لم يرض الغرب عن سيطرة قوات حفتر على موانئ الهلال النفطي، ولا تزال وسائل إعلامه تقول إن "المشير" انتزع الموانئ من قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني، على الرغم من أن خضوع ما يسمى بقوات حرس المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم الجضران شكلي، وبأنها في ذاتها تمثل تجمعا قبليا تمكن من السيطرة على موانئ النفط الحيوية في ظل الفوضى التي غرقت فيها البلاد منذ عام 2011، وأنه حاول أن يبيع النفط لحسابه وحساب جماعته عام 2014 حين كانت في البلاد حكومة واحدة.
وبمجرد أن وقعت الموانئ في قبضة حفتر سارعت الولايات المتحدة وخمس دول أوروبية إلى إدانة العملية مطالبة بالانسحاب الفوري وغير المشروط من منطقة الهلال النفطي.
وبالمثل كان موقف مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا مارتن كوبلر، وسفراء الدول الغربية لدى طرابلس، حيث تمسك الجميع بقاسم واحد كان ورد في البيان السداسي يقول إن "النفط ملك للشعب الليبي ويجب بالتالي أن تديره حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من الأمم المتحدة، ومقرها طرابلس".
ويبدو أن تسليم قوات حفتر موانئ النفط بسرعة للمؤسسة الوطنية للنفط والتي مقرها طرابلس، وبدء عمليات تصدير النفط لم يكن كافيا للغرب، ولم يغير من موقفه الرافض لبقاء الموانئ في قبضة "المشير"، كما لم يكن كافيا تأكيد الأخير أن قواته لن تتدخل في عمليات التصدير والتعاقد.
بدا ذلك واضحا في تعليق السفير البريطاني لدى ليبيا بيتر ميليت على استئناف القتال حول مينائي السدرة وراس لانوف الأحد 18 سبتمبر/أيلول، حين حاولت قوات الجضران استعادة المنطقة وخاضت اشتباكات عنيفة مع قوات حفتر المدعومة بالطائرات انتهت بطرد المهاجمين.
السفير البريطاني غرد مرتين، في الأولى قال إن "صور المنشآت النفطية وهي تحترق سوف تضعف استرداد ليبيا لعافيتها"، مضيفا أنه "على الليبيين الاتحاد لبناء بلدهم وليس لتدميره"، وفي الثانية كتب أن "القتال المستمر حول منشآت الهلال النفطي مضر بمستقبل ليبيا الاقتصادي.. الحوار أفضل طريقة لحل الخلافات".
ويمكن القول إن الغرب اتخذ موقفا رسميا رافضا لحفتر ولطموحاته، ولأسلوبه الخاص في استعادة الاستقرار بواسطة القوة العسكرية، لأنه لا يريد في نهاية المطاف أن تبدو الأمور كما لو أنه استبدل جنرالا بآخر في ليبيا.
وما يعزز هذا الاعتقاد تصريح نقلته صحيفة "الحياة" اللندنية عن مصدر فرنسي وصف بأنه قريب من الملف الليبي قال فيه "يجب على حفتر أن يفهم أنه لن يسيطر وحده على ليبيا، بل عليه أن يكون جزءا من تسوية شاملة كي لا ينزلق البلد إلى حرب أهلية".
وأضاف هذا المصدر إن "حفتر سيطر على الهلال النفطي بالقوة، بينما ترى الأسرة الدولية أنه لا ينبغي أن يسيطر طرف على الآخر في ليبيا، ويفترض على قائد الجيش أن يكون تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا ويشكل جزءا من قيادة جماعية تعكس تسوية حقيقية للأزمة".
ورأى المصدر أن هدف حفتر من السيطرة على الهلال النفطي، أن يظهر بمثابة المسؤول عن كل شيء، مضيفا "وهذا غير مقبول خصوصاً في ظل الانقسام العميق داخل المجلس الرئاسي الليبي".
خرجت هذه التصريحات متزامنة مع الإعلان عن زيارة لرئيس المجلس الرئاسي فايز السراج إلى فرنسا في 27 سبتمبر الجاري يجتمع خلالها بالرئيس فرانسوا هولاند وبوزير الخارجية جان مارك إيروليت، ما يشير ربما إلى أن فرنسا والدول الغربية الأخرى تريد أن تسير الأمور تحت دفتها بشكل تام، وأن يقتنع الجميع بالرسالة التي قال المصدر إنها ستوجه للفرقاء الليبيين في اجتماع على هامش جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة مفادها "أن السلاح لن يصل بكم إلى الاستقرار".
محمد الطاهر