يعتزم الاتحاد الأوروبي إدخال نظام جوازات سفر التطعيم، التي ستسمح لحامليها من المواطنين الذين تم تطعيمهم بحرية السفر بين البلدان. وكانت حرية التنقّل بين دول الاتحاد الأوروبي هي أحد الإنجازات الرئيسية، وربما أكبر ميزة شعر بها المواطنون العاديون في الدول الأوروبية في حياتهم الخاصة.
لذلك فإن إدخال جوازات سفر التطعيم، وفقاً لقيادة الاتحاد الأوروبي، يجب أن توفّر هذه الميزة للمواطنين، وتعيد إمكانية عبور الحدود، ولكن من الناحية العملية، فمن المرجح أن تكون لتلك الجوازات نتيجة عكسية.
يرفض عدد كبير نسبياً من المواطنين، بمن فيهم الأوروبيون، التطعيم ولذلك سيحرمون ليس فقط من فرصة استخدام الشنغن، وإنما أيضاً من عبور الحدود الأوروبية. لكن الشيء الرئيسي هو أنه من أجل السيطرة على نظام جوازات سفر التطعيم، سيتعيّن على دول الاتحاد الأوروبي استعادة السيطرة الدائمة على حدودها.
سيؤدي ذلك بلا شك إلى استياء عدد كبير من الأوروبيين، خاصة على خلفية وجود من سيصبح لديهم "جوازات سفر التطعيم" من غير الأوروبيين، وبإمكانهم دخول الاتحاد الأوروبي.
وبعد هنغاريا، بدأت بالفعل الدولة الثانية في الاتحاد الأوروبي، سلوفاكيا، في تطعيم سكانها بلقاح "سبوتنيك V" الروسي، لذلك أعتقد أن الاتحاد الأوروبي لن يكون قادراً على تحويل "جوازات سفر التطعيم" إلى آلية للتمييز ضد روسيا والدول التي تستخدم اللقاح الروسي.
ومع ذلك، فإن الفيروس يتحوّر باستمرار، وهو ما دعا جنوب إفريقيا للتخلي فعلياً عن استخدام لقاح "أسترازينيكا" باعتباره لقاحاً غير فعال ضد سلالة كوفيد الجديدة. وبالتالي، أعتقد أن قائمة اللقاحات المعتمدة في الاتحاد الأوروبي ستتغير باستمرار، ما سيخلق حالة من الفوضى والاستياء بين المواطنين الذين تم تطعيمهم بلقاحات مستبعدة من القائمة.
وينطبق ذلك بشكل خاص على اللقاحات الأقل فعالية، والتي يتم تطويرها وإنتاجها بشكل مستقل في البلدان النامية، ما سيؤدي إلى التمييز ضد مواطني هذه البلدان.
وفي البلدان الفقيرة، سيتأخر التطعيم حتى دون اعتبار ما سبق، ومن غير المرجح أن يصل إلى نسبة كبيرة من السكان على الإطلاق، نظراً لطفرة الفيروس، وعدم فعالية اللقاحات لقدمها بالنسبة لتلك الطفرات.
وعلى ما يبدو، من المستبعد أن ينتهي الوباء هذا العام أو العام المقبل، ما يعني أن القيود على الحركة ستبقى، ومن غير المحتمل أن تكون "جوازات سفر التطعيم" فعّالة، بل ستتحول إلى عامل مزعزع للاستقرار وقد تفكك الاتحاد.
أعتقد أن القيود على الحركة ستبقى حتى انهيار الاتحاد الأوروبي لأسباب اقتصادية، لكن هذا الموضوع يحتاج مقالة أخرى منفصلة.
لقد انتهت العولمة بالفعل، ومن الآن فصاعدا، سنرى علامات جديدة على العودة إلى عالم أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، عندما كان السفر إلى الخارج امتيازاً يخص الأثرياء وحدهم.