إن هذا النهج الدبلوماسي في حد ذاته يضع موسكو في موقف غير مناسب للغاية. فالبروتوكول الدبلوماسي يقضي بطرد عدد مماثل من الدبلوماسيين التشيك، وربما عدد أكبر، إذا ما رغبت موسكو في إظهار مزيد من الحسم والصلابة. هذا ما حدث منذ أيام، حينما ردّت موسكو على طرد بولندا 3 دبلوماسيين روس بطرد 5 دبلوماسيين بولنديين.
إلا أنني أخشى أن البعثات الدبلوماسية التشيكية في روسيا قد لا يكون لديها ما يكفي لطرد هذا العدد من الدبلوماسيين، أو على أي حال، قد لا يكفي من يتبقى من هذه البعثات لأداء عملها الطبيعي.
سيصاب عمل السفارة بالشلل لفترة طويلة نسبياً، بل إن السفارة، حقيقةً، سوف تغلق. وبعد بولندا والتشيك، قد تستشري موجة طرد الدبلوماسيين الروس، التي أطلقتها واشنطن بدعم أقزام أوروبيين آخرين، خاصة إذا ردت موسكو على براغ بحسم وصلابة.
إن روسيا، في واقع الأمر، وحفظاً لماء الوجه، مدعوّة للتأكيد، بإجراءات عملية، على استعدادها المعلن مسبقاً لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ولا يدور الحديث عن بيروقراطيين من بروكسل، وإنما في البعد الثنائي الأكثر قيمة لموسكو.
أعاود التذكير هنا بأن "العميلين" بيتروف وبشيروف، هما من زعمت بريطانيا بأنهم قاموا بتسميم العميل الروسي السابق، سكريبال، الذي جنّدته المخابرات البريطانية.
وظهور بيتروف مع بشيروف في فضيحة التشيك السخيفة، في رأيي، يشير بلا منازع إلى دور المخابرات البريطانية.
يمكن للمرء أيضاً أن يتذكر فضائح أخرى تتعلق بمحاولات مزعومة من جانب روسيا للإطاحة بسلطات مقدونيا، واختراق مراسلات ميركل، التي يزعم أنها كانت من قبل قراصنة روس، وفضائح التجسس في اليونان وبلغاريا، واستفزازات أخرى مماثلة. بل إن فضيحة "رشا غيت" نفسها كانت نتيجة لتقرير ضابط المخابرات البريطاني السابق، كريستوفر ستيل.
لكن، والحق يقال، لابد وأن نشيد بالبريطانيين، فهم يجيدون اختيار الوقت والمكان المناسبين.
أعتقد أيضاً أن التشيك قد تلقوا الأوامر بالإفراط في الاستفزاز، ولم يكن ذلك بمحض إرادتهم، بل بتنسيق مع إجراءات "شركاء" براغ. فما يسمى الآن بـ "أوروبا الجديدة"، وهي دول أوروبا الشرقية، ليس سوى إقطاعية للولايات المتحدة الأمريكية، وحصان طروادة الأمريكي في الاتحاد الأوروبي، وتلك الـ "أوروبا" تحديداً هي ما يستخدمه الأنغلوساكسون لعزل روسيا.
والمضي قدماً في اللعب على هذا النحو، مع رفع الرهان، سيؤدي إلى إحراق العلاقات ما بين روسيا وأوروبا، أو ستضطر روسيا إلى التراجع وفقدان ماء الوجه، وما يصحبه ذلك من إحباط داخلي، عشية صراع محتمل في أوكرانيا.
لكن هناك منطقة تسير فيها الأمور على ما يرام بالنسبة لروسيا، وهي الدول العربية، والتي يتمتع الكرملين مع معظمها على الأقل بتعاون براغماتي، وفي كثير من الأحيان بشراكة. على أية حال، فهذه الدول لا تشارك في محاولات عزل روسيا، بل على العكس، يتنامى التعاون التجاري والسياسي معها. أعتقد أن الضربة التالية للأنغلو ساكسون ستوجه إليهم، حينما يتضح، فجأةً، بأن روسيا، على سبيل المثال، تتنصت على الرئيس الجزائري، أو تسعى لانقلاب للإخوان المسلمين في مصر، أو أنها سلّمت صواريخ للحوثيين لضرب السعودية. أو لربما تقوم "الخوذ البيضاء" باستفزاز كيميائي جديد. من المرجح أن تحدث مثل هذه الاستفزازات بشكل خاص في الدول العربية الكبيرة، التي يصعب إصدار الأوامر إليها بقطع العلاقات مع روسيا.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف