حيث قام مسؤول مصري، وصف بأنه رفيع المستوى، بزيارة سرية خاصة إلى الرياض، التقى خلالها عددا من كبار المسؤولين السعوديين وبحث معهم الخلافات القائمة بين البلدين، وسبل تجاوزها. ويأتي اللقاء بعد زيارات خاصة قام بها وفد سعودي إلى القاهرة لم يعلن عنها في العاصمة المصرية.
وتكاملت الجهود الثنائية مع محاولات عديدة، بذلها الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، سعياً للتغلب على الأزمة بين البلدين. غير أن تلك الجهود لم تسفر عن حل، وإن كانت الأجواء المصاحبة لتلك المحاولات تنم عن رغبة الطرفين في احتواء الخلافات، ما دفع كلا من الكويت والإمارات إلى التدخل للبناء على المحاولات الجارية، والسعي للتغلب على العثرات.
وبحسب مصادر مقربة من دوائر صنع القرار، فقد أسفرت الجهود، التي بذلها الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد العام للقوات المسلحة الإماراتية، والشيخ، صباح الأحمد، أمير الكويت، عن انفراج في العلاقات، حيث لمس الجانبان تفهما واضحا من القاهرة والرياض، وحرصاً على الإلمام بكل التفاصيل التي تقود إلى تجاوز الأزمة.
وبحسب المصادر، فقد أبلغت الرياض القيادتين الإماراتية والكويتية أن مصر والسعودية دولتان شقيقتان، وأن المملكة تكن كل الاحترام للقيادة المصرية وللشعب المصري، وأنها منفتحة على أي حوار مع مصر حول القضايا الإقليمية باعتبار القاهرة عنصرا مهما لضمان الأمن القومي العربي والإقليمي، وهو ما أكدته القيادة المصرية؛ مشيرة إلى أن ما بين السعودية ومصر مجرد تباين في المواقف، أكثر من كونه خلافا سياسيا.
وأوضحت المصادر أن سبب الأزمة في العلاقات المصرية-السعودية قد يكون الموقف من الأوضاع في سوريا. وكذلك دور الإعلام في تصعيد الأزمة، حيث راحت وسائل الإعلام، لدى الجانبين، تدفع بالأزمة نحو الاشتعال عبر سلسلة من الحروب الإعلامية، سرعان ما تبنتها مواقع التواصل الاجتماعي، وتبادل اتهامات بلغت حد التلويح بورقة طرد العمالة المصرية من السعودية، والذين يتجاوز 2,5 مليون مصري.
أما ردود الفعل المصرية الغاضبة، فتبلورت إثر توقف شركة "أرامكو" السعودية عن إمداد مصر بحصة النفط المتفق عليها وفقا لاتفاق سابق، حيث رأت أوساط مصرية أن القرار السعودي استهدف الضغط على القاهرة، رداً على موقفها الداعم للقرار الروسي بشأن سوريا، في أكتوبر /تشرين الأول الماضي، الأمر الذي نفته المملكة، مرجعة القرار إلى إعادة ترتيب الحصص النفطية على ضوء قرار منظمة أوبك تخفيض الإنتاج، وهو مبرر لم يلق قبولا من المصريين والقيادة السياسية المصرية، حيث ألمح الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي أكثر من مناسبة، إلى رفض مصر الضغوط في انتهاج سياستها الداخلية والخارجية وتبني المواقف، التي تخدم رؤاها السياسية للأوضاع داخل مصر أو في المنطقة عموما.
ومما ضاعف من تصاعد الأزمة بين البلدين هو التعثر، الذي رافق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والموقعة بين البلدين وبحضور الرئيس، عبد الفتاح السيسي، والعاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، في الثامن من أبريل /نيسان الماضي، حيث جوبهت الاتفاقية بمعارضة واسعة من الرأي العام المصري، ورُفع بشأنها العديد من القضايا أمام المحاكم المصرية، كان آخرها الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا، في السادس عشر من يناير/كانون الثاني الجاري، والذي قضى ببطلان الاتفاقية، وبمصرية جزيرتي تيران وصنافير، وهو الحكم الذي ضاعف من حجم التلاسن، سواء في وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبحسب المصادر، فعلى الرغم من الجدل المتصاعد حول جزيرتي تيران وصنافير، فإن الجانبين المصري والسعودي أبلغا الدولتين الوسيطتين (الكويت والإمارات) أن تلك القضية لا تمثل "لب الخلاف" بين البلدين. وألمح الجانب السعودي إلى أن المملكة تدرك أن القضية اتخذت بعدا وطنيا في مصر؛ لافتا إلى أن اتفاقية ترسيم الحدود بين الدولتين، كانت تستهدف في الأساس تحقيق مصالح اقتصادية مشتركة للبلدين، سواء عبر إقامة منطقة للتجارة الحرة، تكون الجزيرتان نقطة ارتكاز لها، أو عبر إعادة استغلال الحقوق الاقتصادية في مياه البحر الأحمر، من استغلال الثروات الطبيعية والبترولية في نطاق المياه الإقليمية التابعة لها، ورأت أن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين تم استغلاله بمنطق تصفية الحسابات من قبل الأطراف المتربصة بالعلاقات المصرية-السعودية، ورفض بعض القوى للطموح الاقتصادي للتعاون بين الدولتين.
ومع أن جهود الوساطة، والتي تبذلها كل من الكويت والإمارات لرأب الصدع، لم تصل إلى نتائج محددة لتسوية الخلافات، إلا أن ارتياح القيادة في البلدين إزاء النتائج المرتقبة لتلك الوساطة تنبئ بتطور مهم قد "يعيد المياه إلى مجاريها" في القريب العاجل.
محمود بكري