مباشر

هل يرتفع سعر الذهب ويعود ربط العملات به؟

تابعوا RT على
إن الأسعار العالمية للسلع الأساسية التي يتم تداولها في البورصات، في رأيي المتواضع، هي إلى حد كبير نتيجة للتلاعب من قبل أكبر البنوك في العالم.

 وتلك بنوك تم ضبطها متواطئة بقضايا أخرى في مناسبات عديدة، لكن هذا التلاعب لا يمكن أن يستمر للأبد.

فأسعار النفط والذهب والحبوب وغيرها من الموارد لا تعكس قيمتها الحقيقية في الوقت الراهن، ويتم التقليل منها، كشكل جديد من أشكال الاستعمار، وهي طريقة لضمان التبادل غير المتكافئ بين الغرب والدول المصدرة للموارد، وتلك سرقة دون شك. وعند الضرورة، يمكن للغرب خفض الأسعار أو رفعها لفترة من الوقت.

على سبيل المثال، نذكر في أوائل الألفية الجديدة حينما استثمرت الشركات الأمريكية فيما يسمى بـ "ثورة النفط الصخري"، لكن تكلفة ذلك النفط كانت مرتفعة للغاية، لهذا تم الحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مرتفعة لفترة طويلة، لضمان ربحية هذه المشاريع. ثم بعد عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، قرر الغرب تدمير الاقتصاد الروسي بمساعدة انخفاض حاد في أسعار النفط، فانخفض سعر برميل نفط برنت من 112 دولار للبرميل في 5 يناير 2014 إلى 33 دولار للبرميل في 1 يناير 2016، على الرغم من عدم حدوث انخفاض في إنتاج النفط العالمي، أي أن التغير في الأسعار لا يمكن أن يكون لأسباب موضوعية، أي لتغيير في ميزان العرض والطلب.

الأمر نفسه ينطبق على أسعار الذهب.

فعلى سبيل المثال، يتم تحديد السعر العالمي للذهب في بورصتين هما: لندن LMBA (حيث 78% من مبيعات الذهب العالمية)، ونيويورك Comex (حيث 8% من مبيعات الذهب العالمية).

وفي هاتين البورصتين، يكون الجزء الأكبر من تداول الذهب من خلال العقود ذات التسليم المؤجل في المستقبل، فيما يسمى العقود الآجلة أو Futures. بمعنى أنك لا تشتري أو تبيع المنتج نفسه، وإنما الالتزام بتسليم هذا المنتج في المستقبل، في غضون شهر مثلا. في الوقت نفسه، ينتهي عقد واحد كل 2500 عقد بتسليم حقيقي للذهب، أما نسبة 99.96% المتبقية من العقود فهي افتراضية، يتم استردادها نقدا.

 ففي عام 2016 مثلا، بلغ حجم التجارة في الذهب الافتراضي في لندن 1.5 مليون طن، وفي نيويورك 179 ألف طن. وللمقارنة، فإن أكبر احتياطي ذهب في العالم هو لدى الولايات المتحدة الأمريكية ويبلغ 8133 طن.

ومن خلال بيع الالتزامات الافتراضية لشراء أو بيع الذهب، وليس الذهب المادي الحقيقي، يمكنك تغيير ميزان العرض والطلب، وبالتالي زيادة أو خفض سعر الذهب.

يبقى السقف الوحيد لمثل هذه التلاعبات هو إذا ما بدأ الطلب على الذهب الحقيقي في النمو بسرعة، فإن سعره سيتجاوز بسرعة أسعار الذهب الافتراضي، وقد يطلب عدد كبير من مشتري هذه العقود الآجلة تسليم الذهب المادي.

ويعود الارتفاع السريع في أسعار جميع السلع في العالم إلى طباعة نقود غير مغطاة من قبل الغرب، وأعتقد أن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى التضخم المفرط، الذي لن يكون هناك مخرج متاح منه، من وجهة نظري، سوى من خلال ربط العملات بالذهب.

صرح سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيقولاي باتروشيف، والمتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، منذ أسبوع، بأن الخبراء الروس يفكرون الآن في ربط الروبل بالذهب. لكن رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نبيّولينا، قالت إن البنك لا يناقش مثل هذا الاحتمال. على أي حال، من الواضح أن السلطات الروسية، على أقل تقدير، تفكر في مثل هذا الاحتمال.

تتمتع روسيا بميزان تجاري وميزان مدفوعات إيجابي ثابت ومستدام خلال العقدين الماضيين. أي أنه في كل عام كان هناك فائض من العملات الأجنبية يظهر في البلاد، واستخدمته الحكومة لشراء الديون الأمريكية والأوروبية لصالح الاحتياطيات الروسية، والتي يجمّدها الغرب الآن. مع بداية الحرب في أوكرانيا، لم يتغير الوضع، وظل الحال على ما هو عليه، حيث يظهر لدى روسيا فائض من العملات، ولا مكان لتخزينه، باستثناء الذهب، حيث يمكن تجميد أي احتياطيات جديدة بالدولار أو اليورو مرة أخرى.

في الوقت نفسه، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اعتزامه تحويل كل التجارة الخارجية إلى الروبل. لكن يكاد يكون من المستحيل القيام بذلك إذا كان الروبل غير مستقر، لأنه من الضروري تحديد السعر بالروبل. وربما تكون الطريقة الوحيدة لضمان استقرار الروبل في الوضع الراهن، ومع مراعاة العقوبات، هي ربطه بالذهب مرة أخرى.

وفي حال اللجوء لمثل هذه الخطوة، وبالحفاظ على التوازن الإيجابي في ميزان التجارة الخارجية الروسية، سيكون هناك نفس العامل الذي يمكنه تدمير التلاعب ألا وهو الزيادة المطردة والكبيرة في الطلب على الذهب، وهو ما سيؤدي إلى تحول نموذجي في سوق المعادن الثمينة. ستنهار مع ذلك سنوات من التلاعب في أسعار الذهب، وسيرتفع سعره عدة مرات.

يجدر التنويه هنا إلى أنه ومع اقترابنا من التضخم العالمي المفرط، سيزداد الطلب على الذهب، بغض النظر عن احتمالات ربط الروبل به.

لا يمكننا بطبيعة الحال حتى الآن الحديث سوى عن احتمالات، حيث قد تخرج علينا رئيسة البنك المركزي الروسي بفكرة تكديس الاحتياطيات مرة أخرى بالدولار واليورو من أجل مزيد من التجميد من قبل الغرب. لكنني أعتقد أن المسار الموضوعي للأحداث يدفع روسيا دفعا نحو إنشاء "معيار ذهبي"، وإذا حدث ذلك، سيغير هذا من واقع كوكب الأرض بأكمله، بما في ذلك من خلال انهيار هرم الديون الغربية.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تليغرام" الخاص بالكاتب

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا