عائلة سامي السايح هي عائلة فرنسية من أصول تونسية، وهم ضحايا إرهاب "داعش" بعد فقدهم ابنهم الوحيد الذي التحق بالتنظيم في سوريا منذ 28 أبريل/نيسان 2014، لتتغير حياة تلك العائلة بين ليلة وضحاها.
تحدثت عزيزة السايح لـRT عن خفايا التجربة الصعبة التي عصفت بعائلتها منذ انضمام ابنها سامي إلى "داعش"، وصولا إلى تسلُّم شهادة وفاته وشريط فيديو يوثق لجنازته.
من مكة إلى الرقة
لم أعتقد يوما أنني سأعيش مثل هذه التجربة القاسية. بهذه الكلمات استهلت عزيزة السايح حديثها، لتستحضر على أثرها تلك اللحظة الفارقة، التي قلبت حياة أسرتها الصغيرة رأسا على عقب، عندما أعلن سامي، الذي لم يتجاوز عمره 21 عاما آنذاك، عزمه على أداء العمرة.
ولم تمانع عزيزة رغبة ابنها في أداء العمرة، بل رافقته إلى إحدى وكالات السفر في منطقة سان دونيس، واشترت له تذكرة سفر إلى السعودية يوم 3 مايو/أيار، لكن لم يدر بخلدها أن تلك التذكرة كانت في الحقيقة غطاء لإخفاء وجهة سفره.
بيد أن سفره المفاجئ في 28 أبريل/نيسان عزز مخاوف الأم من التحاقه بتنظيم "داعش"، لتتصل على الفور بالسفارة الفرنسية في تركيا وتبلغها بتوجه ابنها إلى سوريا، لكن السفارة لم تحرك ساكنا، على حد قولها.
الابن الميت–الحي
تستكمل والدة سامي حديثها بالقول إن العائلة ظلت على اتصال مع ابنها بعد التحاقه بالتنظيم عن طريق السكايب. وردا على سؤال عما إذا كان سامي أبدى ندما أو رغبة في العودة إلى حضن عائلته، أكدت محدثتنا أنه كان يخبرها أن المشكلة ليست في عدم رغبته بالعودة وإنما في عدم قدرته على ذلك.
وبعد فترة، بلغهم نبأ موته في حادث سير في منطقة الشدادي بسوريا عن طريق زوجته التي تواصلت معهم وأعلمتهم أيضا بحملها، وكانت الصدمة شديدة الوطأة على الوالدة المكلومة وبناتها الثلاث.
وبطلب من الوالدة، أرسلت أرملة سامي شهادة الوفاة وشريط فيديو يوثق جنازته، لكن الدوائر الرسمية الفرنسية لم تعترف بوفاته.
وفي هذا السياق، توضح عزيزة أنها حاولت الاتصال بالجهات المعنية في فرنسا وزودتهم بجميع الوثائق، التي تثبت وفاة ابنها في سوريا؛ لكن السلطات الفرنسية لم تعترف بوثائق وختم ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية"، فبقي ابنها حيا في فرنسا رغم موته.
معركتي ضد التطرف
تسترجع عزيزة السايح أحداث الماضي القريب، عندما ظهرت علامات التطرف على ابنها بعد أن كان مولعا بالغناء، ويعشق كغيره من الشباب رياضة كرة القدم. وقد حدث ذلك بعد التحاقه بوظيفته الجديدة؛ حيث كان يعمل حارس عمارة وانتقل للعيش في شقته الجديدة بمنطقة "سافران" منحتها له المؤسسة التي يعمل لديها.
عن تلك الفترة، تروي الوالدة أن ابنها بدأ يتغير شيئا فشيئا إلى حد امتناعه من حضور زفاف شقيقته، فحذرته من المجموعات المتطرفة التي تستغل الشبان بذريعة الدين والشريعة الإسلامية، لكنه طمأنها باستهزائه من هذه الجماعات التي تقاتل في بؤر الصراع بقوله إنهم مجرد مرضى.
بيد أن هواجس الأم تحولت إلى كابوس عندما علمت بالتحاق ابنها بمعسكرات الإرهاب في سوريا، بعد أن استطاع أحد العاملين معه، والذي يحمل جنسية مالي، غسل دماغه وحثه على الذهاب للقتال.
وتكشف عزيزة السايح لـ RT أن منطقة سافران، التي كان يقطنها ابنها، تعدُّ من أكثر المناطق التي ينطلق منها الشباب نحو بؤر الصراع؛ مضيفة أن شبكة كبيرة من الأشخاص تعمل في مجال تجنيد الشباب، ويتقاضون على كل مقاتل 15 ألف يورو.
لم تعتقد الأم الثكلى أن موت ابنها سيمنحها قوة جديدة لكسب معركتها ضد التطرف، الذي دمر حياة ألوف الشبان والشابات، وأنها ستناضل من أجل توعية الشباب من مخاطر الفكر الإرهابي الذي أصبح ظاهرة عالمية لا يستثني غنيا أو فقيرا، مثقفا أو جاهلا، بل أصبح الجميع مهدد في عقر داره.
وبعد حادثة وفاة ابنها، انضمت عزيزة إلى جمعية "كتيبة الأمهات" بفرنسا، لتوصل صوتها وتعمم تجربتها كأم مكلومة فقدت ابنها في مناطق النزاع، ولتبرهن أن ما حدث لها ليس وصمة عار عليها؛ لأن عائلات المقاتلين هم أيضا ضحايا الفكر المتطرف والإرهاب العالمي.
كما أنها ستحارب اليوم من أجل استعادة حفيدتها، التي ولدت في معقل داعش في سوريا، وستسعى بشتى الطرق لجلبها إلى فرنسا وإخراجها من أتون "داعش"؛ لأن الطفلة هي مجرد ضحية ولا ذنب لها في وجودها هناك.
قدمت عزيزة إلى تونس في زيارة خاطفة، لتتحدث عن تجربتها الشخصية لعل البعض يتعظ من الدرس، ويحول دون توجه الشبان التونسيين إلى مناطق النزاع سواء في سوريا والعراق وليبيا.
كابوس الإرهاب من بوابة عودة المتطرفين
وتعدُّ تونس من البلدان المصدرة للمقاتلين نحو حواضن الإرهاب. وبحسب تقرير أممي صدر عام 2015، فإنه من بين 30 ألف مقاتل ينتشرون في سوريا والعراق، هناك أكثر من 6000 مقاتل تونسي، ما يثير القلق داخل تونس والخوف من عودة هؤلاء المقاتلين إلى وطنهم الأم.
وفي هذا الصدد، تحدثت RT مع رئيس جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج، محمد إقبال بن رجب عن قضية عودة المقاتلين التونسيين، والذي قال، إن آخر إحصائية رسمية عام 2015 تفيد بعودة 700 مقاتل من بؤر التوتر، بينما سُجل في مارس/آذار 2016 توقيف وسجن 2000 شخص بتهمة الإرهاب. فيما يقدر مركز الدراسات الألماني بتوافد 10500 مقاتل تونسي إلى سوريا والعراق. علما أن السلطات التونسية منعت أكثر من 12 ألف تونسي من الانضمام الى تنظيمات متطرفة في الخارج منذ مارس/آذار 2013.
وتهتم جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج، التي تأسست في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، بالدفاع على عائلات ضحايا الإرهاب وإنقاذ التونسيين العالقين في الخارج، خاصة في بؤر الصراع في كل من ليبيا وسوريا والعراق.
ويشرح محمد بن رجب لـ RT أن المشكلة الحقيقية التي تواجهها تونس اليوم تتمثل في عودة المقاتلين، ويرى أنه لا بد من التفكير في مرحلة ما بعد عودتهم؛ لافتا إلى ضرورة إعادة تأهيل وإدماج العائدين.
وأشار في هذا السياق إلى أن قوانين الإرهاب لا تكفي اليوم لمجابهة الفكر الداعشي، وهو ما أجبر الأوروبيين على إعادة النظر في قوانينهم والبحث عن البديل المتمثل في برامج إعادة التأهيل والإدماج.
تعاظم خطر الإرهاب في العالم مع انتشار ما يسمى بـ "الفكر الداعشي" الذي يستخدم خزانه البشري من المقاتلين لزرع ثقافة الموت، ليكتشف بعضهم وهم حلم الخلافة، لكن بعد فوات الأوان.
سناء محيمدي