بادئ ذي بدء، ذكر بوتين أن العالم قد دخل بالفعل في تغيرات دراماتيكية بسبب تزامن عدد من الأزمات واسعة النطاق، التي أثّرت على جميع مجالات الحياة.
ووفقاً له، فإن النموذج الحالي للرأسمالية قد تآكل، وأصبحت محاولات الغرب لتدمير القيم الأساسية، مثل الأسرة والدولة، تهدد وجوده من ناحية، ومقدر لها الفشل من ناحية أخرى.
لقد فشلت محاولة الولايات المتحدة الأمريكية في تأسيس عالم أحادي القطب، وانتهت الهيمنة الغربية.
وجد الغرب نفسه عاجزاً عن الارتقاء إلى مستوى القيم الإنسانية التي أعلنها بنفسه سابقاً، وبدلاً من ذلك بدأ في التدمير الذاتي.
اقترح بوتين ما يمكن اعتباره بياناً للتغلّب على الأزمة العالمية.
أولاً، أكد الرئيس الروسي على الدور القيادي للدولة، مقابل محاولات العولمة لبناء هياكل بديلة عابرة للأوطان لإدارة المجتمع.
ثانياً، ليست الثورة مخرجاً من الأزمة، وفقاً لبوتين، بل على العكس من ذلك هي طريق نحو تفاقم الأزمة.
ثالثاً، أكّد بوتين على الحاجة إلى الحفاظ على القيم التقليدية، والتخلّي عن المحاولات الغربية لتدمير الأسرة، وتغيير دور الجنسين، إلخ.
بشكل عام، أعلن بوتين أن النزعة المحافظة المعقولة هي أساس المسار السياسي القادر على إخراج البشرية من الأزمة.
من المستبعد أن نطلق على معظم الأفكار التي طرحها الرئيس الروسي جديدة بالنسبة له، فقد طرحت من قبل بشكل أو بآخر، إلا أن لهجة الحزم والصرامة التي استخدمها بوتين كانت غير مسبوقة، ومثّلت تحدياَ مفتوحاً للغرب.
للوهلة الأولى، تعطي أطروحات بوتين الانطباع بدعوة صريحة للمبارزة مع الغرب، وتحدٍ لكل ما يعتبره الغرب أساساً أخلاقياً لقيادته الأيديولوجية المفترضة للعالم.
مع ذلك، لا أعتقد أن الغرب بالتحديد هو المقصود بهذا الخطاب. على العكس من ذلك، مثل هذه النبرة القاسية والحاسمة تشهد بالأحرى على توقّف بوتين عن محاولات إقامة حوار مع الغرب.
كلمات بوتين، التي كانت على الأغلب موجهة إلى أي كان باستثناء الغرب، تعني أن روسيا، التي نجت في القرن العشرين من محاولتين لتدمير ذاتها، تمتلك خبرة فريدة، ومعرفة عميقة وضرورية للبقاء على قيد الحياة خلال الأزمة العالمية الكبرى الوشيكة.
أعتقد كذلك أن حوار بوتين مع الغرب قد انتهى. وربما يكون الإغلاق الأخير لمكتب البعثة الدائمة الروسية لدى "الناتو"، ومكتب "الناتو" في موسكو، مثالاً يؤكد هذا الاستنتاج. يضاف إلى ذلك الزيارة غير الناجحة لنائبة وزير الخارجية الأمريكي، فيكتوريا نولاند، إلى موسكو. أتوقع رؤية المزيد من التأكيدات على هذا الاستنتاج في الأشهر المقبلة.
يمكننا مقارنة أزمة الطاقة وأزمة الغذاء وغيرها من الأزمات الأخرى الوشيكة بتسونامي عالمي، سيكتسح كل ما هو مصطنع وفاسد وغير قادر على البقاء حياً أو كان مختلّقاً على نحو مصطنع.
عملياً، أعلن بوتين عن دعوته للفرقة الناجية التي ستصعد إلى سفينة نوح الجديدة، وحث الجميع على الانضمام.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف