كانت الإجابة عن هذا السؤال بسيطة للغاية قبل 10 سنوات من الآن. رسمياً، كانت واشنطن تضمن "أمن" هذه البلدان، وهو ما يعني عملياً ضمان عدم وجود محاولات للإطاحة بالأنظمة المحليّة من قبل أجهزة المخابرات الغربية، ودعمها في القتال ضد الانتفاضات الشعبية وجميع أنواع التمرد (والتي غالباً ما كان يدعمها الاتحاد السوفيتي في فترة الحرب الباردة)، وكذلك "السلام البارد" مع إسرائيل، والذي لولاه لكان من الممكن أن تدمر إسرائيل بعض هذه البلدان. مؤخراً، ظهر العامل الإيراني في عدد من الدول العربية، ما سمح للولايات المتحدة الأمريكية أن تغرس أظافرها أعمق في جسد هذه الدول.
لكن الزمن يتغيّر، ومعه نرى إسرائيل تتحول تدريجياً من خصم إلى شريك لعدد متزايد من الدول العربية. بل أصبح من الممكن أن تتحول إسرائيل إلى حليفٍ حال تفاقم أي صراع بين الدول العربية الخليجية وإيران.
كذلك فقد كشف الربيع العربي أن الولاء التام للولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن ينقذ ديكتاتوراً عربياً من غضب الشعب، بل ويمكن أن تنقلب واشنطن في أي وقت إلى صف المتمردين، إذا رأت أن النظام متعثّر وأن فرص بقائه مشكوك فيها.
وظهرت عوامل جديدة تفتح هوة بين ممالك النفط الخليجية وبين الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبحت الصين فعلياً المستورد الرئيسي لنفطها، ومن المرجّح أن يستمر هذا التوجّه، خاصة في ظل تنامي ألعاب الغرب بشأن "الطاقة الخضراء".
كل هذا يقوّض ولاء الحلفاء العرب للولايات المتحدة الأمريكية، ويجعلهم يتلفتون حولهم بحثاً عن دعم جديد. على سبيل المثال، منذ شهر، وعلى خلفية إحياء إدارة بايدن قضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، قام وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بزيارة إلى المملكة العربية السعودية. وخلال لقائه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أعرب الأخير عن دعمه للموقف الصيني بشأن هونغ كونغ، وقضية الإيغور، وأعلن عن ثقته بنهضة الصين كقوة رائدة، ووافق على التعاون في مجال تطوير شبكات 5G. بمعنى أن محمد بن سلمان قد انحاز بتحدٍ إلى جانب الصين في أكثر قضايا المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حدة. قبل ذلك، قال الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية، أمين ناصر، إن الشركة ستعطي الأولوية لأمن الطاقة في الصين على مدى الخمسين عاماً القادمة وما بعدها.
ومع ذلك، فقد تغيّر الزمن بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً، والآن أصبحت واشنطن أقل استعداداً لفعل أي شيء من أجل حلفائها، في الوقت الذي أضحت تحتاج إلى المزيد والمزيد من مواردهم، ومستعدة لإجبارهم بحماس على أداء واجبهم، أو إشراكهم في مغامراتها من خلال استفزازات من عينة الانفجار المزعوم لمستودع عسكري تشيكي من قبل "العملاء" الروس بيتروف وبشيروف.
وعلى عكس عدد من الدول الأخرى، فإن بعض الدول العربية (مثل الكويت) لديها التزام أخلاقي حقيقي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. قد ترغب دول الخليج الأخرى في الهروب نحو الصين، لكن الصين لا تزال أضعف من أن تحمي هذه الدول من غضب واشنطن، ومن غير المرجح أن يحدث أي تحوّل في السنوات القليلة المقبلة.
يضاف إلى ذلك العامل الإيراني، حيث تتجه طهران بإصرار نحو امتلاك قدرات تقنية، تساعدها على إنتاج أسلحة نووية. وفي مرحلة ما، قد تتحول الاحتكاكات والاستفزازات الإسرائيلية الإيرانية إلى حرب إقليمية، لا يرجح أن تكون الممالك العربية الخليجية بمنأى عنها. وبالنظر إلى اقتراب مثل هذه الأحداث للغاية، تحتاج تلك الأنظمة الملكية العربية إلى ضمان الدعم الكامل للولايات المتحدة الأمريكية، فلن يكون من السهل التهرّب من الطلبات أو الإملاءات الأمريكية.
في أجزاء أخرى من العالم، تجبر الولايات المتحدة الأمريكية تابعيها حول العالم، بما في ذلك أولئك الذين يأملون حقاً في الحماية العسكرية من واشنطن، على تحمل كل مشاق التبعية الإقطاعية، فيموت جنود من أستراليا وإستونيا وجورجيا وغيرها من البلدان من أجل مصالح الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وغيرها من النقاط الساخنة. وبينما يعتقد الجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية ستقاتل من أجلهم، فإن ما يحدث على أرض الواقع هو العكس.
في الأشهر القليلة الماضية، شهدنا زيادة مستمرة في الاستفزازات المعادية لروسيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، والتي يتم توريط المزيد والمزيد من الدول فيها. وأصبحت أو ربما تصبح أرمينيا، بيلاروس، ترانسنيستريا، دونباس مناطق ساخنة. ويجري التصعيد والسخونة إلى مستويات غير مسبوقة للعلاقات مع أوروبا/الناتو. وتدل محاولة الانقلاب في بيلاروس، عن طريق الاغتيال المخطط للرئيس لوكاشينكو، على غياب أي سقف ومكابح لتصعيد المواجهة مع روسيا. بالتوازي، وعلى الرغم من عدم نجاحها حتى الآن، تُبذل جهود مضنية لزعزعة استقرار الوضع داخل روسيا نفسها.
هناك صراع يختمر في العالم، يحمل كل الفرص للتحول إلى صراع عالمي، وهو الحرب في أوكرانيا. وفي حالة الهجوم على جمهوريات الدونباس، ثم رد روسيا، فإن فرصة أوكرانيا ضئيلة للبقاء على قيد الحياة، لا سيما بالنظر إلى وعد الرئيس بوتين بأن مغامرة كهذه سيكون لها عواقب وخيمة على الدولة الأوكرانية.
وبعكس عدد من المراقبين، أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تُجر إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا. فليس هناك خوف، لدى السياسيين الأمريكيين على الأقل، ممن يعتقدون بأن روسيا لن تجرؤ على استخدام الأسلحة النووية. وقدرة الأسلحة التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن الناتو، تفوق قدرة روسيا بعدد من المرات. بالإضافة إلى ذلك، لا زال الغرب، بقصور ذاتي هائل، جامداً عند فكرة أن روسيا ليست سوى محطة وقود من تسعينيات القرن الماضي.
ومع ذلك، فواشنطن ستؤخر لحظة تورّطها في الصراع قدر الإمكان. ستحاول أيضاً تقليل حصة مشاركتها على حساب الحلفاء، كما تعوّدت دائماً الولايات المتحدة الأمريكية إنشاء تحالفات عسكرية للتغول في المناطق الساخنة حول العالم. ولكن الآن يجب أن يكون هذا التحالف واسع قدر الإمكان، حيث ستواجه الولايات المتحدة هذه المرة ثاني أقوى قوة عسكرية على هذا الكوكب، روسيا. وإذا وصل التصعيد على أراضي أوكرانيا إلى أعمال عسكرية حقيقية على الأرض بمشاركة روسيا، فأنا على يقين من أن الولايات المتحدة ستحاول إشراك جميع حلفائها حول العالم، دون استثناء، بمن فيهم العرب. خاصة إذا سارت الأمور بشكل سيء بالنسبة للتحالف المناهض لروسيا.
وكما أسلفت، بالنسبة للدول العربية، وحتى لأكثرها موالاة للولايات المتحدة، ممن لديها قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها، فإن وضع المشاركة في التحالف ليس واضحاً كما هو الحال بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في أوروبا والمحيط الهادئ. بشكل عام، يمكن للمطالب الأمريكية بالمشاركة في التحالف أن تكون حافزاً لانتقال عدد من هذه الدول إلى المعسكر الصيني، ولكن إذا كانت الصين مستعدة لضمان حمايتهم. وللقيام بذلك، يجب على الصين نفسها أن تتخلى عن آمال تأجيل الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتشرع في طريق المواجهة المفتوحة. لكننا لا نرى ذلك بعد.
على أي حال، حتى ودون تنفيذ أسوأ السيناريوهات، ستواجه المنطقة العربية في المستقبل القريب ضغوطاً أمريكية هائلة لقطع أي علاقات مع روسيا، وخاصة شراء الحبوب والأسلحة. وربما تكون واشنطن قادرة على إجبار كل أو بعض الدول العربية على اتباع تعليماتها. لكن من الوارد أيضاً أن يحدث العكس تماماً، إذا ما رفض جزء ملموس من العرب، وخاصة الممالك النفطية، اتباع تعليمات واشنطن، حيث من الممكن أن يؤدي ذلك إلى رد فعل متسلسل لانهيار نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، وقد يحذو حلفاء واشنطن الآخرون حذو هؤلاء..
الشرق الأوسط هو نقطة ضعف الولايات المتحدة الأمريكية، ومنطقة رئيسية يمكنها تقرير مصير النظام العالمي الراهن. والوضع هناك يحيطه التوتر والغموض.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف