فالسلطة القضائية، ممثلة بمحكمة القضاء الإداري، أصدرت حكمين ببطلان توقيع الاتفاقية بين مصر والسعودية في الثامن من أبريل/نيسان الماضي، فيما قررت المحكمة الإدارية العليا حجز القضية للحكم بجلستها المقررة في السادس عشر من يناير/كانون الثاني المقبل.
معارضون للاتفاقية وصفوا خطوة الحكومة بأنها مخالفة للدستور والقانون؛ حيث إن القضاء هو صاحب الكلمة الأخيرة في هذه القضية. فيما يرى آخرون أن البرلمان هو صاحب القول الفصل وفقا للدستور المصري الصادر في العام 2014. إذ إن القانون والدستور ينصان على ضرورة عرض الاتفاقيات الخاصة بترسيم الحدود بين مصر وأي دولة أخرى على البرلمان، حتى يقرر رفضها أو موافقتها عليها، وهو ما يعارضه بعضٌ ممن يرون أن رئيس الدولة كان يجب عليه منذ البداية عرض الموضوع على البرلمان وترك الأمر له، لكنه لم يفعل. وبناءً على ذلك، لا يحق للبرلمان أن يتدخل الآن أو يبدي رأيه بشأن تلك القضية، لأن الكرة الآن في ملعب القضاء، وهو من له الكلمة الفصل في تحديد ملكية الجزيرتين سواء لمصر أو للسعودية.
وعلى الجانب المعارض أيضاً، ذهب بعضٌ إلى القول إن مجلس الوزراء لا يملك من الأساس سلطة توقيع اتفاقيات دولية بحكم الدستور، ولا أحد يملك حق التنازل عن أرض مصرية بحكم الدستور، ولا يستطيع المضي في إقرار اتفاقية باطلة بحكم القضاء، بل وذهب هؤلاء إلى القول إن الحكومة بإقرار تلك الاتفاقية تضع نفسها تحت طائلة المادة 123 من قانون العقوبات، والتي تعاقب بالحبس والعزل كل موظف عام امتنع عن تنفيذ حكم قضائي، لأنه لا يوجد برلمان أو سلطة في العالم تملك حق انتهاك أحكام الدستور، الذي أقسمت على احترامه.
أما المؤيدون، فيرون أن قرار الحكومة المصرية إحالة اتفاقية تيران وصنافير جاء استنادا إلى المادة 151 من الدستور، والتي تقول: "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية ويبرم المعاهدات ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها بأحكام الدستور... وطبقا لظواهر وفحوى ومضمون النص، فإن صاحب الاختصاص الأصيل ببسط الرقابة على الاتفاقيات الدولية شكلا وموضوعا هو مجلس النواب".
ويرى هؤلاء أن اختصاص مجلس النواب بأعمال ومقتضيات ذلك الحكم الدستوري، إنما هو من قبيل الاختصاصات المحجوزة، التي لا يجيز تداخل أي سلطة أخرى في تناول أي من المحال التي ينفرد مجلس النواب من الاختصاص الدستوري، بالبت فيها ونظرها بصورة نهائية لا تقبل أي تعديل أو تغيير، ومعنى ذلك أن "من غير الجائز قيام أي سلطة في استباقه في مباشرة ذلك الاختصاص الرقابي، بخاصةٍ أن ما يملكه البرلمان من وسائل الرقابة لا تتاح لغيره من السلطات".
وردا على الأحكام التي أصدرتها محكمة القضاء الإداري ببطلان توقيع اتفاقية تيران وصنافير، يرى هؤلاء أنه وبالرغم من أن القوانين المنظمة للسلطة القضائية قد أخرجت المعاهدات والاتفاقيات الدولية من مجال الولاية الخاصة باختصاصاتها القضائية، باعتبار أنها من أعمال السيادة وفقا لما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا والتطبيقات القضائية التي استلزمته، فإن محكمة القضاء الإداري قد استأثرت لنفسها بالاختصاص بما ناط به الدستور مجلس النواب، وقصره عليه باعتبار أنه المنوط به رقابة ما تبرمه السلطة التنفيذية من معاهدات أو اتفاقيات مع الدول الأخرى، وما يستتبع ذلك من مباشرة أي رقابة لازمة للتأكد من سلامة الاتفاقيات أو المعاهدات... وذلك بتصديها للاتفاقية المبرمة بتعيين الحدود البحرية، بين مصر والمملكة العربية السعودية، وهي الاتفاقية التي يختص مجلس النواب وحده دون سواه حال اكتمال مرحلتها الأولى بالنظر فيها إقرارا أو رفضا".
ويؤكد مؤيدو الاتفاقية أنه، ووفقا للدستور، فإن المعاهدات الدولية تمر بمراحل ثلاث: المرحلة الأولى ويختص بها رئيس الجمهورية، باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية، وأطلق عليها النص الدستوري لفظ "الإبرام"، والمرحلة الثانية وتختص بها السلطة التشريعية، وأطلق عليها النص الدستوري لفظ "الموافقة"، والمرحلة الثالثة، ويختص بها رئيس الجمهورية، بصفته رئيسا للدولة، وأطلق عليها النص الدستوري لفظ "التصديق".
وبناء على ذلك، ووفقا للمادة السابعة من اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية "يعدُّ الأشخاص الممثلون لدولهم بحكم وظائفهم، هم رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية، الذين يحق لهم القيام بجميع الأعمال المتعلقة بعقد المعاهدة". وبحسب هذا النص، يرى هؤلاء أن توقيع الاتفاقية من قبل رئيس الحكومة المصرية وولي ولي العهد السعودي لا يبطل الاتفاقية، على عكس ما ذهبت إليه الأحكام القضائية في بعض أسانيدها، الأمر الذي يعطي لمجلس النواب قدرة كبيرة على المناورة لدى نظره الاتفاقية عند مناقشتها، تمهيداً لاتخاذ موقف منها، سواء بالقبول أو الرفض.
محمود بكري