كاسترو الذي فعلت واشنطن كل ما في وسعها لإزاحته، حكم كوبا 50 عاما، وكان شاهدا على رحيل وصعود نحو 10 رؤساء أمريكيين، جميعهم أضمروا له البغضاء والضغينة، فيما حاولت المخابرات الأمريكية اغتياله 638 مرة حسب أحد وزراء كوبا مؤخرا.
محاولات اغتيال فيديل كاسترو والإطاحة به تنوعت وتعددت، بدءا من محاولة قنصه وحشو سيجاره الخاص بالمتفجرات، وصولا إلى دس السم له في البيرة وغير ذلك من طرائق باءت جميعها بالفشل.
لم تقتصر طموحات الولايات للتخلص من كاسترو على محاولات اغتياله، بل حاصرت كوبا اقتصاديا أملا في انتفاض الشعب الكوبي عليه لإسقاطه وبذلت الغالي والنفيس من أجل ذلك بلا جدوى حتى باتت الوسيلة الوحيدة في يدها للإطاحة بحكمه، التدخل العسكري المباشر في بلاده، حيث شنت على كوبا ما عرف بحرب خليج الخنازير سنة 1961 مستخدمة المرتزقة والكوبيين المنفيين الذين غادروا كوبا بعد وصول كاسترو للحكم رفضا لحكمه وسياسته.
فصائل المرتزقة والمعارضة الكوبية المسلحة المدفوعة من الولايات المتحدة اصطدمت في هجومها المباغت بقوات الجيش الكوبي، حيث كان كاسترو ورفاقه على علم مسبق بما دبّرته واشنطن بفضل معلومات استخبارية تلقاها من موسكو لتسحق القوات الكوبية الغزاة عن بكرة أبيهم وتحبط خطة أمريكية محكمة كادت تقلب مسار كوبا وتحرفها عن النهج الذي اختارته.
كوبا إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، كانت ورقة رابحة لم تقدر بثمن بالنسبة إلى موسكو التي أحسنت استغلالها بيد، وأغدقت عليها بيد أخرى لتجعل منها طفلا مدللا طلبه مجاب على الدوام.
وإلى جانب الدفاعات الجوية والرادارات والمعلومات الاستخبارية الأمر الذي جعلها قلعة حصينة في وجه واشنطن، تلقت كوبا سائر أشكال الدعم العلمي والتقني والطبي والاقتصادي، وحتى الغذائي من الاتحاد السوفيتي واستمرت غارقة في هذا النعيم حتى نشوب الأزمة السياسية في الاتحاد السوفيتي أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.
سياسة الإصلاح التي أطلقها الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، وخلصت إلى شلل تام في مفاصل الدولة انتهى بأزمة اقتصادية خانقة وزوال الاتحاد السوفيتي، انعكست بشكل مباشر على كوبا التي أحست باليتم شأنها شأن جميع حلفاء موسكو الأيديولوجيين في تلك المرحلة، وانضوت على ذاتها وأطلقت بدورها جملة من الإصلاحات للصمود في وجه العقوبات الأمريكية والحد ما أمكن من أثرها.
العلاقات الروسية الكوبية، لم تتعاف على النحو الذي كانت تنشده هافانا، إلا مطلع الألفية الحالية مع تسلم فلاديمير بوتين وفريقه السلطة في روسيا التي عادت بدورها لتلملم جروح التسعينيات وتحيي علاقاتها مع الأصدقاء القدامى، وفي طليعتهم فيديل كاسترو الذي حظي حتى مماته باهتمام وتقدير منقطعي النظير من كبار المسؤولين في روسيا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عزّى اليوم كوبا حكومة وشعبا برحيل زعيم ثورتها فيديل كاسترو، معتبرا إياه رمزا لحقبة كاملة في التاريخ المعاصر.
وذكّر بوتين في برقية التعزية، بأن كوبا الحرة والمستقلة قامت بفضل تضحيات فيديل كاسترو ورفاقه وحظيت بموقعها عضوا فاعلا ومؤثرا في المجتمع الدولي.
سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، وفي كلمة القاها بمناسبة افتتاح معرض للصور الفوتوغرافية كرّس مؤخرا للذكرى الـ90 لميلاد كاسترو ويوثق مراحل العلاقات الروسية الكوبية في ظل حكم الزعيم الكوبي، قال: "فيديل كاسترو قد دخل التاريخ كشخصية دشّنت حقبة جديدة في حياة كوبا، وأسست للمرحلة المعاصرة من العلاقات القائمة بين البلدين على مبادئ التضامن والصداقة والثقة والاحترام المتبادل".
أما الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف فقد استذكر لكاسترو في يوم عزاه، أنه بذل كل الجهود الممكنة لتحطيم النظام الاستعماري، وكرّس حياته لذلك تاركا أثرا عميقا ومتجذرا في تاريخ البشرية جمعاء. وأشار إلى أن كاسترو استطاع بناء دولة حديثة في كوبا وصمد في وجه الحصار الأمريكي الجائر جاعلا منها بلدا حرا ومستقلا يعتمد على ذاته.
المصدر: RT
صفوان أبو حلا