إن لدي خبرة طويلة كمواطن روسي، في مراقبة الشدائد، من واقع ما مرّت به روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. وكاقتصادي، أرى توازيا بين ذلك وما يحدث في الدول العربية، ومنها على سبيل المثال، ما يجري الآن في اكتتاب أرامكو السعودية.
في روسيا، كان هناك ما سمي بـ "الاكتتاب العام" لمصرف يسمى "في تي بي" عام 2007، وكما حدث مع أرامكو السعودية، فإن الأسواق الأجنبية تعاملت مع مستقبل هذا الاكتتاب ومع المبلغ الذي طلبه هذا المصرف الروسي الضخم بتشكك، ما دفعه للجوء إلى المواطنين الروس من أجل الأموال.
اندفع المواطنون الروس بكل حماس ونشوة، كما حدث في السعودية، ولا عجب، فهو أكبر المصارف الروسية، وكانت سوق الأسهم ترتفع باستمرار، كما أن ملكيته تعود للحكومة، ما يعني أنه محصن ضد الإفلاس بحكم التعريف. وعلى الفور تراصت الطوابير الطويلة أمام نقاط بيع أسهم المصرف لشرائها.
تم بيع مليار ونصف المليار سهم تمثل 22.5% من رأس مال المصرف، وتمكن البنك من الحصول على 8 مليارات دولار، بينما كانت الرسملة المصرفية له في ذلك الوقت تبلغ 35.5 مليار دولار.
انتهت عملية البيع، وفي 17 مايو عام 2007، بدأت المضاربات بسعر ابتدائي 13.6 كوبييك للسهم الواحد (الروبل=100 كوبييك)، لكن سعر السهم بدأ في الهبوط حتى وصل عام 2009 إلى 2 كوبييك للسهم الواحد، وبحلول عام 2017 فقد المستثمرون على المدى الطويل 50% مما أودعوه في أسهم مصرف "في تي بي"، وذلك مع الأخذ في الاعتبار أن المصرف أجرى عام 2012 عملية شراء واسعة لأسهم مستثمري "الاكتتاب العام" بسعرها الأصلي، تجنبا للغضب الشعبي. في نهاية المطاف تعيّن على الحكومة إنقاذ المصرف، واشترت جزءا من أسهمه، وخسرت الموازنة الحكومية.
هل أنا وحدي من أرى ذلك التوازي بين "في تي بي" وأرامكو السعودية؟
لا يتفق المستثمرون الأجانب مع السعر الذي طالبت به أرامكو السعودية، بينما تبدو آفاق أسعار النفط، في ظل شبح الأزمة الاقتصادية العالمية المقبلة، وانخفاض الطلب على المواد الخام والطاقة، ضبابية للغاية. بل إن سوق الأسهم العالمية بمجملها على حافة الانهيار، ولا يؤجل ذلك التدهور سوى "التسهيلات الكمية" QE المتدفقة من المصارف المركزية الغربية. وكل ذلك أمر مؤقت! علاوة على ذلك لا يلوح في الأفق أي تحسن للوضع المالي في المملكة العربية السعودية، التي تحافظ على عجز في الموازنة، يمكن أن يجبر الرياض على بيع حصص أكبر وأكبر من أسهم الشركة، قد يؤدي إلى انخفاض أسعارها. وسوف يكون من الصعب على المملكة العربية السعودية العثور على أموال لشراء هذه الأسهم مرة أخرى، إذا ما رغبت في ذلك.
لا أعتقد أن أسهم أرامكو السعودية يشتريها الفقراء بآخر ما تبقى لديهم من أموال، لكن الروس في تسعينيات القرن الماضي، على سبيل المثال، تعاملوا مع الفقر وضياع الأموال على نحو أكثر حكمة من اللبنانيين الذين يخرجون إلى الشوارع لأسباب، تبدو للروس مثيرة للضحك. أتصور أن السعوديين أيضا لم يتعودوا على الشدائد، وقد يعتبرون فقدان جزء كبير من مدخراتهم صدمة كبيرة، تدفعهم إلى الاحتجاج.
لقد تجاوز عدد المواطنين المساهمين أكثر من 4 ملايين مساهم في الاكتتاب المبدئي، وهو ما يبدو حتى الآن نجاحا، لكن إذا ما هبطت أسعار الأسهم على نحو كبير، فإن هذه الملايين سوف تسبب صداعا للرياض.
من وجهة نظري، أرى أن طرح الأسهم في السوق الداخلية بين المواطنين السعوديين، قد يأتي بنتائج إيجابية متمثلة في الحصول على أموال على المدى القريب، لكنه يحمل مخاطر كبيرة للاستقرار السياسي على المدى البعيد، ويعد خطأ كبيرا من السلطة السعودية في ظل الظروف الراهنة.
أنا رجل محافظ، أفضل التطور عن الثورة، وأتمنى ألا تكون توقعاتي في محلها، وأدعو السعوديين إلى الحفاظ على الهدوء، ورفع شعار "الاستقرار بأي ثمن" من جانب السلطة، والشعب في ظل الوضع الحالي.
لقد انتهت مرحلة الاكتتاب الشعبي على أسهم أرامكو السعودية، وبموعد نشر هذا المقال سوف تكون عملية الاكتتاب للشركات قد انتهت، لذلك أستطيع أن أدلي بتحليلي، دون أن أتهم بمحاولة التأثير على سير الاكتتاب. كنت أود أن أكون مخطئا، لكنني أخشى أن تكون امكانية تحقق السيناريو الذي أتحدث عنه كبيرة.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف