مرد هذا الانطباع يعود إلى حدة تلك التصريحات التي عكست ابتزازا صريحا وعداوة لم تخفها تماما تبريراتها.
وبطبيعة الحال، تصاغ التصريحات في الحملات الانتخابية لدغدغة العواطف واستمالة الأصوات، وهي غير ملزمة، كما هو الحال مع الرئيس باراك أوباما الذي سيغادر البيت الأبيض قريبا، ويظل معتقل غوانتانامو على حاله، دون أن يفي بوعد إغلاقه.
ترامب، قال كلاما خاليا من الدبلوماسية عن السعودية، ولم يستبعد وقف شراء النفط منها ومن دول خليجية أخرى، إن هي لم ترسل قواتها لمحاربة "داعش"، أو لم تسدد فواتير حرب الولايات المتحدة ضد التنظيم!
كما طالبها وجميع الحلفاء بما يشبه دفع "الجزية" نظير الحماية والخدمات التي توفرها الولايات المتحدة لها، والتي وصفها بالهائلة، قائلا في هذا الصدد:"هل تتخيلون إننا ندافع عن السعودية بكل الأموال التي لديها، نحن ندافع عنها، وهم لا يدفعون لنا شيئا؟"، لافتا إلى أن المملكة لديها أموال طائلة، وهي تجني يوميا نصف مليار دولار، وهم "لا يملكون شيئا البتة.. إلا المال ولا شيء آخر".
وبرر هذا الموقف، الذي وضعه تحت شعار "الولايات المتحدة أولا" و"لن نكون لقمة سائغة لأحد" بالقول إن بلاده لديها ديون تبلغ 20 ترليون ولار، وعلى اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية والسعودية أن يدفعوا للولايات المتحدة لأنها توفر "لهم خدمة هائلة ونخسر الثروات".
وذهب في هذا الاتجاه إلى حد القول إن المملكة قد تصبح قريبا هدفا لتنظيم "داعش"، إضافة إلى متاعبها في اليمن، مشيرا إلى أن "السعودية ستكون في ورطة كبيرة قريبا، وستحتاج لمساعدتنا.. لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى"، بل واتهمها بالتدخل في اليمن المجاور طمعا في نفطه وثرواته.
وإذا تفحصنا ما ينشر في الإنترنت من هذا القبيل، فسيتبين لنا، أن لتصريحات ترامب عالما موازيا آخر. من ذلك أن بعض المواقع الصحفية العربية تداولت تصريحا منسوبا لترامب يقول: "إن السعودية بمثابة بقرة حلوب لبلاده، ومتى جف ضرعها ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا أن يذبحها".
ولا يعطي البحث عن هذا التصريح باللغة الانجليزية أو الفرنسية أية نتائج، ما قد يشير إلى أن هناك من استغل لسان ترامب لتصفية حساباته مع السعودية فأضاف إليه ما يوافق أهواءه.
التصريح الأقرب الذي يمكن أن يكون ملهما للنص الآنف المنشور باللغة العربية نشره باللغة الإنجليزية موقع "awdnews.com" الألماني في 2 سبتمبر 2015 وتناقلته عدة مواقع، وجاء فيه على لسان ترامب :"علينا حلب المملكة العربية السعودية السمينة قدر الإمكان، وحين يصبح المشايخ الأثرياء عديمي الفائدة، يتوجب علينا مغادرة الشرق الأوسط".
ويشتكي السعوديون من أن هذا الموقع اعتاد على نشر الأخبار الكاذبة عن بلادهم، على شاكلة ترويجه في أبريل الماضي خبرا عن أن "الأمير الوليد بن طلال سيصبح أول سفير سعودي فخري في إسرائيل".
على كل حال، ما قاله ترامب عن السعودية وتناقلته وكالات الأنباء الكبرى كاف للدلالة على الحرج الذي سيعتري المسؤولين السعوديين ربما، وخاصة أثناء أول مصافحة لهم للرئيس الأمريكي الجديد، إذا لم يذب الجليد عن بعد بين الجانبين.
وقد يجد الرئيس الجديد، بحكم خبرته التجارية، مخرجا للتعاطي مع السعوديين، وطي صفحة تصريحاته المثيرة للجدل، هذا إذا قرر أن يضعها في سلة المهملات، مثلها مثل الملصقات الدعائية بعد انتهاء وقتها.
المصدر: وكالات
محمد الطاهر