ويمكن القول إن بعض منتقدي الولايات المتحدة يرتابون في كل ما يصدر عنها. وهم ربما لتراكمات تاريخية عميقة ومشروعة، لا يثقون فيما أنجزت إلا في أنها كانت السباقة في استعمال القنابل النووية في هيروشيما ونجازاكي!
أما "نظرية المؤامرة" التي تقول إن واشنطن حاكت للعالم خدعة كبرى، وأنها زورت أدلتها بشأن وصولها إلى القمر، بعد أن صورته على الأرض وفي منطقة بألاسكا كما تذهب إحدى الروايات أو في المنطقة 51 الشهيرة بنيفادا بحسب أخرى، فقد انتشرت بمرور الزمن بشكل واسع.
إلا أن اللافت أن الشكوك في إمكانية وصول الأمريكيين إلى القمر ست مرات بين عامي 1969 – 1972 انطلقت شراراتها الأولى من الولايات المتحدة ذاتها وبعد وقت قصير من أول رحلة لهذه السلسلة التي توقفت تماما منذ عام 1976.
بدأ ذلك بشكل واسع منذ عام 1970 بصدور كتاب لعالم الرياضيات الأمريكي جيمس كريني بعنوان "هل هبط الإنسان على القمر؟"، ثم تكاملت تلك الشكوك الرافضة للروايات الرسمية عن الرحلات الفضائية الأمريكية المأهولة للقمر بكتاب آخر يحمل عنوان "نحن لم نذهب بتاتا إلى القمر"، صدر عام 1976، وجنى صاحبه بيل كيسينغ من ورائه أموالا طائلة.
وعكف الكثيرون ومنهم بعض المختصين في تفحص ورصد صور ناسا الثابتة والمتحركة عن تلك الرحلات، ليخرجوا ببراهين تدحض صدقية الولايات المتحدة، وتظهر ما يصفونه تفننها في التزييف وصناعة الكذب، لتحقق لنفسها انتصارا ساحقا في فترة السباق الفضائي المحموم مع الاتحاد السوفييتي، فمن العلم الذي يرفرف على سطح لا ريح ولا نسائم فيه، وقفزات الرواد الواهنة على سطحه التي لا تتوافق مع جاذبية القمر الأقل 6 مرات من مثيلتها على الأرض، وظهور ظلال في اتجاهات مختلفة، إلى غير ذلك من التفاصيل الصغيرة والكبيرة.
وتصل شكوك البعض إلى الدفع نهائيا بعدم إمكانية القيام برحلات مأهولة في ذلك الوقت لعدم كفاية التقنيات الضرورية، مرورا باستحالة عبور رواد الفضاء بحزام الأشعة القاتلة حول القمر، وبتفاصيل علمية أخرى يصعب على غير الخبراء فهمها.
ويطالب بعض المتحمسين لنظرية المؤامرة الأمريكية القمرية بأن يتم توجيه المناظير الفلكية نحو أماكن هبوط الرحلات الأمريكية المأهولة وخاصة الرحلة الأولى التي تنصب الشكوك عليها أكثر من غيرها لكشف المستور، إلا أن قوة هذه المناظير لا تسمح حتى الآن بتحقيق مثل هذا الهدف.
ولسوء حظ هؤلاء بالمقابل، ظهرت عام 2009 أدلة تؤكد وصول الأمريكيين إلى سطح القمر، إذ رصدت صور مستكشف القمر المداري "LRO" آثارا للرحلات الأمريكية المأهولة، بل ولآثار الرواد وعربة استعملوها في التنقل على سطحه.
وأعلن براكاش تشوهان، وهو خبير بارز في وكالة الفضاء الهندية، أن مركبة "تشاندرايان- 1" تمكنت من استقبال صور تظهر آثار رحلات أبولو الأمريكية المأهولة، وهو الأمر ذاته الذي أكده مسؤولون فضائيون صينيون عام 2012 استنادا إلى معلومات المسبار "تشاني – 2".
ويؤكد عدد من علماء الفضاء والرواد الروس أن الروايات القائلة بأن الأمريكيين لفقوا رحلات أبولو المأهولة لا يعتد بها. وأشار أحدهم وهو رائد الفضاء ألكسي ليونوف في ذات الوقت إلى أن بعض مشاهد الهبوط على القمر صُورت بالفعل في استوديوهات بهدف ربطها بالأشرطة الأصلية لإعطاء صورة متكاملة لتلك الرحلات.
ويشارك رائد الفضاء الروسي غيورغي غريتشكو زميله في هذا الرأي، وهو يصف نظرية المؤامرة بأنها مثيرة للسخرية، قائلا إن تلك الرحلات حصلت بالفعل، مضيفا: "نحن نعلم ذلك بشكل دقيق تماما".
ويمكن أن نقول إن الخبر اليقين بشأن هذه القضية المزمنة قد أتى به العالم السوفييتي الروسي قسطنطين فيوكتيستوف، وهو رائد فضاء بارز ومصمم مركبات فضائية. جاء ذلك في كتابه "مسار الحياة بين الأمس والغد" من خلال العبارات التالية: "التقطت أجهزة استقبالنا الإشارات من مدار القمر من المركبة أبولو 11، والمكالمات، ومشاهد الخروج إلى سطح القمر. ولعل تلفيق مثل هذه الخدع لا يقل صعوبة من تنفيذ رحلة حقيقية، إذ كان يتوجب مسبقا إنزال معدات الإرسال التلفزيوني على سطح القمر، واختبار عملها من الأرض. وكان يتعين في أيام الرحلة الافتراضية إيصال معدات بث لإشارات الراديو إلى القمر لمحاكاة عملية الاتصالات بين أبولو والأرض على طول مسار الرحلة إلى القمر، وهذا معقد جدا ومضحك".
ربما لن يرضى البعض عن هذه النتيجة، وسيصر على الاحتفاظ بشكوكه وتغذيتها أكثر فأكثر بمزيد من المبررات والحجج، والأمريكيون ذاتهم لا يمانعون في ذلك، فقد أعلنت وكالة فضائهم عام 2009 أن التسجيلات المصورة الأصلية للهبوط الأول على القمر، وتضم 45 فيلما قد ضاعت.
ومن المحتمل أن يكون الغموض مفيدا للمسؤولين الأمريكيين بشكل ما، ولعله يمدهم بإحساس أكبر بالراحة والرضى. ومن يدري قد تكون لديهم حكمة من تغذية مثل هذه الشكوك.
محمد الطاهر