هكذا بدأ مروان حديثه معنا في مقبرة (العائلة) والجيران، بحديقة الحي الصغيرة في حلب.. ينظر إلى الشواهد غير قادر على إخفاء غضبه يتمتم بالفاتحة وهو يشكر الله على أنه ربما سيتمكن بعد فترة وجيزة من التخلص من كابوس وجود كافة أفراد عائلته تحت التراب بالقرب من سرير المنزل.
قريبا إن شاء الله سأنقلهم إلى المقبرة الحقيقية.. سيبقى التراب الذي لفهم قربي، ولكني لم أعد أستطيع العيش بجوار قبورهم، أريد أن يكونوا حيث جميع البشر.
الأفكار والخواطر هذه لا تصبح واقعا إلا في وطن تحول إلى حلبة صراع، وباتت اللغة الوحيدة التي تفهم فيه هي الموت، الموت المجاني المجنون.
وشهدت حلب كبعض المدن السورية التي اجتاحتها موجات عنف، دفن جثث أبنائها على عجل في الحدائق مؤقتا، بانتظار استتباب الأمن.
الحديقة أصبحت تضم قبور العشرات الذين توفوا من أبناء المنطقة، وبينهم جنود يتم تشييعهم رسميا بالمراسم العسكرية في المشافي، لتسلم جثامينهم لذويهم بعد ذلك. ليس بإمكان ذويهم دفنهم في مقبرة الشهداء بالقرب من حلب. قد يتعرض الموكب للنيران حالهم حال جميع المدنيين.
يعتبر مروان نفسه محظوظا جدا كونه تمكن في هذه الظروف من دفن والده وشقيقه الصغير ووالدته التي توفيت إثر مرض عضال بينما قضى الحاج رجب والطفل يحيى في حادثتين منفصلتين لسقوط قذائف. ويشير هنا مروان إلى أناس اضطروا لدفن أحبائهم في منصّف الطريق وكتابة اسمه على الشجرة الأقرب في أمل أن يبقى هو حيا ويعيد نقل الجثمان إلى مثواه "بعد الأخير".