الجدل يحتدم حول جدوى النصوص القانونية والعقوبات السالبة للحرية، التي تضمنها الفصل 52 من قانون المخدرات في تونس، الذي تعهد بمراجعته الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في وعوده الانتخابية، والذي رأى فيه حينها حكما جائرا وقاسيا على الشباب، مستهلك مادة القنب الهندي، أو ما يعرف بالعامية التونسية "الزطلة".
القانون 52
يفرض القانون 52 على مستهلكي المواد المخدرة عقوبة تتراوح بين سنة و5 سنوات سجن، وغرامة تتراوح بين ألف و3 آلاف دينار (500 إلى 1500 دولار).
وقرع المحامون والناشطون في مجال حقوق الإنسان نواقيس الخطر منذ فترة، من خطورة القانون 52؛ داعين إلى تنقيحه وتعديله، وذلك بالنظر إلى أن العمل به لم يسجل أي نتائج إيجابية، وتسبب بضياع مستقبل العديد من الشباب التونسيين، وخصوصا المستهلكين للمرة الأولى.
وتشير دراسات إلى تفاقم هذه الظاهرة بين طلاب المدارس في السنوات الأخيرة، فيما تبلغ نسبة المستهلكين لمن سنهم أقل من 17 عاما 13.7 في المئة، بحسب تصريحات وزيرة الصحة التونسية سميرة مرعي.
ورأت الوزيرة التونسية أن القانون عدد 52، المتعلق بالمخدرات، تعامل مع الشباب من المستهلكين لهذه المادة كـ "مجرمين"؛ مؤكدة ضرورة حصر العقوبات بالمروجين فقط.
القانون الجديد
ومنذ 31 ديسمبر/كانون الأول 2015، اتجهت الحكومة التونسية إلى إنهاء هذا الجدل؛ ما تُوج بمشروع قانون جديد نشرته وزارة العدل، على أن يتم عرضه على البرلمان لمناقشته لاحقا.
ومن أبرز خصوصيات هذا القانون الجديد أنه يعطي المستهلك حق التمتع بنظام علاجي ونفسي واجتماعي، قبل أي ملاحقة قضائية، وذلك عبر لجان طبية، تحدد ما إذا كان المستهلك في حاجة إلى نظام طبي معين أم لا. وفي حال تجاوبه مع العلاج تتوقف المحاكمة بحقه. أما في حال الانقطاع والعودة إلى الاستهلاك، فهو مهدد بعقوبة بغرامة مالية بين ألف وألفي دينار، وفي حال العودة مرة ثانية، تتراوح الغرامة بين 2000 و5 آلاف دينار.
أما في المرة الثالثة، فهو مهدد بالسجن من 6 أشهر إلى سنة، وغرامة تراوح بين 2000 إلى 5 آلاف دينار (من 1000 إلى 2500 دولار)، وفي حال رفض الخضوع للعينة البيولوجية، فإن مشروع القانون ينص على عقوبة من 6 أشهر إلى سنة سجن، بحسب وزارة العدل.
وفي تصريح لـ RT، أكد النائب عن حزب "حركة النهضة" عضو لجنة التشريع العام بشير الخليفي أن هناك اتفاقا مبدئيا حول تتبع وتشديد العقوبات على المروجين للمواد المخدرة وتوفير العلاج اللازم للمدمنين تحت سلطة القضاء، لكن النقاش يبقى مفتوحا حول العقوبات المفروضة في انتظار صياغة جديدة ستقدمها وزارة العدل في غضون أيام.
القانون الجديد أرض خصبة لتنامي الظاهرة
وأثار القانون الجديد موجة من الانتقادات من قبل بعض النواب الرافضين له، إذ يرون فيه بوابة ستفتح على مصراعيها لاستهلاك المخدرات من دون عقاب، وستنجم عنه آثار سلبية على صحة الفرد والمجتمع والاقتصاد.
وتشمل انتقاداتهم أيضا التهاون مع المستهلكين لمادة القنب الهندي، الذي سيُفقد القانون جانبه الردعي ويجعل المستهلك في مأمن من أي مساءلة قانونية؛ ما قد يسهم في تفشي الظاهرة وتناميها بدلا من الحد منها.
التخفيف من اكتظاظ السجون
على ضوء تصريحات وزير العدل التونسي غازي الجريبي، التي أقر فيها بإيداع 6700 شخص السجون بتهم متعلقة بجرائم المخدرات، برر نواب آخرون مساندتهم لمشروع القانون الجديد؛ لافتين إلى أن الوضع في السجون التونسية ومراكز الإيقاف يستوجب إعادة النظر في عقوبات مستهلكي مادة الزطلة.
وأشار النواب إلى أن ارتفاع عدد المحكومين في قضايا استهلاك المخدرات يساهم في اكتظاظ السجون التي أصبحت تستقبل أكثر من طاقة استيعابها، وتكون أحيانا ملاذا لاستقطاب المستهلكين الصغار ضمن شبكات الجريمة المنظمة.
ذلك ما أكده المدير العام للسجون والإصلاح، صابر الخفيفي في حديثه إلى RT بقوله إن القانون المتعلق بمكافحة المخدرات سيساعد المؤسسة السجنية على التقليص من نفقاتها؛ مضيفا أنه يوجد ما بين 1173 من أصحاب الأعمال الحرة و75 طالبا و7 موظفين من ضمن المحكومين في قضايا استهلاك مخدرات.
إنشاء مركز وطني لمعالجة المدمنين
وتشير إحصاءات وزارة الصحة التونسية إلى وجود أكثر من 800 نوع من المخدرات في البلاد، فضلا عن ارتفاع نسبة الإدمان في السنوات الأخيرة. وفي المقابل، تتجه الحكومة إلى إنشاء مرصد وطني للمخدرات يتبع رئاسة الحكومة بهدف حصر عدد المستهلكين ومعالجتهم صحيا ونفسيا.
كما سيتم تشكيل لجنة وطنية تابعة لوزارة الصحة للعناية بمستهلكي المخدرات ولجان جهوية لدعم الجانب الوقائي والعلاجي في هذا المجال، بالتنسيق مع السلطات القضائية إثر التصديق على مشروع قانون المخدرات الجديد من قبل البرلمان.
القانون الجديد: "قانون يكرس الطبقية"
وفي مداخلة للناشط المدني سهيل بيوض مع RT، وهو أحد مقترحي فتح حوار وطني حول قانون 52، أوضح محدثنا أن القانون الجديد أخطر بكثير من القانون القديم. إذ لم يعط هذا القانون فرصة للمشرعين والنواب لفهم مادة القنب الهندي من الناحية العلمية؛ مؤكدا أنها مادة مهدئة ولا تشكل خطرا على المجتمع.
وأشار في حديثه إلى أن القانون الجديد أدرج مادة القنب الهندي مع المواد المخدرة الأخرى كالكوكايين والأقراص، التي هي أشد فتكا بصحة الفرد ولها تأثيرات وخيمة؛ لافتا إلى أن دراسات علمية تفيد باستهلاك ما لا يقل عن 3 ملايين تونسي المخدرات ثلثهم من الفتيات.
وشدد بيوض على أن مشروع القانون الجديد هو قانون طبقي زاد في النزعة الطبقية، التي ستضاعف من ضحايا الأحياء الشعبية والمهمشة، الذين لا يملكون أموالا كافية لمعالجة "إدمانهم" على حسابهم الخاص مقابل نجاة أصحاب الأموال من العقاب.
من جانبه، قال الباحث في علم الاجتماع طاهر شقروش لـ RT إن ظاهرة الإدمان على المخدرات في تونس هي ظاهرة خطيرة خاصة، وإن القانون 52 اعتمده النظام القديم لترهيب الشباب وغالبهم من الطبقات الاجتماعية الفقيرة، وإن ظروف إقامتهم في السجون تحولهم من هواة "حشيش" إلى مدمنين حقيقيين ومشروع مروجين بعد انقضاء فترة عقوباتهم.
وفي تقييمه للقانون الجديد، يرى الباحث الاجتماعي أن نص القانون لم يأت بجديد ولم يقدم معالجة حقيقية للمشكلة في طرحه لمسألة علاج المدمنين في ظل غياب مراكز العلاج والتي تتطلب سنوات لإيجادها.
هذا، ومنذ ثورة 2011، نادت أصوات حقوقية وسياسية بإنهاء القانون الخاص بـ "الزطلة" في تونس، والذي سلب حرية بعضٍ وحولهم من مستهلكين إلى مجرمين في نظر القانون، فيما يبقى الجدل العقيم قائما حول إيجاد بدائل فاعلة للعقوبات القانونية والتصدي لهذه الظاهرة، التي فشلت أعتى التجارب الديمقراطية في محاربتها.
سناء محيمدي