لقد مرّت الولايات المتحدة الأمريكية بفترة من الهيستيريا الشديدة في الخمسينيات من القرن الماضي، فيما يسمى بالمكارثية، عندما اضطهدت الحكومة الأمريكية بشدة شيوعييها، وشنّت حملة غسيل دماغ ضخمة لشعبها ضد الاتحاد السوفيتي.
حينها لم يتمكن بعض الأمريكيين من تحمّل الدعاية الأمريكية وأصيبوا بالجنون. على سبيل المثال، قام أول وزير دفاع أمريكي، جيمس فورستال، بالقفز من النافذة في مايو 1949، بينما كان يهتف "الروس قادمون" ولقي حتفه.
لم تتغير الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً منذ ذلك الحين. رفع الحزب الديمقراطي الأمريكي، في معركته ضد ترامب، الهيستيريا المعادية لروسيا إلى مستويات غير مسبوقة، حتى بدأ يؤمن بدعايته الخاصة.
وحتى بعد وصول بايدن إلى السلطة، لا تستطيع إدارته، ولا تريد التخلّي عن "السلاح الروسي" ضد ترامب وأنصاره. لذلك، عندما ذكرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في ديسمبر الماضي، أن بعض المتسللين تمكنوا من اختراق الوكالات الحكومية الأمريكية، لم يكن أمام الحزب الديمقراطي خيار سوى الصراخ "الروس قادمون!"، على الرغم من أن واشنطن لم يكن لديها دليل واقعي لاتهام روسيا.
انتهت هذه القصة بحقيقة أن واشنطن وعدت بالانتقام الرهيب، وشنّ هجوم إلكتروني على روسيا، بحيث لن يعرف عن هذا الهجوم سوى بوتين شخصياً...
يوم الثلاثاء، وقع حدثان في الجزء الروسي من الإنترنت.
أولاً، قامت السلطات الروسية بإبطاء سرعة محتوى الفيديو والصوت على موقع "تويتر" في 100% من الأجهزة المحمولة، و50% من أجهزة الكمبيوتر.
كان السبب في ذلك هو تجاهل "تويتر" لمطالب السلطات الروسية منذ عام 2017 بإزالة 3168 محتوى باللغة الروسية تتضمن دعوات للانتحار، ومواد إباحية للأطفال، ومعلومات عن تعاطي المخدرات. قالت السلطات الروسية إن مزيداً من تجاهل مطالبها قد يؤدي إلى حظر كامل لـ "تويتر".
ومع ذلك، وبغض النظر عن السبب الرسمي، فمن الواضح أن شبكات التواصل الاجتماعي الغربية قد تمّ التلميح لها بوضوح أنه إذا ما استمرّت الجهود لزعزعة استقرار الوضع في روسيا، واستمرت الرقابة ضد وسائل الإعلام الروسية، فسيتم اتخاذ تدابير ضد تلك الشبكات.
ثانياً، وفي نفس اليوم، كانت هناك مشكلات في الوصول إلى عدد من المواقع الروسية، وكالات حكومية ووسائل إعلام على حد سواء.
نفت السلطات الروسية المختصة وجود صلة بين الحدثين، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن المشكلات التي عانت منها المواقع الروسية كان هو الهجوم الإلكتروني الموعود.
ووفقاً لبعض التقارير، فقد تم تنفيذ الهجوم من خلال نقاط ضعف هشة في أجهزة أمريكية الصنع.
ومن الجدير بالذكر بأن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها مواقع جهات حكومية روسية لهجمات إلكترونية. وعلى وجه الخصوص، يتعرض الموقع الإلكتروني للجنة الانتخابات المركزية للهجوم بانتظام، بما في ذلك خلال الاستفتاء الذي انتقده الغرب بشأن تعديل الدستور الروسي صيف عام 2020.
بشكل أو بآخر، إذا كان هذا هو "الانتقام الرهيب" لبايدن، فقد مرّ من دون أن يلاحظه أحد تقريباً، تمت استعادة جميع المواقع، وعادت للعمل بانتظام. كانت واشنطن ذكية بما يكفي لعدم تحدي القدر وبدء حرب إلكترونية حقيقية، واكتفت بمحاولة رمزية "لحفظ ماء الوجه" في طريق مسدود، دفع فيه الحزب الديمقراطي نفسه بدعايته.
لكن، في الحرب المعلوماتية الحقيقية، وجّهت موسكو ضربة خطيرة لواشنطن وشبكات التواصل الاجتماعي التي تسيطر عليها. دعونا نرى ما إذا كانت الحرب الباردة في هذا المجال ستنتقل إلى مرحلة التصعيد، أو بالأحرى متى سيحدث ذلك.