تجدر الإشارة إلى أن كل الهستيريا في الولايات المتحدة الأمريكية و"الناتو" حول الغزو الوهمي لأوكرانيا تتطور حتى الآن في ظل غياب تام لأية إجراءات حقيقية من جانب روسيا في هذا الاتجاه.
ولكن، وعلى افتراض أن روسيا سوف تغزو أوكرانيا وتقطع إمدادات الغاز الخاصة بها عن أوروبا.
فإن عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا يمثل 40 مليار متر مكعب في السنة.
وسعة خط "السيل الشمالي-2" الروسي 55 مليار متر مكعب، تم الانتهاء منها وجاهزة للتشغيل، لكن أوروبا تؤخر التصديق على تشغيل الخط تحت ضغط من الولايات المتحدة.
من الواضح، وبغض النظر عما يحدث لأوكرانيا، وعبور الغاز من خلالها، فلن تعاني أوروبا من أي نقص في إمدادات الغاز الروسي، بإطلاق "السيل الشمالي-2".
يمكن أن ينشأ نقص الغاز في أوروبا في حالة واحدة فقط: إذا ما رفضت أوروبا نفسها إمدادات الغاز الروسي. سيؤدي ذلك إلى صدمة اقتصادية في أوروبا، وبالتالي فهو ممكن فقط في ظل الظروف القصوى، مثل حالة نشوب صراع عسكري بين روسيا وأوروبا على سبيل المثال. هذا بالضبط هو هدف الولايات المتحدة الأمريكية إذن في هذه القصة بأكملها حول أوكرانيا – إثارة صراع عسكري روسي أوروبي، بمساعدة العدوان الأوكراني على إقليم الدونباس.
من الواضح إذن أن هدف واشنطن ليس منع حدوث نقص في الغاز في أوروبا، بل وقف صادرات روسيا من الغاز إلى السوق الرئيسية لروسيا – أوروبا.
في هذه الحالة، ربما ينبغي أن نتحدث حينها عن رفض أوروبا الكامل للغاز الروسي.
إلا أن تلك ليست مهمة سهلة، فروسيا توفّر حوالي 40% من واردات أوروبا من الغاز. علاوة على ذلك، ففي 9 أشهر من عام 2021، قدمت شركة "غازبروم" الروسية 51% من الغاز الذي استوردته أوروبا. بالنسبة لأوروبا، ستكون هذه كارثة اقتصادية.
ليس من قبيل المصادفة إذن ألا تسمح ألمانيا بتسليم أسلحة بريطانية وأمريكية إلى أوكرانيا عبر أراضيها.
كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحجم الرئيسي للإمدادات الروسية إلى أوروبا يتم عبر خطوط الأنابيب، التي لا يمكن إعادة توجيهها إلى أسواق أخرى.
وفي حال إنهاء إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، سوف تنخفض جميع صادرات روسيا من الغاز بنفس المقدار. وسيكون هناك عجز هائل في سوق الغاز العالمية، وسترتفع أسعار الغاز عدة مرات، إن لم يكن عشرات المرات.
صدّرت روسيا 199.9 مليار متر مكعب من الغاز عام 2020، منها 177.3 مليار متر مكعب إلى أوروبا.
صدّرت قطر 143.7 مليار متر مكعب من الغاز عام 2020.
بمعنى أن كل الغاز القطري لا يكفي للتعويض الكامل عن الإمدادات الروسية إلى أوروبا، وحتى تعويض 40 مليار متر مكعب من الغاز المتدفق حالياً عبر أوكرانيا، فهي خطوة سياسية غير عادية، ستغرق العديد من المشترين الحاليين للغاز القطري في أزمة.
في الوقت نفسه، وإذا تم تحديد الوصول إلى الغاز من خلال آليات السوق، فستحرم الدول الفقيرة من الغاز. في الوقت الذي ستحصل فيه قطر وغيرها من مصدري الغاز المسال على أرباح ضخمة. في هذا السيناريو، ليست هناك حاجة إلى مفاوضات خاصة لتزويد أوروبا بالغاز، فهي قادرة على شراء كمية الغاز التي تحتاجها من السوق.
فإذا كانت واشنطن تتفاوض مع قطر، فإنه من المرجح أن المفاوضات تتناول تزويد قطر أوروبا بالغاز بأسعار مخفّضة بشكل كبير، من أجل تخفيف وقع الصدمة الاقتصادية على أوروبا، وبالتالي تحقيق موافقة العواصم الأوروبية على شن حرب ضد روسيا.
بالإضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن تضمن قطر الإمدادات لأوروبا حصرياً، حتى ولو على حساب دول أخرى على استعداد لدفع المزيد. أي أننا نتحدث عن حرمان آسيا، وفي المقام الأول الصين، من جزء كبير من إمدادات الغاز، حيث تعد قطر المصدّر الثاني للغاز إلى الصين من حيث الحجم.
في الوقت نفسه، دعونا لا ننسى أن أوروبا اتخذت قراراً استراتيجياً بالتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وقررت التخلي عن الغاز أيضاً. وهو ما يعني بالنسبة لمصدري الغاز، أن الحفاظ على موطء قدم في الأسواق الآسيوية، وقبل كل شيء الأسواق الصينية، هي قضية حياة أو موت، لأن الصين ستزيد واردات الغاز فقط في العقود المقبلة.
أعود وأذكّر بأن الصين، بحسب التقديرات، استوردت 354.2 مليار متر مكعب من الغاز عام 2021، وفي عام 2022، من المتوقع أن تصبح الصين أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم.
وحتى الآن، لا تتوقف قطر عن الإعلان أن السوق الصينية هي أولوية بالنسبة لها، لكن السيناريو قيد الدراسة يضع حداً للخطط القطرية. فلو حدث وأثبتت قطر نفسها كشريك غير موثوق به، فستخسر السوق الآسيوية ذات الأهمية الاستراتيجية.
لكن الأهمية القصوى لشن الحرب في أوكرانيا، وإجبار قطر على إعادة توجيه جميع صادراتها إلى أوروبا، ما يضمن لواشنطن ضرب عصفورين بحجر واحد، فتفرض حظراً رسمياً على روسيا، وحظراً فعلياً على الصين، وتعرّض روسيا والصين لأقوى ضربة ممكنة لاقتصاديهما.
في الوقت نفسه، تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بالاكتفاء الذاتي من حيث إمدادات الغاز، وستظل على خلفية ذلك اللاعب الرئيسي الوحيد الذي لم يعان من النقص، وسوف تحيد جميع المنافسين الرئيسيين: أوروبا والصين وروسيا.
يبقى السؤال الوحيد المطروح: هل تدرك قطر المخاطر الجسيمة لسيناريو تواجه فيه قوتين نوويتين على الأقل، روسيا والصين، بتهديد وجودي.
لدي شكوك حول نجاح واشنطن في الضغط على قطر وإقناعها وتوريطها .
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف