مباشر

أيهما أهم.. نفط روسيا أم السعودية؟

تابعوا RT على
من المتوقع قريبا، وفقا لتقديرات "بلومبرغ"، أن تتفوق روسيا على المملكة العربية السعودية من حيث الاحتياطات الدولية المؤلفة من الذهب والنقد الأجنبي، فما الذي يمكن أن يعنيه ذلك؟

لقد ارتفعت احتياطيات الذهب والنقد الأجنبي في روسيا في السنوات الأربع الأخيرة بنسبة 45%، ووصلت في يونيو الماضي إلى 518 مليار دولار، في الوقت الذي تراجعت فيها احتياطيات السعودية حتى مستوى 527 مليار دولار.

ووفقا لتوقعات "بلومبرغ" فإن الاحتياطيات السعودية مرشحة لمواصلة التراجع بسبب العجز الهائل في موازنة الدولة (36 مليار دولار سنويا)، والانخفاض الافتراضي لأسعار النفط، مع ارتفاع التكاليف الإنفاق الاجتماعي.

لكن وكالة "بلومبرغ"، واستنادا إلى هذه البيانات، قفزت إلى استنتاج أن هذا الوضع سوف يغير من ميزان القوى في معسكر الدول المنتجة للنفط، وسوف يؤدي إلى تقويض منظمة "أوبك".

أتصور أن "بلومبرغ" هنا تحاول الربط بين مفاهيم غير قابلة للربط، لأهداف استفزازية. فحجم الاحتياطيات المالية لا يجسد وزن الدولة فيما يتعلق بقضايا النفط، بل أرى في ذلك محاولة من جانب الغرب لعرقلة التعاون بين روسيا والمملكة العربية السعودية، أكثر من إثبات التنافس الواقعي بين موسكو والرياض.

لكنني أجد في ذلك أيضا مناسبة رائعة لطرح قضيتين في غاية الأهمية.

القضية الأولى

هل يمثل حجم الاحتياطيات في الظروف الحالية ميزة أم هشاشة إضافية؟

على المدى القصير، يشكل تراجع الاحتياطيات السعودية بالطبع هشاشة للبلاد أمام الهزات المفاجئة، لكن يتعين الاعتراف بأن المملكة العربية السعودية تتبع سياسات أكثر رشادة عن روسيا على المدى البعيد، من خلال استنفاذها لاحتياطياتها من النقد الأجنبي قبل فقدان تلك الاحتياطيات لقيمتها الحقيقية، إلا أن ذلك على الأغلب ليس اختيارا حرا، لكن تفرضه الظروف.

إننا نعيش المرحلة الأولى من حرب العملات، حيث تسعى الاقتصادات العالمية الكبرى إلى إضعاف عملاتها، بينما تخفض في الوقت نفسه من قيمة احتياطياتها المخزنة بقيمة هذه العملات. ومع اقتراب انهيار الهرم الائتماني، فإن ذلك يهدد بـ "تصفير" كل الاحتياطيات. وهو ما يطرح السؤال: أليس من الحمق إذن الاحتفاظ باحتياطيات، تتجسد قيمتها في أوراق، تطبعها بنوك أوروبية وأمريكية وغيرها من كبرى البنوك المركزية، بمجرد الضغط على زر في الحاسوب الآلي؟ إن البنك المركزي الياباني يرفع من قاعدته المالية بالين الياباني سنويا بمقدار تريليون دولار تقريبا. أما البنوك المركزية الأمريكية والأوروبية فقد طبعت بالفعل تريليونات من عملتها، ويبدو أنها تعتزم ضخ هذه العملات في المستقبل القريب.

إنها نفس التريليونات من الدولار واليورو والين، التي طبعتها البنوك المركزية، ووجدت سبيلها إلى أسواق البورصات العالمية، منذ أزمة 2008 الاقتصادية، ورفعت أسعار الأسهم إلى أكثر من 3 أضعاف، دون ارتفاع مواز في الإنتاج وأرباح الشركات. إنها فقاعة مالية شديدة الضخامة، لم يسبق لها مثيل في التاريخ. وحينما ينهار الهرم الائتماني، فسوف يؤدي ذلك حتما إلى انهيار أسواق البورصات، وسوف تهرب رؤوس الأموال من الأسهم الافتراضية نحو أصول من المواد الخام، والعقارات، وقبل ذلك كله الذهب. متى سيحدث هذا؟ لا أحد يعلم، قد يحدث الخريف المقبل، إذا ما أعلنت الأرجنتين على سبيل المثال عن إفلاسها، وبدأت في سلسة التفاعل العنقودي الذي سيضرب أسواق العالم. وقد يحدث بعد عدد من السنوات، لكن الأهم من ذلك أننا نرى الوضع في الأسواق الاقتصادية العالمية يتدهور بوتيرة متسارعة.

وعاجلا أو آجلا، سوف تواجه العملات التي تضاعف حجم تداولها منذ عام 2008 عدة مرات، دون أي زيادة موازية في الناتج الإجمالي المحلي، تضخما هائلا. ونعني هنا الدولار واليورو والين، وكثير من العملات الأوروبية الأخرى، بالإضافة إلى اليوان الصيني، وسوف تتبخر الاحتياطيات الاستراتيجية لدول العالم الثالث، المحفوظة بقيمة هذه العملات. سوف يتبقى حينئذ الذهب على هيئة سبائك ونقود. لهذا السبب، نرى ارتفاعا ملحوظا في أسعار الذهب، لكنها بداية الطريق فقط. ولهذا السبب أيضا تعيد دولا مثل ألمانيا وغيرها احتياطياتها من الذهب إلى البلاد من البنوك الأمريكية والبريطانية، حيث كانت تخزنها، بينما لم تتمكن فنزويلا من فعل ذلك، فصادرت بريطانيا مخزونها من الذهب لديها.

من هذا المنظور، فإن روسيا تسبق المملكة العربية السعودية بكل تأكيد، حيث يبلغ حجم الذهب الذي تمتلكه روسيا نحو 7 أضعاف ما تمتلكه المملكة، فبينما تمتلك السعودية مخزونا قدره 323 طنا من الذهب، تتصدر روسيا قائمة الدول التي تواصل رفع مخزونها من الذهب، حيث يتوقع الخبراء أن يصل هذا المخزون بنهاية عام 2019 إلى 2400 طن، لتتفوق روسيا بذلك على فرنسا، وتشغل المرتبة الرابعة في العالم.

القضية الثانية

إن الركود العالمي المتعاظم سوف يضرب بالتأكيد الطلب على النفط، وبالتالي سعره. وعلى هذه الخلفية، وحتى بدونها، فإن حجم العجز في موازنة المملكة العربية السعودية سيصل إلى مستويات فلكية، وسوف يتسارع إيقاع انخفاض الاحتياطيات التي سوف تساهم بالطبع في تخفيف حدة الصدمة، إلا أنها لن تنجح في ذلك طويلا، إذا لم يسبق تلك اللحظة "تصفير" قيمة هذه الاحتياطيات.

يدفع هذا كله الرياض إلى اتخاذ إجراءات طارئة للحفاظ على أسعار مناسبة للنفط، بما في ذلك التعاون مع روسيا في إطار منظمة "أوبك+"، إلا أن أسعار النفط بدأت فعليا في التراجع، لمجرد ظهور أخبار تخص الإفلاس المحتمل للأرجنتين، ومظاهرات هونغ كونغ والحذر من تبعات تلك الأحداث. بالإمكان القول بكل تأكيد إن الوضع الاقتصادي في العالم ماض نحو التدهور، وقريبا سوف يصبح العرض أكبر بكثير من الطلب على الذهب الأسود.

وسيصبح أمام الدول المنتجة للنفط، في ظل هذه الظروف خياران، فإما خوض حرب أسعار ضد بعضهم البعض، أو الاتفاق بشأن التنسيق بين الدول في خفض الإنتاج.

وما زالت روسيا والمملكة العربية السعودية تجدان لغة حوار مشترك بهذا الصدد، بصرف النظر عن اختلافهما بشأن قضايا أخرى سياسية متعددة. إلا أن شراسة المنافسة وصعوبة الوضع الداخلي، يمكن أن تؤثران على إمكانية التوصل لحلول وسط.

وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن على روسيا والمملكة العربية السعودية أن تبحثا سبل التوصل لآليات لتعزيز التنسيق والتعاون لتحقيق المصلحة المشتركة للبلدين، وأعتقد أن محاولات أطراف ثالثة عرقلة ذلك تؤكد على أهمية هذا التعاون.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا