مباشر

دليل قوة أم ارتباك؟

تابعوا RT على
لو صدر قبل عام واحد فقط خبر مفاده أن البرلمان الأوروبي يجتمع ليناقش خطر قناة تلفزيونية على وحدة الاتحاد الأوروبي لكان معظمنا اعتقد أن هذا الخبر نوع من الخيال العلمي ولما صدّقه أحد.

ولكنّ هذا حدث بالفعل في 23/11/2016 وفي جلسة عامة للبرلمان الأوروبي تخلّلها تصويت على قرار إدانة قناة تلفزيونية روسيّة ووصف الضغط الإعلامي المتنامي على الاتحاد الأوروبي بأنه ضغط من روسيا والمجموعات الإرهابية الإسلامية!!

ويضيف القرار أن هذا الضغط الإعلامي يسعى "لتشويه الحقيقة وإثارة الخوف وخلق الشكوك وتقسيم الاتحاد الأوروربي". ومن أجل مقاومة هذه الحملات المعادية للاتحاد الأوروبي فإن البرلمان الأوروبي يقترح تعزيز فرقة "التواصل الاستراتيجي" والتركيز على إثارة الوعي والتثقيف والإعلام المحلي والإلكتروني وإعلام التحقيق ومحو الأمية الإعلامية.

ويؤكد التقرير أن على الاتحاد الأوروبي أن يواجه حملات التضليل والدعاية من بلدان مثل روسيا وأطراف مثل "داعش" و"القاعدة" ومجموعات إرهابية جهادية أخرى عنيفة، وأن هذه الحملات تهدف إلى تقسيم الاتحاد الأوروبي وشركائه الأميركيين وأن تصيب بالشلل آلية اتخاذ القرار وأن تقوّض مصداقية مؤسسات الاتحاد الأوروبي وأن تزرع الخوف والشك في نفوس مواطني الاتحاد الأوروبي!!!

لا شكّ أن دمج اسم روسيا الاتحادية مع "داعش" و"القاعدة" هو ضرب من الجنون، لأن روسيا الاتحادية برهنت وعلى مدى عام ونيّف أنها هي الطرف الدولي الذي أصاب "داعش" في مقتل، والذي اتخذ موقفاً حاسماً وصادقاً ومبدئياً ضدّ التنظيمات الإرهابية، ولأن روسيا الاتحادية هي التي كشفت تواطؤ الغرب مع "القاعدة" و"داعش" وتخاذل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أمام الإرهاب وعدم رغبة هذا التحالف بالقضاء على الإرهاب بل استخدام هذا الإرهاب وإجباره على إعادة تموضعه في مناطق مختلفة في سورية والعراق خدمة للمصالح الأمريكية والغربية في هذين البلدين.

ولا شكّ أن مواطني الاتحاد الأوروبي أنفسهم يسخرون من هذه المعادلة الواردة في القرار وبالفعل فإن عدداً من البرلمانيين الأوروبيين الذين صوتوا ضدّ هذا القرار قد تحدثوا لوسائل إعلام عدة عن خجلهم من استخدام مثل هذا المنطق المعيب.

كما أن المستهدف من هذا القرار هو وسيلة الإعلام الروسية "روسيا اليوم"  بلغاتها العدّة فأين الربط بين "روسيا اليوم" وداعش والقاعدة؟  خاصة وأن "روسيا اليوم" قد لعبت دوراً فاعلاً على الساحتين الأمريكية والأوروبية في تعرية تعاون مسؤولين غربيين مع عناصر تكفيرية إرهابية وركزت على نشر وتوضيح ما جاد به ويكيليكس خلال الحملة الانتخابية الأمريكية من تصريحات للمرشحة للانتخابات الأمريكية هيلاري كلينتون، والتي أكدت فيها في الصوت والصورة أنهم هم من خلق القاعدة لمواجهة الاتحاد السوفياتي وإخراجه من أفغانستان وأنهم نجحوا في ذلك.

كما نشر ويكيليكس صفحاتٍ وصفحات عن صفقات التمويل من قِبَل المراكز الوهابية الداعمة للإرهاب العالمي في السعودية وقطر لمسؤولين أمريكيين في براهين واضحة عن التحالف بين بؤر جذور الإرهاب والمسؤولين الغربيين الذين يدّعون محاربة الإرهاب بينما يقبضون أموالاً طائلة في الخفاء ويصدّرون الأسلحة لحماة ورعاة الإرهاب.

هذا المنطق إذاً الذي يعمد إلى ربط "روسيا اليوم" والاتحاد الروسي مع أي جهة تكفيرية إرهابية هو منطق فاشل جداً، ولن يصل آذان أحد لا في الغرب ولا في الشرق، بل أضاف عاملاً هاماً للسخرية من هذا القرار واستهجان صدوره عن برلمان أوروبي يُعتقدُ أنه قادر على العمل وفق أبسط أسس المنطق والحسّ السليم.

أما أن يعتقد أعضاء البرلمان الأوروبيين، أو بعض منهم على الأقل، الذين صوّتوا على هذا القرار، أن محطة "روسيا اليوم" قادرة على تقسيم الاتحاد الأوروبي والفصل بينه وبين شركائه الأمريكيين، وأنها قادرة على إحداث شلل في عملية اتخاذ القرار وعلى تقويض مصداقية المؤسسات الأوروبية، وعلى زرع الخوف والشكّ في نفوس مواطني الاتحاد الأوروبي، فهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على الوهن الذي يشعر به هؤلاء الأعضاء، وانعدام الثقة بالنفس، والخوف من أي صوت لا يكون صدى لأصواتهم هم، ومن أي رأي مخالف لآرائهم.

كما أن هذا يدلّ من ناحية أخرى على مدى الخرق الذي تمكنت "روسيا اليوم" من أن تحققه ضدّ وسائل الدعاية الغربية والشركات الإعلامية التي فقدت أو تكاد مصداقيتها لدى المواطن الغربي، والتي تلقت ضربة قاصمة لمكانتها في العالم بعد فوز ترامب الذي بدأ ثورة ضدّ هذه المؤسسات الإعلامية ونجح في هزيمتها. وهذا مؤشر على أن الشعوب الغربية تتوق إلى كلمة صادقة، وإن كانت صادمة أو قاسية، وأنها ضاقت ذرعاً، بالفعل، بالدعاية الغربية، والتي فقدت كلّ احترام لذاتها ولأدنى مستوى من المهنية في السنوات الأخيرة.

لقد تصدّع جدار هذه الشركات ونفذ الخوف منه إلى قلوب وعقول من تبنوا هذا الأسلوب وخططوا له وغذوّه بالمال والأخبار الكاذبة. وقد دفعت شعوبنا ثمن ذلك من دماء أبنائنا ومؤسسات بلداننا ولقمة عيش أهلنا وأمن أطفالنا.

ولكنّ البرلمان الأوروبي وبدلاً من أن يلحظ هذا التصدع ويعمل على تصحيح مسار دعايته المغرضة والمكشوفة اليوم استمرّ في نهجه باتخاذ قرار سيُعتبر وصمة مشينة في تاريخه. فقد عمد في السابق على إنزال قنوات مقاومة عن أقماره وخلق الصعوبات لقنوات أخرى ولكنّ هذا المسار قد بلغ نقطة النهاية ولن يتمكن الغرب بعد اليوم من الاستمرار بأساليبه البائسة في التضليل والترويج للمعلومات الزائفة وطمس الحقائق الساطعة.

قرار الاتحاد الأوروبي مؤشر لهذيان هذا الاتحاد في وجه فجر جديد بدأ ينبلج في العالم كلّه ولن يتمكن أحد من حجب شمسه عن السطوع.

بقلم بثينة شعبان المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا