: بولندا ورومانيا ودول البلطيق.

في هذا السيناريو، سيصبح دخول قوات هذه الدول إلى أوكرانيا أمرا لا مفر منه. ونظرا للمطالبات التاريخية للدول المجاورة بجزء من الأراضي الأوكرانية، فإن احتلال بولندا ورومانيا وربما هنغاريا (التي سترسل قواتها "لحماية الأقلية الهنغارية") لأوكرانيا سيؤدي إلى التقسيم الفعلي لما تبقى من أوكرانيا، إذا لم تدخل روسيا في أعمال عدائية مع جيوش هذه الدول، المدعومة بالقوة الكاملة لحلف "الناتو".

ومع ذلك، تلك ليست نهاية الأمر. فبالإضافة إلى تقسيم أوكرانيا، سوف تبتلع رومانيا مولدوفا، وربما تستأنف الحرب في البلقان، حيث ستنشأ ألبانيا الكبرى، بل وقد تشتعل نزاعات بين تركيا واليونان ونزاعات أخرى محتملة أيضا، حيث سيؤدي تقسيم أوكرانيا إلى تحريك قضايا الحدود أينما كانت هناك شروط مسبقة لذلك.

لكن بولندا ليست وحدها في نواياها، فعدد من الدول الأوروبية، إن لم يكن معظمها، لديه خطط لزيادة جيوشها.

فكما نعلم جميعا، المستشار الألماني، أولاف شولتس، الذي كان جده ضابطا نازيا رفيع المستوى خلال الحرب العالمية الثانية، كان قد قال في وقت سابق إن العملية الروسية الخاصة بأوكرانيا إنما حررت ألمانيا من الذنب، ونذكر تعليق آخر سابق له حيث يقول إن الحديث عن إبادة جماعية ضد الروس في دونباس يصيبه بالضحك.

 تلك ليست مجرد كلمات. ففي مايو أعلن أولاف شولتس عن نية ألمانيا إنشاء أكبر جيش تقليدي في أوروبا.

والخطوة التالية للألمان، ستكون إثارة قضية تغيير الحدود، بما في ذلك استعادة بروسيا، ودانتسيغ (غدانسك البولندية حاليا)، وبريسلاو (فروتسلاف البولندية حاليا) وعدد من الأراضي الأخرى إلى السيطرة الألمانية بعد أن فقدتها ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

باختصار، يتم إحياء النزعة العسكرية الأوروبية. ومن السذاجة الاعتقاد بأن هذا ممكن دون نمو الطموحات والتنافس بين الدول الأوروبية.

إن مشروع أوروبا الموحدة ينهار أمام أعيننا. كما تفقد الولايات المتحدة الأمريكية زمام القيادة في العالم. وأوروبا، التي اعتادت عدم امتلاك صوتها، وعدم تحملها مسؤولية أي شيء، تصبح، رغما عن إرادتها، لاعبا على حلبة السياسة العالمية، ولكن ليس كوحدة واحدة، وإنما كشرذمة من الكلاب تتشاجر فيما بينها.

ومع ذلك، فكل ما سبق هو مجرد واحد من السيناريوهات المحتملة، إذا ما فشلت روسيا لأي سبب من الأسباب في تحقيق أهدافها. ولكن حتى لو حققت روسيا أهدافها، فإن بعض العناصر الأساسية والمسارات الموضحة أعلاه ستظهر أيضا في سيناريوهات أخرى.

في الوقت نفسه، فهناك عامل ثان، إلى جانب روسيا، يمنع نهضة أوروبا بالشكل الذي عرفتها به البشرية منذ ألف عام.

هذا العامل هو الديموغرافيا، لكنني سأخصص له المقالة القادمة.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا