مباشر

لماذا لم تترنح شعبية بوتين بعد الاحتجاجات وفيلم "القصر"؟

تابعوا RT على
اليوم، أصبح بإمكاننا الحديث فعلياً عن الفشل الكامل لمشروع نافالني الذي ينظمه الغرب لزعزعة الاستقرار في روسيا.

أجرى "مركز ليفادا" لاستطلاعات الرأي، الممول من الغرب (أي المستقل بالكامل عن الكرملين)، استطلاعات للرأي حول الاحتجاجات التي اندلعت مؤخراً جراء القبض على "المعارض" الروسي، أليكسي نافالني، وفيلمه عن "القصر" الذي يزعم أن ملكيته تعود لبوتين.

فيما يتعلق بالاحتجاجات، فقد شجب الاحتجاجات 39% من عينة الاستطلاع، بينما أبدى 37% منهم عدم اكتراثهم، وأيّد هذه الاحتجاجات فقط 22% من العينة.

ومن بين من شملهم الاستطلاع، يعتقد 48% منهم أن الأوضاع العامة في البلاد كانت وراء خروج المحتجين، و28% يعتقدون أن المحتجين حصلوا على مقابل مادي، ويعتقد 19%ا فقط أن المحتجين خرجوا بسبب سخطهم بعد مشاهدة الفيلم.

 في الوقت الذي كان فيه عدد الراغبين بالمشاركة في الاحتجاجات نظرياً قليل، حيث عبّر 17% من عينة استطلاع الرأي عن استعداداهم للاحتجاج لأسباب اقتصادية، و15% فقط عن استعدادهم للاحتجاج لأسباب سياسية، مع ملاحظة أن التصريح بالاستعداد نظرياً للمشاركة في الاحتجاجات والنزول إلى الشارع أمران مختلفان.

وبصدد الموافقة على أداء الرئيس فقد ظلت شعبية بوتين عند مستوى 64%. وأما عينة استطلاع الرأي وسط فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، والذين يشكّلون القاعدة الرئيسية للاحتجاجات، فقد بلغت نسبة الموافقة على أداء الرئيس 51%. وهنا أود الإشارة إلى أن شعبية بوتين كانت أعلى من مستوياتها الراهنة بشكل ملحوظ فقط بعد إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا.

في الوقت نفسه، نلاحظ أن العالم بأسره يعاني من صدمة بسبب الجائحة، وانخفاض مستوى المعيشة في كل مكان، بينما يتزايد الاستياء من أداء الحكومات بشكل عام. على خلفية ذلك، فإن نتيجة بوتين الإيجابية تستحق الإعجاب.

كذلك فإن ثلث من شاهدوا فيلم "القصر" (33%) متأكدون أن المعلومات الواردة فيه غير صحيحة، و38% يعتقدون أن ما ورد في الفيلم يمكن أن يكون صحيحاً، إلا أنه من الصعب تقييم مصداقية الاتهامات، بينما يثق في صحة ما ورد في الفيلم 17%.

أعاود التذكير بأن عدد مشاهدات الفيلم على موقع "يوتيوب" يتجاوز اليوم 112 مليوناً، وهو أكثر بقليل من عدد الناخبين في روسيا.

وبعد مشاهدة فيلم "القصر"، تحسّن موقف 3% من عينة الاستطلاع تجاه فلاديمير بوتين، و77% لم يتغير رأيهم بشأنه، و17% أدى الفيلم إلى تغير موقفهم إلى الأسوأ.

وأجازف بالإشارة هنا إلى أن هذه النسبة ممن تغير موقفهم إلى الأسوأ (17%) لم يُضافوا إلى معارضي بوتين، بل كانوا ببساطة معارضين له بشكل قاطع، وازدادت درجة تطرفهم لا أكثر، وتلك النسبة دائماً ما كانت تحوم حول 15% طوال العشرين عاماً الماضية.

ربما تكون هذه هي النتيجة الوحيدة لجميع الجهود الجبارة لأجهزة الاستخبارات الغربية التي تهدف إلى زعزعة استقرار الوضع في روسيا.

فماذا أظهر فلاديمير بوتين، بأنه لا يقل عن دونالد ترامب قدرة في الحفاظ على شعبيته فلا تلتصق به الاتهامات، التي ظلت جميع وسائل الإعلام الأمريكية ترميه بها، بينما كانت تصفه بعميل روسيا لأكثر من 4 سنوات، في الوقت الذي لا زال 75 مليون أمريكي (تقريباً جميع الناخبين البيض المحافظين داخل الولايات المتحدة الأمريكية) مستعدين للتصويت لصالحه، علاوة على ذلك تظهر تلك القاعدة الانتخابية قدرة غير مسبوقة على الحشد.

إن الجواب بسيط. في السنوات الأخيرة، أصبحت صورة العالم التي ترسمه لنا وسائل الإعلام الغربية الرئيسية وعدد من وسائل الإعلام العربية لا تتفق مع الواقع على الأرض، ولا تتطابق معه تماماً، فقد ظهرت فجوة بينهما. حتى أن المواطنين الأمريكيين أنفسهم، ممن تعرّضوا لغسيل دماغ لعقود مضت، توقفوا عن تصديق الإعلام الأمريكي.

ففي وسائل الإعلام الغربية وعدد من وسائل الإعلام العربية، تبدو الولايات المتحدة الأمريكية بلداً ديمقراطياً و"زعيمة العالم الحر"، والاقتصاد ينمو، والبورصات في انتعاش دائم، والأمريكيون يكرهون ترامب، والأبقار تولّد الكثير من ثاني أكسيد الكربون، وهو الأمر الذي يزعج بشدة "غريتا تونبرغ"، والعالم كله حريص على تقنين زواج المثليين، بينما تتدخل روسيا الاستبدادية في جميع الانتخابات حول العالم، وتقمع بشدة الاحتجاجات الضخمة التي اندلعت بسبب اعتقال "زعيم المعارضة" أليكسي نافالني.

ولكن، في هذا العالم الافتراضي، لا يوجد أسانج، ولا توجد أزمة اقتصادية وسياسية يواجهها الغرب، ولا يوجد قمع كامل ضد مؤيدي ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يوجد فرض لقيم المثليين، ولا توجد رقابة في وسائل الإعلام الغربية وشبكات التواصل الاجتماعي، ولا عدوان للولايات المتحدة على دول أخرى، ولن ينهار الدولار بسبب هرم الديون وطباعة تريليونات الدولارات غير المغطاة.

 بالطبع فإن الواقع عكس ذلك، وهو يحيّد الدعاية.

لقد دخل العالم في أزمة ضخمة، ليست اقتصادية فحسب، وإنما أزمة حضارية أيضاً، أزمة قيمية. إنه نوع من الحرب الأهلية العالمية، يقف على جبهتي الصراع فيها أنصار العولمة من جهة، والمحافظون من جهة أخرى، بينما يمر خط الجبهة داخل المجتمعات. وفي كل دولة هناك قوى موالية للبلاد، وأخرى تابعة لنخب العولمة وللأشخاص المضللين بدعايتها. وتمثل تلك "الحرب المقدسة" بالنسبة للطرفين حرباً يلعب فيها الزعماء مجرد دور ثانوي.

وفي إطار هذه النموذج، وعلى الرغم من أن بوتين وترامب يقفان على ضفتين متقابلتين كدولتين متنافستين، إلا أن مؤيدي ترامب وأنصار بوتين يشتركون في استعدادهم لدعم قادتهم على الرغم من عيوبهم، ولكن ذلك فقط في حال إذا كان هؤلاء القادة على مستوى المهمة الرئيسية التي يحمّلها الشعب لهم، وهي الحماية الفعالة ضد الأعداء، وكسب هذه الحرب. لحسن الحظ بالنسبة لروسيا، فقد تعلّم مواطنوها من خلال تجربة انهيار الاتحاد السوفيتي، وفترة التسعينيات الرهيبة، لهذا فإن الشعب يمنح دعماً راسخاً لا يتزعزع ليس موجهاً لشخص الرئيس بوتين تحديداً، بقدر ما هو موجه لمسيرته نحو التنمية والاستقلالية عن الغرب. وطالما كان بوتين ينجز هذه المهمة بنجاح، فإنه يضمن بذلك دعم الشعب الروسي.

أما بالنسبة للغرب، فإن إحدى مشكلاته الرئيسية هي أن النخب الغربية قد بدأت تصدّق دعايتها الخاصة، وبالتالي بدأت في اتخاذ قرارات خاطئة، حيث أن تلك النخبة المؤيدة للعولمة أصبحت على يقين من أنك إذا خلقت بيئة أو صورة معينة في العالم الافتراضي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وتجاهلت الواقع تماماً، فسيصبح الواقع هو ما يرسمونه في أحلامهم.

وهذا هو الطريق المباشر للهزيمة، بينما سيكون النصر حليفنا.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا